مجد مشهراوي... مهندسة شابة أعادت الكهرباء لمنازل قطاع غزة

المهندسة الشابة مجد مشهراوي (الإندبندنت)
المهندسة الشابة مجد مشهراوي (الإندبندنت)
TT

مجد مشهراوي... مهندسة شابة أعادت الكهرباء لمنازل قطاع غزة

المهندسة الشابة مجد مشهراوي (الإندبندنت)
المهندسة الشابة مجد مشهراوي (الإندبندنت)

دفعت مشكلة انقطاع التيار الكهربائي، التي يعاني منها قطاع غزة منذ سنوات، مهندسة شابة، إلى إعادة الكهرباء لجزء كبير من القطاع باستخدام الطاقة الشمسية.
ووفقاً لصحيفة «الإندبندنت» البريطانية، فقد بدأت القصة في عام 2018، حين قامت المهندسة الغزاوية التي تدعى مجد مشهراوي (25 عاماً)، بإنشاء شركة أطلقت عليها «SunBox»، وقامت من خلالها بتصميم جهاز حمل اسم الشركة، يستخدم الطاقة الشمسية لتوفير الكهرباء.
وهذا الجهاز يتم ربطه بألواح يمكن للسكان تثبيتها على سطح منازلهم، وتستطيع توليد 1000 كيلوواط من الكهرباء. ويستغرق شحن الجهاز نحو ثلاث ساعات.
وتم تركيب الجهاز لأول مرة في مخيم للاجئين بالقطاع؛ حيث كان اللاجئون يجتمعون سوياً لمشاهدة التلفزيون يومياً بفضل «SunBox».
ولكن على الرغم من ذلك، لم تكن تكلفة الجهاز في متناول يد كثير من سكان القطاع؛ حيث إن سعره يبلغ 450 دولاراً.
ولحل هذه الأزمة، اقترحت مجد أن تقوم أكثر من عائلة بمشاركة جهاز واحد سوياً، وهو ما قام به سكان القطاع بالفعل، ليصبح عدد العائلات المستخدمة للجهاز في الوقت الحالي نحو 1000 عائلة.
وتسببت أزمة انقطاع الكهرباء في كثير من المشكلات بغزة، كان أشدها في المستشفيات، التي اضطر معظمها إلى استخدام المولِّدات، ولكن تكلفة هذه المستشفيات كانت باهظة الثمن، ولم يستطع كثير من السكان تحمُّل تكاليفها.
وتقول سيدة تُدعى سمر، يعاني نجلها من مرض في الرئة يجعله بحاجة دائمة إلى أجهزة التنفس الصناعي التي تعتمد على الكهرباء، إن جهاز «SunBox» أحدث «فارقاً كبيراً» في حياتها.
وأشارت سمر إلى أنها بسبب ظروفها المادية، لم يكن في وسعها دفع تكاليف المستشفيات الكبيرة، كما لم يكن في وسعها التنقل بنجلها خارج القطاع بين الحين والآخر لعلاجه.
وتابعت: «(SunBox) ليس مجرد جهاز يوفر لأطفالي الضوء اللازم للدراسة والمذاكرة، لقد غيَّر حياتي حقاً بعد أن مكَّنني من توفير الكهرباء اللازمة لتشغيل الجهاز الطبي لطفلي المريض. لن يساورني القلق بعد اليوم من عدم إمكاني الذهاب إلى المستشفى في الوقت المحدد لعلاج ابني».
ومن ناحيتها، قالت سيدة أخرى تدعى منى، إن الجهاز مكَّنها من مواصلة عملها من المنزل خياطة، مشيرة إلى أن عملها تأثر بشدة بأزمة الكهرباء، وأنها كثيراً ما كانت تستيقظ طوال الليل في انتظار عودة الكهرباء لإكمال عملها.
وأضافت: «لم أتخيل أبداً أنني سأسيطر على مصدر طاقتي. أشعر بالاستقلال».
يذكر أن مجد كان قد ذاع صيتها في البداية عام 2016، بعد أن قامت بتأسيس شركة تدعى «green cake» قامت من خلالها بتطوير مادة بديلة لتصنيع الطوب، لإصلاح المنازل التي تضررت من جرّاء القصف الجوي الإسرائيلي في غزة. وتتكون هذه المادة من كتل خرسانية مصنوعة من حطام المنازل الممزوج بالرماد، الأمر الذي يجعلها ميسورة التكلفة.
ويعاني قطاع غزة من أزمة في الكهرباء منذ أكثر من 13 عاماً، ويحتاج سكان قطاع غزة البالغ عددهم أكثر من مليونين إلى نحو 500 ميغاواط من الكهرباء يومياً، لا يحصلون على نصفها.



في بيت منصور الرحباني... غاب «الأستاذ» وبقي العطر والشِّعر والقلم

«الشرق الأوسط» تزور بيت منصور الرحباني في مئويّته الأولى (الشرق الأوسط)
«الشرق الأوسط» تزور بيت منصور الرحباني في مئويّته الأولى (الشرق الأوسط)
TT

في بيت منصور الرحباني... غاب «الأستاذ» وبقي العطر والشِّعر والقلم

«الشرق الأوسط» تزور بيت منصور الرحباني في مئويّته الأولى (الشرق الأوسط)
«الشرق الأوسط» تزور بيت منصور الرحباني في مئويّته الأولى (الشرق الأوسط)

العابرون في شوارع أنطلياس وأزقَّتها سيشعرون حتماً بعبَقٍ خاص، وسيلمسون أثراً ما خلَّفَه عبقريَّا البلدة اللبنانية الساحلية، الأخوان عاصي ومنصور الرحباني. ولمَن فاتَه العبق، ثمّة لافتة على الرصيف الرئيسي تُذكّر المارّة بأنّهم يعبرون في «شارع الأخوين رحباني».

تغيّرت البلدة. ما عادت كما تركها عاصي في 1986، ومنصور في 2009. استوطنت المباني والمحال بساتينَ الليمون، واكتظَّت الساحة بما لا يشبه أغاني الأخوين. وحدَه بيت «الأستاذ» بقي على حاله؛ هكذا ينادي أهل البلدة «جار الرضا» منصور الرحباني.

منزل منصور الرحباني في بلدة أنطلياس اللبنانية (الشرق الأوسط)

داخل صندوق الذكريات

خلف تلك الشبابيك الخشبيّة الحمراء، أمضى «الأستاذ» عمراً. خلال سنواته الأخيرة، اخترعَ لنفسه سكوناً يَقيه ضوضاء المدينة. إنه سكونٌ مصنوعٌ من حبرٍ وورقٍ وكتب، وألحانِ ما تبقَّى من عصافيرَ وشجر.

يوم أسلمَ منصور الرحباني الروح، سلَّم مفتاح البيت لابنه الأصغر أسامة، الذي فتح صندوق الذكريات لـ«الشرق الأوسط».

«عندما ذهبنا، شقيقي وأنا، لنستكشف قلعة بيبلوس الأثريّة بغية عرض أعمالنا هناك، حذّرنا أبي من إيقاظ الحجارة النائمة منذ 4 آلاف عام»، يخبر أسامة عن والده الذي كان حريصاً على عدم العبث بالإرث والمسّ بالتاريخ. «وهكذا أنا»، يتابع أسامة: «تركتُ كل شيءٍ كما كان قبل رحيله».

الكرسي الهزّاز الذي أحبّ منصور الرحباني الجلوس عليه (الشرق الأوسط)

من مخطوطات شِعره إلى خصلةِ شَعره

وكأنّ الزمن توقّف في بيت منصور الرحباني، وهذا القِدَم ينثر سِحراً في الزوايا. ها هو الكرسي الهزّاز الذي كان يحلو له الجلوس عليه. وهنا البيانو الذي مرّت عليه أصابعه، لم يبارح مكانه. وحدَها الموسيقى تبثّ الروح هنا، وتُعيد الحياة إلى ما بَهُتَ من ألوان بفعل مرور السنوات. يذكر الابن أباه وهو يتلقّى متأخّراً تقنيات العزف على البيانو، من الأستاذ ذاته الذي كان يأتي ليدرّس الأولاد: مروان، وغدي، وأسامة.

أسامة الرحباني عازفاً على البيانو ذاته الذي مرت عليه أصابع والده منصور (الشرق الأوسط)

لا يمرّ يومٌ من دون أن يجلس أسامة إلى هذا البيانو العتيق الذي شهد ولادة عددٍ كبير من روائع الرحابنة. يهجس حالياً بديوانِ أبيه «أسافر وحدي ملكاً»، وهو يعمل على تحويله إلى عرضٍ موسيقي ضخم، يتّخذ شكل «أوراتوريو»، وذلك تتويجاً لمئويّة ولادة منصور الرحباني هذا العام.

وللمناسبة ذاتها، ينتقل عددٌ من مقتنيات الرحباني إلى جناحٍ خاص يُقام ضمن «معرض أنطلياس للكتاب»، ما بين 6 و16 مارس (آذار). سيُتاح لقاصدي المعرض أن يعاينوا عن قُرب مخطوطات الشاعر والمؤلّف الموسيقي والمسرحي، من أبياتٍ ونوتات كتبها بخطّ يده، إضافة إلى أغراض أخرى، مثل: آلاته الموسيقية، وكتبِه، وأقلامه، وقبّعاته، وعصاه، وحتى خصلة من شعره. على أن يُختتم المعرض عشيّة ذكرى ميلاد الرحباني في 17 مارس، بمحاضرة عن إرثه، وبحفلٍ موسيقي صغير.

آلات البزق الخاصة بمنصور الرحباني ومخطوطات شعره بخطّ يده (الشرق الأوسط)

من بيتٍ إلى متحف

لا يستبعد أسامة -هو الذي يحرس الذاكرة كما لو كان يخدم في معبد- أن يتحوّل البيت إلى متحف. يؤكّد أنّ «المشروع وارد، إلا أنّ المسؤولية تقع على عاتق بلديّة أنطلياس أوّلاً، ووزارة الثقافة ثانياً». يضيف: «إذا جاء هذا اليوم، فلن أمانع أن أبقى مقيماً في المنزل– المتحف»، لئلّا يفقد بيت العائلة نبضَه ودفأه.

جزء من إحدى مكتبات منصور الرحباني في منزله (الشرق الأوسط)

كل ما في المكان يجعل منه متحفاً، بدءاً بالمكتبة التي تتدفّق منها الكتب لتصل السقفَ بالأرض؛ «كان منصور يمضي معظم يومه منشغلاً بالكتابة والقراءة. أحبّ القراءات التاريخيّة والفلسفيّة والدينيّة والسياسيّة والشعريّة»، يقول أسامة. ثم يلتفت إلى اللوحات التي تمتلئ بها كل جدران البيت، من رواق المدخل، مروراً بغرفة الجلوس وقاعة الطعام، وصولاً إلى مكتب منصور. «تعاملَ مع الرسم واللوحات كما لو أنها ثروة. اختارها بنفسه، وقد شهدتُ مرَّاتٍ دفع فيها مبالغ كبيرة مقابل لوحة».

كان الرحباني عاشقاً للرسم واللوحات وقد اقتنى منها عشرات (الشرق الأوسط)

من الفنّ أتى منصور وإلى الفنّ عاد. ملكَ بيانو، وكتباً، ولوحاتٍ ثمينة؛ لكنه -للمفارقة- لم يملك منزلاً ولا حتى قطعة أرض. «تصوّري أنّ الأخوَين رحباني اللذَين صنعا مجد الأرض اللبنانية في أغانيهما ومسرحياتهما وأفلامهما، رحلا عن هذه الدنيا من دون أن يملكا شبرَ أرض»، يقول أسامة. «حتى هذا البيت إيجار وليس مُلكاً».

جانب من غرفة الجلوس في منزل منصور الرحباني (الشرق الأوسط)

ما سرّ القبّعة؟

كان إذا انتهى منصور الرحباني من جلسته على الشرفة أو من محطّته في الكرسي الهزّاز، انتقل إلى مكتبه، وهو المكان الذي أمضى فيه معظم وقته. هنا أيضاً بقي كل شيءٍ على ما كان عليه قبل الرحيل. يستريح البزق على الأريكة الزرقاء. ربطَته بتلك الآلة الموسيقية علاقة خاصة؛ ولا سيما أنها كانت تذكّره بأبيه حنا، وبعدَه بشقيقه عاصي. صورتُهما معاً تظلّل طاولة المكتب، ونصوص مسرحياتهما ونوتات أغانيهما كما خطّها قلم منصور، شاهدة على سنواتٍ من ذهب.

في معظم صورهما، يظهر الأخوان معتمرَين القبّعة. «ما قصة القبّعة؟»، أسأل أسامة. «اشتريا معطفَين في أحد الأيام ليعثرا في جَيب كلٍّ منهما على قبّعة، ومنذ ذلك الحين اعتمداها فصارت جزءاً أساسياً من إطلالتهما».

كانت القبّعة جزءاً لا يتجزأ من إطلالة الأخوين عاصي ومنصور الرحباني (الشرق الأوسط)

عطر الزعتر وصوت المطر

تختبئ في الدُّرج نصوصٌ لم تُنشَر لمنصور الرحباني. ينبشها أسامة، يعيد قراءتها ولا يستطيع أن يقاوم الغصّة. ثم ينظر إلى زاوية فيها هواتف والده القديمة ويضحك: «كان يستصعب التعامل مع الهواتف الخلويّة، ويتذمّر من صِغَر حجمها». أما الكومبيوتر فلم يستعِن به يوماً، مفضّلاً الأوراق والأقلام. نضبَ الحبر منها؛ لكنها ما زالت هنا، تشهد لما أنتجَت من مسرحيات؛ «هذه هي الأقلام التي كتب بها مسرحيّتَي (ملوك الطوائف) و(جبران والنبي)».

أقلام منصور الرحباني وهواتفه (الشرق الأوسط)

فضَّل منصور الرحباني الأقلام على الأوسمة. تشهدُ على ذلك زاوية صغيرة في البيت خُصصت للنياشين. لم يكن التكريم يعني له الكثير. آثرَ رحلات الصيد مع الأصدقاء والأولاد والأحفاد، وهي كانت تذكّره بطفولته وشبابه مع عاصي. أما من العطور فأحبّ ما هو منبثقٌ من الطبيعة، كالزعتر والقصعين.

قوارير عطور منصور الرحباني وفرشاة شَعره (الشرق الأوسط)

من بين الأغراض كلّها، صارت العصا وعلبة الدواء رفيقة السنوات الأخيرة. «في مرحلة النهايات، ما عاد يحبّ العتمة، وصار ينتظر بزوغ الضوء»، يروي أسامة الرحباني. يتذكّره جالساً خلف باب المكتب يصغي إلى ما يتسرّب من نغمات البيانو، ولا يتأفف يوماً من الموسيقى المتواصلة.

بعد ثمانينه، تخفّفَ منصور الرحباني كثيراً من كل ما هو مادّيّ. وصار إيقاعه المفضّل صوتَ المطر المنهمر على سقف البيت العتيق فوق تلّة أنطلياس.