«المائدة الفلسطينية» كتاب استخرج لؤلؤة من محارة

رشح لجائزة جيمس بيرد وأدهش الغرب

ريم قسيس مع ابنتيها
ريم قسيس مع ابنتيها
TT

«المائدة الفلسطينية» كتاب استخرج لؤلؤة من محارة

ريم قسيس مع ابنتيها
ريم قسيس مع ابنتيها

دغدغة ناعمة من الطعام لحواسها كافية لأن يطير بساط الريح بها من ولاية فيلاديفيا إلى مدينة القدس. شعور عجيب يحدث عندما تلمس ريم قسيس حبيبات المفتول بين أصابعها. حين تقترب أنفاسها من الزعتر المطحون مع السماق والسمسم المحمّص. عندما تطرب أذنها لهمس زيت الزيتون لحظة سكبه في الخوابي. حين تبطئ في مضغ خبز الطابون المَلتوت بالزيت لتستمتع بطعم كل لقمة مع كوب شاي بالنعناع الطازج. وحين تقع عينها على عربة تجوب الشوارع محملة بكعك يشبه كعك القدس... عندئذٍ يبلغ الحنين منتهاه.
في مطبخ الكاتبة الفلسطينية الشابة تجدون زعتراً وسماقاً وجميداً «كشك» ودقة ومفتولاً وفريكة وزيت زيتون وزيتوناً بلدياً يتألق سَواده وخَضاره، حيث تستقر في أميركا مع زوجها وابنتيها، فكروم عائلتها في قرية الرامة الجليلية تجود عليها بمدّد الخيرات، ناهيك عن دبس الرمان الذي يحضرّه والدها من أشجار الرمان في حديقة بيتهم مُلِّطخاً قُمصانه به، فيهديه لابنته حين تزورهم أو يرسله بالبريد مع مجموعة منوعة من التوابل.
منظور إنساني أوسع
لم يسمع أحد في عالم الطهي بريم قسيس عندما كانت تنكبّ على كتابة «المائدة الفلسطينية»، وفي ذلك الوقت اطلعّ الطاهي والكاتب الشهير أنتوني بوردين على مسودته، فما كان منه إلا أن يعبر عن اندهاشه من مستوى قدرتها على إظهار قوة الطعام في إبراز جانب آخر من ثقافة وتاريخ الشعب الفلسطيني الذي لا يحظى في العادة باهتمام كافٍ بسبب التركيز على نضاله السياسي. فشجعها ودعمها وكتب مقدمة لكتابها.
ووصفه بوردين بأنه يضم بين دفتيه مجموعة مدروسة من الوصفات الرائعة والرؤى التاريخية والثقافية. لقد كان محقاً، ولذا أخذ حظه من النجاح الباهر عند صدوره عام 2017
الطعام بالنسبة لهذه الشابة المقدسية – حسبما تخبرنا - أكثر من مجرد قوت «إنه فرح وتواصل، حب وذكريات؛ لأنه يحكي قصة العائلة والتاريخ والتقاليد»، فمع كل وصفة أتحفتنا بها هناك قصة ولمحة عن الحياة والتاريخ وعن أوقات السلم والحرب والحزن والفرح والمواسم. وعن الأسرة والكَرم وروح البيت وضحكاته وحكاياته.
هي لم تخطّ كتاب طهي عادي يضم وصفات وحسب، وفي الوقت نفسه لم يكن كتاباً سياسياً، ومع ذلك لم يرد إلى خاطرها أن عرض تاريخ فلسطين وإرثها وثقافتها للعالم من خلال الطعام بطريقة مدروسة وجذابة سيساعد الكثيرين على فهم القضية الفلسطينية بمنظور إنساني أوسع بعد أن أثار إعجابهم، ولا تخفي في حديثها الممتع مع «الشرق الأوسط» أنها فوجئت بمستوى الترحيب بكتابها في الأوساط الأوروبية والأميركية إلى حد تلقي دعوات للحديث في الكثير من الجامعات والندوات.
أخذت الكاتبة على عاتقها فتح المَحارة الرائعة المنسية لتستخرج واحدة من أنصع لآلئها؛ ويزداد يقينها أن تعبها ما ضاع سدى كلما تلّقت بشارة من قارئ غربي يؤكد لها أنه أصبح يعرف للمرة الأولى عن جوانب أخرى من حياة الشعب الفلسطيني لم تكن ضمن توقعاته، ويثلج صدرها كلما وصلت رسالة من فلسطيني يعيش في مكان ما من الكرة الأرضية ليخبرها عن سعادته بتحضير طبق من وصفات الكتاب أعاده إلى طفولته في فلسطين؛ ومرة تلو أخرى تبرهن أن الطعام قادر على التخفيف من وطأة قانون المسافة ليصير الوطن البعيد أقرب وأغلى.
تجدر الإشارة إلى أن الكتاب المترجم إلى اللغتين الفرنسية والألمانية رشّح لجائزة جيمس بيرد، والتي تعد أكبر جائزة في عالم الطهي في الولايات المتحدة. كما رُشّح لجائزة أندريه سيمون وجائزة إدوارد ستانفورد، وحاز جائزة نقابة كتاب الطعام «الجائزة الأكثر شهرة في عالم الطهي» في المملكة المتحدة. ووقع عليه الاختيار كواحد من أفضل الكتب لعام 2017.
سألناها عن الدافع الذي تملّكها لتصرّ على خروج هذا النوع من المحتوى إلى النور، فقالت إن سرقة الأطباق الفلسطينية من دون خجل أشعلت شرارة الغضب في روحها عندما لاحظت إطلاق أسماء أخرى عليها لتُقدم في كثير من المطاعم في أنحاء العالم على أنها إسرائيلية، لقد أرادت من أعماقها أن يعرف العالم حقيقة هذه الخدع؛ «إنه طعام فلسطيني مرّ بالكثير من التطورات على مدار التاريخ» تقولها بثقة تامة.
ولعل من المفارقة أنها قبل دخولها في غمار التأليف لم تعِ أن الطعام يملك قوة جبارة؛ بالنظر إلى أنه وسيلة ساحرة للتواصل مع الآخرين ومن خلاله يمكن استكشاف حضارات الشعوب وثقافاتها، وتزيد بالقول: «في حالتنا؛ الطعام عدسة تمكّن الآخرين من النظر إلى الفلسطينيين كشعب متكامل في جوانب حياته، غير مقتصر على خوض الصراع السياسي».
تقفز ريم إلى ضفة حساسة في الحديث بقولها: «لا أعارض أن يحب (الإسرائيلي) طعامنا ولا أن يطبخه، لكن لا أقبل أن ينكر أحد بأن هذه أطباق فلسطينية شامية وأنها جزء لا يتجزأ من إرثنا الحضاري على مر العصور».
«ما هي أفضل طريقة برأيك للخروج من هذا السِجال؟»... تجيبني بنبرة مطمئنة «أنسب طريقة أن نترك طعامنا وتاريخنا يتحدثان عن نفسيهما؛ عندما نشارك مع العالم أطباقنا المميزة بمستوى يليق بها ونعرّفهم على التاريخ الذي يقف خلفها فإننا نحفظ حقنا من جهة ومن جهة ثانية نبقيه للأجيال القادمة بواسطة توثيق أطباقنا الأصيلة حتى لا يطويها النسيان».
وتتحدث بصراحة أكبر «أحد أخطائنا أننا تجاهلنا دور الطعام في حياتنا؛ لأن قضيتنا السياسية كانت وما زالت تشغلنا؛ وبلا شك هي الأهم، إلا أنه من المهم أن نوقن بأن الطعام جزء من نضالنا حتى نحافظ على هويتنا، قد لا نستعيد به بلادنا جغرافيا، لكنه سيشد من أزرنا نفسياً وعاطفياً».
الطعام غِراء
نشأت ريم في مدينة متفردة بطبعها، وذلك التفرد وصل إلى مطبخها الذي يُشكل بوتقة غنية لمطابخ عدة من المناطق الفلسطينية. ترعرعت بين ثلاث موائد، الأولى في بيت والديها بالقدس، والثانية في بيت جدتها (أم أبيها) في قرية الرامة الجليلية، والثالثة في بيت جدتها (والدة أمها) في قرية جلجولية في المثلث، كانت جدتاها تحبان الطبخ كثيراً، مما هيأ الأجواء للحفيدة لتعلّم الطهي على أصوله.
إن كانت ريم تشرّبت شيئاً واحداً من نساء عائلتها فيما يخص السر الحقيقي للطهي الجيد، فذلك الشيء هو «الحب»... الحب لما تفعله، وللمكونات وللعملية نفسها.
إذن، ليس غريباً أن كل كلمة تفوّهت بها نكهّتها بالحب؛ ولا سيما هنا: «عندما سافرتُ إلى الخارج لإكمال دراستي بدأت الروائح والذكريات تطاردني، لقد اكتشفت أن تناول الطعام مع الأسرة طريقة للحياة، وحينها فقط آمنت أن الطعام غراء يلصق روح المرء بمناسبات عائلية لا تُنسى وسبب قوي لربطه بجذوره، وأن الوقت الذي يقضيه مع أهله أثناء تحضير الطعام لا يُقدّر بثمن».
فتحت الحياة ذراعيها لريم وجولّتها بين أماكن براقة ذات نمط محموم وأعطتها ما تشتهي من الشهادات العليا والوظائف المرموقة، لكنها ما لبثت أن أعادتها إلى المكان الذي بدأت منه وهو «المطبخ»، فقد عملت مستشارة إدارية في «مكنزي» أكبر شركة في العالم للاستشارات الإدارية، إلا أنها بعد ولادة طفلتها الأولى، غادرت عالم الأعمال وقررت أن تتبع قلبها فإذ به يقودها إلى المطبخ لتكتب عن الطعام وضرورة الحفاظ على تقاليد الطهي الفلسطينية.
راحت ريم تحكي لـ«الشرق الأوسط» بشغف عن حكايات شخصية لعائلتها غزلت منها كتابها؛ ساردة فيه قصص الجدات، وبالأحرى قصة شعب كامل بتسليط الضوء على أكلاته، التي هي مِلك لكل الفلسطينيين في أنحاء العالم كافة، حسب تعبيرها.
لقد عادت بنا إلى زمن جميل كانت تجتمع فيه نساء الحارة قُبيل العيد لتحضير الكعك حتى تساعدن بعضهن بعضاً، حدثتنا عن أغانٍ غنينّها أثناء الطبخ للتسلية، وعن ضحكات صدحت أيام موسم قطف الزيتون وفيه يتعاون الكل على استخراج الزيت وكبس الزيتون الأخضر والأسود؛ وعن سعادة يتطاير شذاها عند تنشّق رائحة الزيت الجديد بينما ينغمس بخبز الطابون الساخن ليتعاهدوا من جديد أنهم باقون ما بقيت شجرة الزيتون. لقد فعلتها السيدة الصغيرة! حكت بنزاهة عن قصة عشقهم لأرضهم وذكرياتهم التي يحملونها معهم أينما حطّت بهم الرِحال.
نقلّب سريعاً في صفحات الكتاب فتظهر أدوات نحاسية تقليدية استعملتها جدتها قبل سنين طويلة واحتفظت بها لقيمتها العاطفية والتاريخية، وبأسلوب احترافي غُمس في محبرة أديب وأدوات باحث؛ تتأرجح الكاتبة بقارئها بين السطور لتنقله إلى مكان وزمان بعيدين محفزّة عنده حاستي التذوق والشم، ومما يلفت الانتباه أن صور الوصفات التقطتها جميعها في بيت والديها بمدينة القدس.
وحول المصادر التي استندت إليها ريم، تذكر أن بعضها قصص مروية عن أقاربها، والبعض الآخر محادثات شخصية أجرتها مع نساء من مناطق مختلفة داخل فلسطين وخارجها، ولم تُغفل بطبيعة الحال المصادر الأكاديمية والاطلاع على كتب قد لا تتعلق مباشرة بالطعام إلا أنها تمنح بعدا لفهم ثقافته.
توقفت عند صورة للمسخن فيها جمال صارخ؛ وأشارت بأصبعها قائلة: «المسخن يجسد جوهر القصة الفلسطينية»، طبق تراثي فاخر ترسمه بأناملها حين تصفه: «تنفتح الشهية عليه بعد عَصر الزيتون؛ كونه يتطلب كمية وافرة من الزيت، هذه الشجرة المباركة الشامخة تحكي قصة شعب لا ينهزم!».

مرحباً بك في بيتك
عصافير المعدة تبتهج إذا ما حضر «الدجاج المحشي» أكلة ريم المفضلة التي مهما أتقنتها فلن تُحصّل نكهة أمها وجدتها - هكذا تشدنا ريم أكثر إلى بَوحها الجميل.
وتتورّد قسمات وجهها عندما يمر ببالها أطعمة مغذية سخية ينطق دفؤها من دون صوت: «مرحباً بك في بيتك»، من بينها البيض المقلي الذي لا يقبل به والدها من دون أن يعلوه الزعتر والسماق، ولا يغيب عن ذاكرتها «تبولة تيتا أسما» وقَطّينها المعقود، والحوسة، والعجة، وصلصة الطحينة، واللبن المطبوخ، والمَلاتيت، والصفيحة، والكعك الأصفر، والمناقيش وفطائر السبانخ، والمطفية «قرنبيط مع لبن»، وغيرها من الأصناف.
ولا تسقط ولو سهواً الأطباق المرتبطة بالذكريات، فعلى سبيل المثال «أرز الحشوة» تعودت جدتها الأولى أن تحضره في عيد الميلاد، والمقلوبة كانت تعدّها جدتها فاطمة في أيام الجمع، وعند اجتماع العائلة لا بد وأن يتواجد طبق المناسبات السعيدة «الكبة النية» أكلة والدها المحببة.
وإن تساءلتم عن كتابها الثاني فهو في الطريق؛ وسينشره الناشر نفسه (فايدون) عام 2021، وهذه المرة ستلقي الضوء على الطعام في الشرق الأوسط وأسلوبه في التطور والتماشي مع أطعمة شعوب أخرى؛ متتّبعة الأصل التاريخي لعدد من الأطباق، وذلك في إطار السعي إلى رصد الانفتاح الثقافي والحضاري الذي يولّد أطعمة جديدة.
وببراءة تنضم «قطعتي سكر» اسماهما ياسمين وهالة إلى المطبخ لمساعدة أمهما التي تعلّق بابتسامة رقيقة: «يفرحني أن أرى ابنتَي تنشآن بين ربوع المطبخ الفلسطيني الأصيل، أتمنى حقاً أن أترك لهما قطعة من حياتنا وتراثنا تصاحبهما أينما استقر بهما المقام، يكفيني أن تدركا بأن كل فرد منا بوسعه أن يقدم صنيعاً حسناً لأجل شعبه».
تاركة ريم للصغيرتين وَديعة على شكل جملة: «يمكنكما الوثوق بالعائلة الفلسطينية لأنها ستظل تحبكما دون قيد أو شرط».



«اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ» في الرياض... الاحتفاء بهوية اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ

موروث ﺛﻘﺎفي ﻣﺘﻨوع ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎطق السعودية الـ13 (هيئة فنون الطهي)
موروث ﺛﻘﺎفي ﻣﺘﻨوع ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎطق السعودية الـ13 (هيئة فنون الطهي)
TT

«اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ» في الرياض... الاحتفاء بهوية اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ

موروث ﺛﻘﺎفي ﻣﺘﻨوع ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎطق السعودية الـ13 (هيئة فنون الطهي)
موروث ﺛﻘﺎفي ﻣﺘﻨوع ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎطق السعودية الـ13 (هيئة فنون الطهي)

يحتفي ﻣﻬﺮﺟﺎن اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ، الذي احتضنه مدينة الرياض، بهوية اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ، ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ موروثاً ﺛﻘﺎﻓﻴاً ﻣﺘﻨﻮﻋاً ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎﻃﻖ السعودية اﻟـ13، وبتجارب رواد ورائدات أعمال سعوديين، حوّلوا قصصهم الخاصة إلى مشاريع ناجحة وفريدة في حكاياتها ومنتجاتها.

احتضنت جامعة الملك سعود النسخة الخامسة من مهرجان الوليمة للطعام السعودي، الذي هو من تنظيم هيئة فنون الطهي التابعة لوزارة الثقافة، ويهدف إلى إبراز تنوع المائدة السعودية، حيث ضمّت فعاليات المهرجان 13 قسماً رئيسياً للأطباق المحلية، بمشاركة أكثر من 200 جهة دولية، وجاءت دولة تايلاند ضيفاً رئيسياً، ضمن جناح مخصص يعكس هوية وثقافة المطبخ التايلاندي التقليدي.

تحتضن جامعة الملك سعود النسخة الخامسة من مهرجان الوليمة للطعام السعودي (هيئة فنون الطهي)

من مزرعة عائلية إلى مصنع يصدّر العطور

وضمن المهرجان، استعرض مشروع «بيت الورد الطائفي» حكاية سعودية، امتدت من أرض زراعية محدودة إلى مشروع صناعي متكامل، ينتج أحد أغلى الزيوت العطرية في العالم، حيث يصل سعر لتر دهن الورد الطائفي إلى 120 ألف ريال.

بدأت الحكاية عند سفوح مدينة الطائف، حيث نشأ نايف الخالدي وأسرته في مزرعة عريقة اشتهرت بزراعة الورد الطائفي، وتحدث الخالدي لصحيفة «الشرق الأوسط» عن ملامح رحلة نجاح «بيت الورد الطائفي»، وقال: «كنا نملك مزرعة تقليدية في الطائف، نهتم بزراعة الورد الطائفي، ومنذ ولادتي وأنا أرى والدي يزرع الورد ويعتني به»، ويمثل ذلك للخالدي هويته وإرثه العائلي؛ إذ تربت الأسرة على هذه الأرض منذ الصغر، واصفاً المشروع بأنه «مسؤولية تجاه إرث عائلي، وليس مجرد تجارة»، مستحضراً جانباً من بداياته: «وُلدت في المزرعة وفي ظروف بسيطة، حيث كانت الأسرة تقضي معظم وقتها في العمل بالأرض».

«بيت الورد الطائفي» حكاية سعودية امتدت من أرض زراعية محدودة إلى مشروع صناعي متكامل (الشرق الأوسط)

وأضاف الخالدي: «مع مرور الوقت طوّرنا آليات العمل في المزرعة، وتوسع نشاطنا لنؤسس مصنع التقطير لاستخراج الزيوت العطرية والمياه المركزة المخصصة لمستحضرات التجميل، وذلك عام 2018. ثم انتقلنا إلى استخراج زيت بذور التين الشوكي، إلى أن أصبح لدينا مصنع لمستحضرات التجميل ومصنع للعطور داخل المزرعة نفسها».

وأكد الخالدي أن الجهات الحكومية قدّمت دعماً كبيراً، أسهم في انتقال المشروع من مزرعة إلى مصنع متكامل، موضحاً: «وزارة الصناعة وقفت معنا وقدمت تسهيلات مهمة، إلى جانب الدعم المقدم من هيئة الدواء والغذاء بمعايير صارمة، ويمثل وجود مختبرات معتمدة داخل المزرعة مصدر ثقة وفخر لنا».

ويمتد عمر المزرعة لأكثر من 50 عاماً، بينما تمتد خبرة العائلة في زراعة الورد الطائفي لأكثر من 100 عام، ويعدّ تأسيس المصنع عام 2018 استثماراً للتسهيلات الحكومية وبداية مرحلة جديدة من التصنيع الاحترافي.

وأشار الخالدي إلى أن نقطة التحول بدأت مع «رؤية السعودية 2030»، حيث كانت المصانع تتركز في المدن، لكن المزرعة حصلت على تصريح خاص لتصبح أول مصنع في الطائف يحصل على اعتماد إنتاج مستحضرات التجميل، تحت إشراف وزارة الصناعة وهيئة الدواء والغذاء، داخل الأرض نفسها.

وأضاف: «وصلنا اليوم إلى مرحلة التصدير لدول الخليج، وسنبدأ التوجه نحو أوروبا الشرقية وآسيا والولايات المتحدة، فهناك اهتمام لافت بالعطر السعودي، وتركيزنا الأول حالياً على الأسواق الخليجية، إلى جانب سعينا نحو المشاركة في (إكسبو 2030)».

مهرجان الوليمة للطعام السعودي منصة تجمع بين التراث والابتكار في المطبخ المحلي (هيئة فنون الطهي)

من طلب مريض السكري إلى مصنع شوكولاتة

قصة أخرى تبرز وسط أجنحة «مهرجان الوليمة» للطعام السعودي؛ إذ لفتت فاطمة السالم، صانعة الشوكولاتة وخريجة حاضنة «كون» لفنون الطهي والأكاديمية العالمية لفنون الطهي، الأنظار بعلامتها «سمراء شوكولاتة» ومشروعها الذي بدأ من مطبخ المنزل، قبل أن يتحول إلى مصنع متكامل، مخصص لإنتاج شوكولاتة صحية مصنوعة من الصفر، وجاءت البداية حين طلب أحد أفراد عائلتها، الذي يعاني من السكري، شوكولاتة مناسبة لحالته الصحية، في وقت تمتلئ فيه السوق بمنتجات عالية بالسكر المكرر والمواد الحافظة.

ووجّهت فاطمة السالم تساؤلاتها في التعلم والتجربة، مشيرةً إلى أن تحول المادة السائلة إلى شوكولاتة صلبة أثار فضولها، وفي ذلك الوقت صنعت أول وصفة مخصصة لمرضى السكري، واصفةً بأنها «فرحة لا تقدر... وزادت ثقتي بنفسي وبقدراتي»، وبدأت صناعة الشوكولاتة من بداية حبوب ثمرة الكاكاو باستخدام بدائل صحية مثل سكر التمر، وموضحةً صعوبة البدايات ومراحل التعلم حتى طوّرت عملها من آلة إذابة بسيطة إلى معدات طحن وتعديل حرارة الشوكولاتة متخصصة داخل طابق كامل في منزلها، لتؤسس مصنعاً صغيراً يلبي الطلب المتزايد.

«سمراء شوكولاتة» مشروع بدأ من مطبخ المنزل قبل أن يتحول إلى مصنع متكامل لإنتاج شوكولاتة صحية (الشرق الأوسط)

وكشفت السالم، خلال حديثها لصحيفة «الشرق الأوسط»، عن أن «الإقبال نحو الشوكولاتة الصحية جعلني أدرك تجاوز مرحلة التجربة ليكون نشاطاً تجارياً حقيقياً، حيث شريحة واسعة من مرضى السكري والمهتمين بالخيارات الصحية ظلوا يشكلون جزءاً كبيراً من عملائي».

ونتيجةً للوعي المتنامي، صارت المنتجات الصحية عاملاً مهماً في توسع المشروع، وخاصةً بعد مشاركتها في نسخة سابقة من مهرجان الوليمة.

وأضافت: «أهدف إلى رفع الوعي والذائقة بالشوكولاتة الحرفية، من المهم أن يتعرف المستهلك على الشوكولاتة الحقيقية المصنوعة من الصفر، حيث سعيتُ لإنتاجها بنكهات سعودية لاقت إعجاب الزوار، مثل الورد الطائفي مع جناش الفانيليا، ونكهة الكليجة المميزة».

ويعدّ مهرجان الوليمة للطعام السعودي منصة تجمع بين التراث والابتكار في المطبخ المحلي، يمنح رواده تجربة متنوعة تشمل الأطعمة التقليدية، والأسواق التراثية، والحرف اليدوية، والعروض الموسيقية والفلكلورية، ومتحف العسل، ويسهم في تمكين الهوية الوطنية وإبراز الموروث الغذائي السعودي، كما يعزز التبادل الثقافي مع ضيوف الدول المختلفة، ويُعرّف بالمطبخ السعودي على الخريطة الدولية، من خلال إقامة ورش تعليمية وتفاعلية لجميع الفئات العمرية.


شيف كندي يحصد «جائزة جورماند» العالمية في «مهرجان الطعام السعودي»

الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض
الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض
TT

شيف كندي يحصد «جائزة جورماند» العالمية في «مهرجان الطعام السعودي»

الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض
الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض

عبر الشيف الكندي جو ثوتونغال من أصول هندية، والذي حصد «جائزة جورماند» عن كتاب My Thali يوم الجمعة الماضي في «مهرجان الطعام السعودي» الذي أقيم مؤخراً في الرياض، عن ذهوله بثراء التراث الطهوي الغني للسعودية.

وأفصح السفير الكندي لدى السعودية جان فيليب لينتو، لـ«الشرق الأوسط»: عن فخره برؤية مواهب الطهي الكندية معترفاً بها في السعودية، مضيفاً أن التنوع الكندي يغذي الابتكار في الطهي، كما أن جودة المنتجات الكندية تخلق نكهات تجمع الثقافات معاً.

وقال الشيف ثوتونغال، لـ«الشرق الأوسط»: «أقوم بزيارة هيئة فنون الطهي السعودية في الرياض كجزء من رحلتي لحضور مهرجان الطعام السعودي 2025 وحفل توزيع جوائز جورماند (الأفضل على مدار 30 عاماً)».

وأضاف ثوتونغال: «هذه هي المرة الثانية التي أحضر فيها مهرجان الطعام السعودي، وباعتباري طاهياً، فهي فرصة ثمينة لاستكشاف التراث الطهوي الغني للسعودية. أنا مهتم بشكل خاص بمعرفة المطبخ الأصيل لمختلف المناطق، بالإضافة إلى إنتاج زيت الزيتون والعسل في المملكة».

الشيف الكندي جو ثوتونغال يحضر لاحدى الوجبات الشهية (السفارة الكندية) بالرياض

ولفت إلى أن حفل توزيع جوائز جورماند الدولية يجمع مؤلفي كتب الطبخ الملهمين من جميع أنحاء العالم، مبيناً أنها منصة رائعة للتواصل مع المتخصصين ذوي التفكير المماثل، وتبادل الأفكار، واكتشاف المأكولات والثقافات المتنوعة، حيث يمثل هذا الحدث دائماً مصدراً رائعاً للتحفيز والإلهام الإبداعي بالنسبة لي.

وتابع الشيف الكندي: «إذا كنت سأوصي بأطباق ليجربها الضيوف السعوديون، فسأبدأ بشرائح لحم الضأن من كيرالا من كتاب الطبخ كوكونت لاجون. السعوديون لديهم حب عميق للحم المشوي، وهذا الطبق يربط بين عوالم الطهي لدينا بشكل جميل. يضيف التتبيلة على طريقة ولاية كيرالا - المعطرة بالبهارات وجوز الهند ولمسة من الحرارة - طبقات من التعقيد دون التغلب على الثراء الطبيعي للحوم».

الشيف الكندي جو ثوتونغال يحضر لاحدى الوجبات الشهية (السفارة الكندية) بالرياض

وأضاف: «أود أن أقدم لهم سلطة الحمص الأسود، حيث يُستخدم الحمص على نطاق واسع في المطبخ السعودي، لكن الحمص الأسود (كالا شانا) يقدم تجربة مختلفة أصغر حجماً وأكثر صلابة وأكثر نكهة بشكل مكثف من الحمص الأبيض. تُظهِر هذه السلطة الممزوجة بالبهارات وعصير الليمون وبعض الخضار المقطعة كيف يمكن تحويل المكونات المألوفة من خلال عدسة النكهات الساحلية في ولاية كيرالا».وقال ثوتونغال أيضاً: «لأن الأسماك الطازجة هي جوهر تقاليد الطعام السعودية، فإنني أوصي بطبق البلطي المقلي من ماي ثالي. مع تتبيلة التوابل النابضة بالحياة واللمسة النهائية المقرمشة، يعد هذا الطبق بمثابة تذكير بأن المأكولات البحرية لا ينبغي أبداً أن تكون لطيفة. فهو يجمع بين الروائح العطرية الجريئة والحرارة اللطيفة والمذاق النظيف للأسماك الطازجة، وهي نكهات أعتقد أن الأذواق السعودية ستقدرها حقاً». وتابع: «تحتفل هذه الأطباق معاً بالحب المشترك بين ثقافتينا للتوابل الجريئة والمكونات الطازجة والأطعمة التي تحكي قصة».


مدونة الطعام أناستازيا اكتشفت بلاد الأرز فوقعت في حبّها

في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)
في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)
TT

مدونة الطعام أناستازيا اكتشفت بلاد الأرز فوقعت في حبّها

في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)
في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)

«غايد. إل بي» هو عنوان الصفحة الإلكترونية التي تطل منها مدونة الطعام أناستازيا باكوموفسكايا على وسائل التواصل الاجتماعي، وتنشر فيها انطباعاتها حول بلاد الأرز. فقد استكشفت لبنان منذ سنوات قليلة ووقعت في حبّه.

وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «لقد زرت أكثر من 50 بلداً حول العالم. ولكن قلبي وقع في حب لبنان، فشعرت وكأنه بمثابة بيتي وعائلتي».

منذ تلك اللحظة قررت آنا كما تحب أن يناديها المقربون منها، أن تدوّن كل ما يتعلّق بميزة أطباق لبنان ومطبخه ومطاعمه. لذلك نراها تتجول بين مختلف المناطق وتنقل منها كل ما يلفتها في عالم الطعام. بالنسبة لها، فإن لبنان يتمتع بطبيعة ساحرة. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أغرمت بأهله وبطقسه المعتدل، وكذلك بأطباق طعامه اللذيذة والشهية. فليس هناك من مطبخ آخر ينافسه برأي، لأنه متنوع وصحي في آن».

أناستازيا في صورة تحكي فيها عن الخبز "المرقوق" (انستغرام)

وعن أطيب الأكلات التي تحب تناولها في لبنان، تقول: «أحب كثيراً تناول طبق الملوخية، وكذلك طبق الـ(شيش برك) باللبن والنعناع اليابس. أما في مجال الحلويات فلا شيء يضاهي طعم ونكهة الكنافة بالجبن».

بدأت قصة أناستازيا مع لبنان منذ نحو 6 سنوات. زارته نظراً لنصيحة أحد الأصدقاء لكونه من البلدان الجميلة جداً. «لم أتوقّع أن يكون بهذا الجمال من عدة نواحٍ. لذلك قررت الإقامة فيه، وصرت اليوم باحثة نهمة عن كل تفصيل يتعلّق بمطبخه».

أناستازيا الروسية الجنسية تجد نقاط تشابه قليلة بين أطباق بلادها وتلك الخاصة بلبنان. وتقول: «هناك أطباق مثل الملفوف المحشو باللحم. وكذلك قطع العجين باللحم المعروفة بالـ(سمبوسك). فهي تشبه أصناف طعام موجودة في بلادنا. ولكن عندنا تحضّر من خلال وضعها في مياه مغلية فقط. فنتناولها إثر نضجها بهذه الطريقة وليس بتقنية الطهي اللبنانية نفسها».

تحب التجوّل في شوارع بيروت (إنستغرام)

لا تتحمس كثيراً لافتتاح مطعم روسي في لبنان. «أعلم تماماً بأنه ليس في لبنان مطعم روسي مع الأسف. أحياناً، أفكر في افتتاح واحدٍ لتعريف اللبنانيين على أطباقنا. ولكن لا أتوقع له النجاح لأن مطبخنا يرتكز على الأطعمة الدسمة والساخنة جداً، فتغيب عنه السلطات والأكلات الخفيفة. فبلدي يقع في منطقة قطبية باردة جداً، فيما لبنان الواقع على البحر المتوسط يفضّل أهله الطعام الـ(لايت) والطازج».

وتستطرد: «ربما أفتتح مطعماً يقدم الأكلات الروسية واللبنانية. وبذلك أجلب روسيا إلى بيروت لمن لم يزرها بعد».

جالت أناستازيا في البترون كما في بيروت وزغرتا والجنوب. «لفتني جداً مطعم (جورجينا) وتديره النساء في بلدة زغرتا. يحضرن الطعام في حديقة غنّاء في الهواء الطلق. صحيح أن موقع المطعم يبعد عن العاصمة، ولكن أطباقه تستأهل قطع هذه المسافة الطويلة».

تعترف أناستازيا بمواجهتها تحديات كثيرة في إقامتها الأولية في بيروت. «لم أكن أعرف تفاصيل كثيرة عن يوميات هذا البلد، وما زلت أتعلم من أخطائي وأتأقلم أكثر».

تهوى آنا مقاهي لبنانية عديدة وتصفها بالرائعة. مضيفة: «هناك عدد كبير منها في مناطق الجميزة ومار مخايل والصيفي، وجميعها تراعي أذواق الناس على اختلافها. أنا مثلاً أحب مقهى (سيب) و(لوفانت) في الجميزة. فهما يتيحان لروادهما الاستمتاع بفنجان قهوة صباحي يضاهي بطعمه أهم المقاهي في العالم. خصوصاً إذا ما تناولناه مع قطعة حلوى لبنانية».

تصف لبنان بالبلد الساحر الذي وقعت في حبّه (إنستغرام)

وماذا عن المطعم الذي يقدم أطيب الأطباق اللبنانية بنظرها؟ تردّ بحماس: «أعدّ مطعم (ام شريف) هو الأهم، ويتميز بكونه يقدم الأطباق اللبنانية الأصيلة بنكهاتها التراثية».

تجري أناستازيا مقارنة سريعة بين بيروت وعواصم عربية أخرى. «زرت دولة الإمارات العربية، دبي مثلاً، ولكنني فضّلت لبنان عليها من نواح مختلفة. فلبنان بلد دافئ، مرت عليه حضارات كثيرة. وهو ما ألّف عنده هذا المزيج من الثقافات. ولكنني من ناحية ثانية أتوق لزيارة المملكة العربية السعودية. ففي السنوات الأخيرة شهدت تبدلاً وانفتاحاً كبيرين. وأتمنى أن أزور مناطق الرياض والعلا وغيرها لأكتشف تاريخ هذه البلاد وجمال حضارتها العربية الأصيلة».

ترفق المدونة الروسية منشوراتها مرات بأغانٍ لفيروز. وفي أحيان أخرى تدأب على نقل أجواء السهر في العاصمة. ولا تتوانى عن نشر مقاطع مصورة من يومياتها خلال تجولها في بيروت. وتقول: «أحب منطقة المنارة والروشة. ومن خلال حواراتي مع اللبنانيين صرت اليوم أجيد التحدث بالعربية. فشعب لبنان محب وقريب إلى القلب».

تزوّد أناستازيا متابعها بعناوين مطاعم ومقاهٍ وأماكن سياحية تحلو زيارتها من وقت لآخر. ومرات تضيف إليها معلومة مفيدة تحكي فيها عن ميزات لبنان. وتعلق: «تخيلي مثلاً أنني عرفت مؤخراً، بأن هناك منازل قديمة يعود تاريخها إلى 400 سنة خلت تقع على شاطئ البحر. وبينها (بيت البحر) للضيافة في منطقة طبرجا».

وتختم لـ«الشرق الأوسط»: «الطبخ في لبنان فن، وأتمنى يوماً ما أن أجيد تقنية الطبخ اللبناني. فأصبح ضليعة في معرفة الأطباق اللبنانية من ألفها إلى يائها».