«فيسبوك» الوسيلة الأسرع لتذوق الطعام السوري

المنسف والملفوف وداود باشا على مائدة المصريين

الأطباق على شبكات التواصل الإجتماعي ... العين تشتهيها قبل المعدة
الأطباق على شبكات التواصل الإجتماعي ... العين تشتهيها قبل المعدة
TT

«فيسبوك» الوسيلة الأسرع لتذوق الطعام السوري

الأطباق على شبكات التواصل الإجتماعي ... العين تشتهيها قبل المعدة
الأطباق على شبكات التواصل الإجتماعي ... العين تشتهيها قبل المعدة

من داخل شقة صغيرة، تقع في منطقة التجمع الأول بـ(شرق القاهرة) اتجه الزوجان السوريان ناريمان دمشقي وزوجها سامي عبد الستار، إلى تحضير الأطعمة والترويج لها في أوساط الأصدقاء والمقربين، وعبر صفحات الـ«سوشيال ميديا» في محاولة للكسب، لكن لم يتوقعا أن الأطباق ذات الصبغة السورية ستشهد إقبالاً واسعاً وتحتل مع مرور الوقت مكانة مهمة على مائدة المصريين.
وتجربة ناريمان وسامي، واحدة من تجارب تصنيع الطعام السوري «البيتي» والترويج له عبر صفحات التواصل الاجتماعي، حتى أن المرور على صفحات الأكل السوري بموقع التواصل أشبه بهُدنة ممتعة تحمل لصاحبها كل ما لذ وطاب، فمن «الفتوش»، إلى «الكُبيبة»، مروراً بـ«اللبن المطبوخ مع اللحم»، وغيرها من الأكلات الدسمة، انتهاءً بحلو الشام ذائع الصيت بين المصريين، فتجد نفسك حائراً بين الهريسة والزلابية ومعروك جوز الهند. وبمجرد أن تأخذ قرارك بتناول صنف من هذه المأكولات، ليس أمامك سوى الاتصال على الرقم المرفق بالصفحة، ليصلك طلبك بعد وقت قصير.
عدد الصفحات الخاصة بإعداد الأكل السوري «البيتي» على «فيسبوك» كثيرة ومتنوعة، مثل «ليالي الشام» بمنطقة النزهة الجديدة (شرق القاهرة) و«الأكل السوري على أصوله» في المعادي، وهناك سوريات اتبّعن طريقة أخرى، بترويج أطعمتهن المنزلية الشهية عبر غروبات خاصة بالطهي.
الدعاية للأكلات السورية عبر موقع التواصل الاجتماعي، عن طريق وصف تفصيلي للمكونات أحد أكثر عوامل الجذب، خصوصاً إذا تمت الاستعانة بخبير في الـ«سوشيال ميديا»، بحسب تأكيد السيد حميد، كاتب محتوى لإحدى صفحات الطعام.
و«مطبخ اللقمة الهنية»، هو اسم الصفحة التي أسستها ناريمان وزوجها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، منذ ثلاث سنوات، ويقترب عدد متابعيها من عشرة آلاف متابع؛ بهدف التواصل مع عملائهما في منطقة التجمع الأول في بادئ الأمر، ثم توسع النشاط وجاب أرجاء القاهرة، وفق ما أشارت إليه ناريمان دمشقي في حديثها لـ«الشرق الأوسط».
المطاعم السورية تنتشر في مصر كثيراً، ويشهد لها الجميع بالجودة، وحُسن التعامل مع الزبائن، وهي السمة التي جعلت زبائنهم في ازدياد، إضافة إلى أن التعرف على الأكلات الشامية أصبح سهلاً عن طريق الإنترنت، بحسب إيناس محمد (29 عاماً)، التي أشارت إلى أن كونها امرأة عاملة تعود إلى منزلها متأخرة، جعل من إعدادها الطعام أمراً صعباً، ومن ثم لجأت إلى صفحات «فيسبوك»، ومن خلالها تعرفت على الأماكن التي تعد أكلات سورية بيتي، وتضيف: «الكُبيبة السوري» إحدى أشهى الأكلات المفضلة لدى أسرتها، وتُحب شراءها من السيدات اللواتي يصنعن أطعمتهن في المنزل.
وشرحت ناريمان لـ«الشرق الأوسط»، طريقة عمل «الكُبيبة» قائلة: «تتكون من البرغل الأبيض، واللحم الخالي من الدهن، والبصل، والملح والفلفل الأسود، وبهارات اللحم»، مُضيفة: «يتم غلي الزيت، ويُضاف إليه البصل المفروم الناعم، ويقلب حتى يصبح لونه ذهبياً، بعدها يُضاف إليه اللحم المفروم، وتقلب جميعاً بحيث ينضج اللحم، وفي الأخير تُضاف إليه البهارات والتوابل، ويترك الوعاء خمس دقائق، ثم تُصفى من الزيت وتوضع في وعاء ليبرد».
وبجانب الكبيبة باتت أطعمة سورية ضيوفاً دائمة على مائدة المصريين، كما تعكس الغروبات المعنية بترويج الطعام السوري، من بينها الملفوف والمنسف الحلبي، وداود باشا بالبندورة، والأخير عبارة عن كرات اللحمة مطبوخة مع صلصة البندورة بالأعشاب وإلى جانبها يطبخ الأرز.
أما المنسف الحلبي، فهو عبارة عن ثلاث طبقات مكونة من أرز وفريك وبرغل، ويوضع فوقها اللحم المسلوق، ثم يسقى بمرق اللحم المضاف له «الجميد» وهو اللبن.
على الجانب الآخر من القاهرة، على مسافة تبعد عشرات الكيلومترات عن مقر ناريمان وزوجها، تعيش هدى البرجاوي، في منطقة المعادي، بعد أن تزوجت من رجل مصري، منذ عشرين عاماً، وهو من شجعها على العمل، ومؤخراً أنشأت البرجاوي صفحة «الأكل السوري على أصوله» عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»؛ لتصبح وسيلتها لوصول الزبائن إليها من كل مكان.
وتُشير هدى لـ«الشرق الأوسط» إلى أن المصريين بحكم عِشرتها الطويلة معهم، معروفون بذائقتهم الرفيعة في الأكلات المختلفة، وقسّمتهم إلى نوعين: «الأول، سافر خارج مصر، وتذوق الأكل الشامي، وأحبه، ومن ثم أصبح خبيراً فيما يطلبه مني لتوصيلي له؛ والآخر، لا يعرف شيئاً عن المطبخ السوري، وهذا النوع صعب للغاية؛ لأن أغلبهم لا يحبون المغامرة وقد يندهشون مثلاً من دخول اللبن في خضار الكوسة؛ لكن بعضهم قد تُغريه الأكلات المنشورة صورها عبر «فيسبوك»، ومن ثم يجربون ما أعرضه عليهم من أطعمة لا يعرفونها، وتُعجبهم بعدها ويزيد إقبالهم عليها».
ومع الوقت عرفت الحلويات السورية طريقها إلى مائدة المنزل المصري، مثل «حلوى المأمونية»، التي تقول عنها هدى، إن الطلب عليها زاد في العامين الأخيرين بعد انتشار وصفات الحلويات الشامية على الإنترنت، وتتكون من «كوب سميد خشن، وخمسة أكواب ماء، وملعقتي سمن كبيرتين، وملعقتين صغيرتين قرفة، وأخيراً ملعقتان كبيرتان من ماء الزهر».
خطوات عمل مكونات «المأمونية» لا تأخذ أكثر من خمس عشرة دقيقة، تبدأ بوضع الماء على النار، وبه السكر، وعود القرفة، ثم تترك لتغلي على نار هادئة، بعدها توضع السمن في مقلاة، ومعها السميد، ليتم تحميصهما ويقر لوناهما، وفي النهاية يوضع السميد فوق على قدر الماء؛ ليغلي من ثلاث لأربع دقائق.
وترى هدى أن علاقة المصريين بالأكل السوري، تمتد منذ انتشار الأعمال الدرامية السورية والتركية المدبلجة باللهجة السورية في مصر، والتي من خلالها يتم ذكر أسماء الأطعمة الشامية بكثرة، وهناك مصريات حاولن إعداد تلك الأكلات بعد معرفة وصفاتها عن طريق الإنترنت.



أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)
الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)
TT

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)
الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً، وعندما نسمع أي طاهٍ يردد المقولة الأشهر: «الطهي بحبّ» (التي قد يجد البعض أنها أصبحت «كليشيه»)؛ أقول لهم إنه لا يمكن أن يبرع أي شيف بمهنته إلا إذا أحب مهنته ووقع بغرام الطهي لأن هذه المهنة لا يمكن أن ينجح بها إلا من يطبخ بحبّ.

يجب أن يتحلى الطاهي الخاص بمهنية عالية (الشرق الاوسط)

الطهي أنواع، والطهاة أنواع أيضاً، فهناك من يطبخ في مطعم، وهناك من يطبخ لعائلة أو يطبخ بشكل خاص في المنازل. أما «الشرق الأوسط» فقد قامت بتجربة الطعام في أحد المساكن الراقية، التابعة لـ«أولتميا كولكشن» (Ultima Collection) التي تضم عدة شاليهات وفيلات في أماكن كثيرة، مثل جنيف في سويسرا، وموجيف في فرنسا، وغيرها من الوجهات الراقية.

بوراتا مع الطماطم (الشرق الاوسط)

الإقامة في مجموعة «أولتيما» صفتها الرقي والرفاهية التي تمتد إلى ما هو أبعد من السكن، لتصل إلى الطبق، وبراعة فريق العمل في المطبخ في تقديم أجمل وألذّ الأطباق بحسب رغبة الزبون، ففكرة «أولتيما» تدور حول تأجير العقار لمدة أقلّها أسبوع، حيث يتولى فريق كامل من العاملين تلبية كافة احتياجات النزل، بما في ذلك تأمين طلبات الأكل وتنفيذ أي طبق يخطر على بال الزبون.

من الاطباق التي تبتكر يوميا في مجموعة أولتيما (الشرق الاوسط)

لفتنا في طهي الشيف أليساندرو بيرغامو، الطاهي التنفيذي في «أولتيما كوليكشن» والمسؤول عن ابتكار جميع لوائح الطعام في مجموعة أولتيما، أنه يحمل في نكهاته رائحة الشرق الأوسط، وبساطة الأطباق الأوروبية والمنتج الطازج وطريقة التقديم التي تنافس أهم المطاعم الحاصلة على نجوم ميشلان.

من الاطباق المبتكرة في "أولتيما"

في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، شرح الشيف أليساندرو بيرغامو كيفية تنفيذ عمله بهذه الطريقة الحرفية لمجموعة أشخاص تختلف ذائقاتهم وذوقهم في الأكل، فكان ردّه أنه يتم إعداد قوائم الطعام بعد دراسة ما يفضله الزبون، ويتم تعديل قائمة الطعام استناداً إلى تفضيلاتهم، ومعرفة ما إذا كان أحدهم يعاني من حساسية ما على منتج معين، بالإضافة إلى تلبية الطلبات الخاصة في الأكل.

طبق فتوش لذيذ مع استخدام البهارات الشرقية (الشرق الاوسط)

يقوم الشيف أليساندرو بالطهي لجنسيات مختلفة، لكن كيف يمكنك طهي طعام يناسب الجميع؟ أجاب: «يأتي كثير من العملاء لاكتشاف أطباق جديدة، ومطبخ كل طاهٍ ومنطقة. نحن نعدّ مجموعة متنوعة من الأطباق على طريقة طبخ البيت لتلبية كل الطلبات».

طاولة طعام تحضر لمجموعة واحدة من النزل (الشرق الاوسط)

تتمتع أطباق الشيف بيرغامو باستخدام كثير من البهارات العالمية، فسألناه عن سرّ نجاحه في الدمج بينها، فقال: «نحاول تحقيق التنوع في النكهات بين الحريف والحامض والحار والمالح. يتعلق الأمر بتحقيق التوازن والتناغم. وتتوفر لدينا اليوم أنواع متعددة من البهارات تسمح لنا بإجراء بحث ممتد، والتعاون مع طهاة عالميين من أجل التطوير المستمر للعمل».

مائدة طعام في أحد مساكن أولتيما العالمية (الشرق الاوسط)

وأضاف: «بالطبع، أحب البهارات، والإضافة التي تقدمها إلى طبق ما، أو نوع من الخضراوات. هناك كثير من البهارات التي أستمتع بها. منها جوزة الطيب والكزبرة والسماق والبابريكا».

وعن طبقه المفضل الذي لا يتعب من تحضيره، أجاب: «أحب طهي المعكرونة بأشكال مختلفة متنوعة، إلى جانب أطباق اللحم بالصوص».

مهنية تامة وروعة في التقديم (الشرق الاوسط)

ومن المعروف عن بعض الزبائن، الذين يختارون الإقامة في عقارات تابعة لمجموعة أولتيما، أن طلباتهم قد تكون كثيرة وغير اعتيادية أحياناً، والسؤال هنا؛ كيف يستطيع الطاهي الخاص أن يقوم بتلبية جميع الطلبات الخاصة؟ فأجاب الشيف ألسياندرو بأنه يحاول الاتصال بكل من يعرفه للعثور على المنتجات المطلوبة. وبفضل الموردين الذين يتعامل معهم، يضمن السرعة والكفاءة في الاستجابة لأي طلبات خاصة. وبالتالي يتمكن في غضون 24 ساعة من تحديد موقع المنتج وإحضاره لاستخدامه في أي طبق يطلبه الزبون.

أطباق جميلة ولذيذة (الشرق الاوسط)

يبقى السؤال الذي يطرحه نفسه هنا: أيهما أصعب، العمل في مطعم أم العمل كطاهٍ خاص؟ وكان ردّ الشيف أليساندرو: «في رأيي لأصبح طاهياً خاصاً، من الضروري أولاً العمل في المطاعم لأتعلم المهنة وطرق وفنون الطهي، ثم بعد ذلك إذا كنت أشعر بالارتياح تجاه التعامل بشكل مباشر مع العملاء، يمكن التفكير في أن أصبح طاهياً خاصاً. إن الأمر مختلف جداً لأنه في المطعم تكون لديك قائمة طعام، ويختار العملاء أطباقهم، لكن عندما تكون طاهياً خاصاً، تكون الوجبات معدّة بشكل كامل بناءً على تفضيلات العملاء».

مائدة الفطور في "غراند أولتيما" (الشرق الاوسط)

من هو الشيف أليساندرو بيرغامو؟

ولد في إقليم كومو في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 1989. نظراً لشغفه بالطهي الذي ظهر في سن مبكرة، وحلمه بالفعل بالمشاركة في مسابقة «بوكوس دور»، تدرب في مركز التكوين المهني والتمهين في مدينة سوندالو، بالقرب من مقاطعة سوندريو، ثم في مدرسة «كلوزوني» للطهي مع طهاة على صلة بالمسابقة.

بدأ بعد ذلك مسيرته المهنية الاحترافية بالعمل في فنادق رائدة كطاهٍ تنفيذي في كل من برغامو وفينيسيا وتاورمينا. وفي عام 2009، استقر في مدينة ليون، حيث عمل مع الطاهي بيير أورسي لمدة عامين في مطعمه الحائز على نجوم ميشلان، قبل الانضمام إلى فريق يانيك ألينو في «لي 1947 شوفال بلان» المطعم المملوك لكورشفيل الحائز على 3 نجوم ميشلان.

كذلك انضم، وهو يضع مسابقة «بوكوس دور» نصب عينيه، إلى فريق ريجيس ماركون، الطاهي الحاصل على 3 نجوم، والفائز بمسابقة «بوكوز دور» عام 1995 في سان بونيه لي فروا بفرنسا، ثم للطاهي بينواه فيدال في بلدة فال دي إيسير ليحصل مطعمه على ثاني نجمة من نجوم ميشلان بعد ذلك بعامين.

بعد تجاربه في فرنسا، انتقل أليساندرو إلى مونتريال في مطعم «ميزو بولود ريتز كارلتون» للعمل مع الطاهي دانييل بولود، وبعد فترة تدريب قصيرة في اليابان، عاد إلى إيطاليا للعمل إلى جانب مارتينو روجيري. وأثناء العمل في مطعم «كراكو» في «غاليريا فيتوريو إيمانويل» بميلانو، قرّر تحقيق حلمه، وبدأ مغامرة جديدة، وهي عالم منافسات الطهي.

أصبح أليساندرو عام 2019 مدرباً مساعداً في أكاديمية «بوكوس دور» بإيطاليا، وفاز بمسابقة «سان بليغرينو يانغ شيف»، التي تغطي إيطاليا وجنوب شرقي أوروبا، ليتمكن بذلك من الوصول إلى نهائيات العالم. وفي عام 2020، أثمر العمل الجاد لأليساندرو، وشغفه، ومساعدة فريق العمل معه، عن الفوز بمسابقة «بوكوس دور» في إيطاليا، ما أهّله إلى النهائيات الأوروبية، ثم إلى نهائيات العالم للمسابقة عام 2021، التي أقيمت في ليون، ما مثّل حدثاً مقدساً حقيقياً له، هو الذي لطالما كان يحلم بهذه التجربة المذهلة.

اليوم، بصفته طاهياً تنفيذياً، ينقل أليساندرو خبرته وشغفه، ويتألق من خلال تفانيه في العمل، ما يجعل فريق العمل في مؤسسة «أولتيما كوليكشن» يشعر بالفخر بوجوده معهم.