بعد أقلّ من ثلاثة أسابيع على وقوفه أمام وسائل الإعلام مفاخراً بأن بلاده «واحة هدوء في أميركا اللاتينية المضطربة»، وأنّها سوف تستضيف «قمة منتدى التعاون الاقتصادي في آسيا والمحيط الهادئ»، و«قمة الأمم المتحدة حول تغيّر المناخ»، قبل نهاية العام الحالي، أطلّ رئيس تشيلي سيباستيان بينيرا أمس من قصر «لا مونيدا» ليعلن أن بلاده لن تستضيف هاتين القمّتين اللتين كانتا مقررتين؛ الأولى هذا الشهر، والثانية منتصف الشهر المقبل.
وجاء هذا الإعلان بعد أسبوعين تقريباً على اندلاع أخطر أزمة سياسية واجتماعية تعيشها تشيلي منذ عودة النظام الديمقراطي في عام 1990، وأدّت إلى وقوع ما لا يقلّ عن 20 قتيلاً من غير أن تظهر أي بوادر على تراجع حدّتها، رغم الاعتذار العلني الذي قدّمه بينيرا للمتظاهرين، والتعديل الحكومي الذي قام به وشمل كل الحقائب الوزارية السياسية والاقتصادية، وإعلانه حزمة من التدابير الاجتماعية لمساعدة الطبقات المحرومة.
وكان لافتاً إعلان قرار الاعتذار عن عقد القمّتين من نفس شرفة القصر الرئاسي التي شهدت الإطلالة الأخيرة للرئيس الأسبق سالفادور الليّندي قبل مصرعه على يد القوات المسلّحة، خلال الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال آوغوستو بينوشيه في سبتمبر (أيلول) 1973، لا سيّما أن أصواتاً بدأت ترتفع مطالبة بتسليم مواجهة الاحتجاجات للجيش مع تفاقم أعمال العنف في العاصمة ومعظم المدن الكبرى.
وقال بينييرا: «يؤسفنا جداً ما سيترتّب عن هذا القرار من تبعات وتعقيدات للقمّتين، لكن بوصفي رئيساً لكل التشيليين من واجبي (تبدية) مشاكل المواطنين ومصالحهم واحتياجاتهم ومطالبهم على أي اعتبارات أخرى». وتدلّ الاستطلاعات الأخيرة أن شعبية بينييرا قد وصلت إلى أدنى مستوى منذ انتخابه في عام 2017، إذ بلغت 14 في المائة، في الوقت الذي شكّل فيه قرار إلغاء القمّتين ضربة قوّية لحظوظه ببقائه في منصبه بعد هذه الأزمة.
وكان الرئيس التشيلي يعوّل كثيراً على القمّتين لتعزيز موقع بلاده وصورته على الساحة الدولية، إذ كان من المقرر أن يشارك في «منتدى آسيا والمحيط الهادئ» الرئيسان الأميركي والروسي، إلى جانب الرئيس الصيني تشي جينبينغ الذي كان سيوقّع معه بينييرا اتفاقاً تجارياً.
وقال مراقبون في سانتياغو إن قرار الاعتذار عن استضافة القمّتين في مثل هذه الظروف كان حتميّاً، لا سيّما أن وجود الرئيس الأميركي دونالد ترمب كان من شأنه أن يؤجج الاحتجاجات التي تقودها نقابات وأحزاب يسارية، كما أن الوضع الأمني لا يسمح باستقبال آلاف الناشطين المدافعين عن البيئة خلال مؤتمر الأطراف في اتفاقية تغيّر المناخ.
وكانت الاحتجاجات قد انطلقت في أعقاب إعلان الحكومة عن رفع أسعار بطاقات النقل في مترو العاصمة، سانتياغو، الذي شكّل النقطة التي طفح معها كيل المواطنين الذين يشعرون بإحباط عميق من عدم استفادتهم من التنمية الاجتماعية التي حققتها البلاد في العقود الثلاثة الأخيرة، وجعلت منها نموذجاً يُحتذى به في البلدان النامية، لكنها عمّقت الفوارق بين فئات السكّان الذين يستحوذ 1 في المائة منهم على 33 في المائة، من إجمالي الناتج القومي، حسب آخر تقرير أعدته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأميركا اللاتينية، التي تتخذ من سانتياغو مقرّاً لها.
ولإعطاء فكرة عن مستوى العنف الذي رافق الاحتجاجات الشعبية التي لم تهدأ يوماً منذ انطلاقها، تكفي الإشارة أنها أوقعت حتى الآن 20 قتيلاً، فيما أُصيب أكثر من ألف بجروح، معظمهم من أفراد الشرطة والقوات المسلّحة، وتمّ اعتقال نحو عشرة آلاف بين المتظاهرين. يضاف إلى ذلك أن 118 من محطّات مترو سانتياغو البالغ عددها 136، قد أصيبت بأضرار خلال الاحتجاجات، وأحرقت منها 25 محطة ودُمّرت سبع حافلات.
وتقدّر قيمة الأضرار التي لحقت بشبكة المترو التي دُشّنت مؤخراً بما يزيد على 375 مليون دولار.
وفي حين تسعى المعارضة البرلمانية بقيادة الحزب الشيوعي وجبهة اليسار الواسعة إلى تقديم طعن دستوري بالرئيس تمهيداً لعزله، سجّلت بورصة سانتياغو تراجعاً بنسبة 3.6 في المائة، وانخفض سعر العملة الوطنية مقابل الدولار إلى أدنى مستوى منذ عام 2003.
أزمة تشيلي إلى تفاقم... وأصوات تطالب بعودة الجيش
الرئيس ألغى قمتين دوليتين مع ارتفاع مستوى العنف في الشوارع
أزمة تشيلي إلى تفاقم... وأصوات تطالب بعودة الجيش
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة