السينما الهندية تعيش مرحلة ازدهار متواصلة

الوجوه ذاتها والتوابل نفسها ولكن…

عالم سعيد في «هابي نيو يير»
عالم سعيد في «هابي نيو يير»
TT

السينما الهندية تعيش مرحلة ازدهار متواصلة

عالم سعيد في «هابي نيو يير»
عالم سعيد في «هابي نيو يير»

من 2010 إلى 2019 عشر سنوات حاسمة في تاريخ السينما. عواصف من كل صوب. أوضاع اقتصادية صعبة. منجزات تقنية تهدد بنسف ما تأسس الفن السابع عليه. هبوط في أهمية سينمات وصعود لسينمات أخرى. مراكز قوى تظهر وتختفي وأخرى تبقى. باختصار، إذا نظرت من الفضاء إلى المحيط الأطلسي أو الهندي أو أي محيط آخر قد تجده هادراً بالأمواج. الحال ذاته بالنسبة لسينما أقصى ما باتت تحتفل به هو المسلسلات المتوالية للسوبر هيروز.
- بطل من فوق
قم بحركة «بان» صغيرة صوب آسيا، وانزل «بزوم» سريع على السينما الهندية وستجد ما يتعارض وكل ما سبق. هي واحدة من السينمات القليلة حول العالم التي ما زالت غير قابلة للاهتزاز. وخلال عقد من الزمن يكاد ينضوي بعد أيام، نجد الكثير مما يؤيد ذلك.
إيراد الأفلام الهندية سنة 2010 بلغ 68 مليارا و600 ألف روبية (نحو 965 مليون دولار).
إيراد الأفلام الهندية سنة 2019 سيتجاوز 131 مليار روبية أي (مليارا و859 مليونا و747 ألف دولار). سعر التذكرة في الهند أقل بثماني مرات عن سعرها في الغرب. لو طبقنا السعر الغربي لتحدثنا عن إيرادات مضاعفة بالعدد نفسه.
بين التاريخين هناك سنة واحدة فقط لم تستطع فيها السينما الهندية تجاوز الرقم المعلن للسنة الماضية. ففي سنة 2013 بلغت إيراداتها 101 مليار و700 ألف روبية. في العام التالي بلغت 101 مليار و200 ألف روبية. باقي الأعوام هو مثل صعود سلم مريح. كل عام يبز سابقه ويتجاوز ما كان حققه في اضطراد مدهش.
ليس غريباً إذن، أن القيمة المادية لصناعة السينما الهندية تتجاوز حالياً 138 مليار روبية (أي نحو 20 مليار دولار) وأن عدد التذاكر المبيعة سنويا في الهند يتجاوز ملياري تذكرة (نصفه تقريباً يأتي من مدن الجنوب الهندي).
صعود اليمين الهندي بعد انتخابات رئيس الوزراء ناريندرا مودي سنة 2014 لم يترك أثراً سلبياً على الصناعة الوطنية في الهند، لكن المواضيع المطروحة في الكثير من الأفلام التي نراها ماثلة على الشاشة منذ ذلك الحين تبدو وقد تأثرت على أكثر من نحو.
إذا ما عاد المرء بذاكرته إلى أفلام مطلع هذا العقد وما قبله سيجد الكثير من الأفلام المشهورة تتحدث عن البطل الآتي من قعر الحياة. الآن هو بطل آت من فوقها.
مليونير بالوراثة أو بالمهنة. في السابق كان البطل يصارع قوى الثراء الاجتماعي. في أفلام اليوم يصارع البطل قوى المجتمع وغالب أشراره من الناس غير المثقفين وغير الأثرياء وغير المحظوظين إلا ببعض المهارات القتالية.
«سنة جديدة سعيدة» (Happy New Year) المنتج في العام المذكور والتي شهد عروضاً عالمية في العام التالي، واحد من أمثلة كثيرة حيث أبطال الفيلم من أثرياء الهند وحيث ما يقومون به على الشاشة هو مزيج من الكوميديا والغناء والرقص والضرب أيضاً.
هذا المزيج ليس غريباً منذ ولادة السينما الهندية. وحتى المستوى المعيشي المرتفع للبطل ظهر في مئات الأفلام كركيزة أساسية في السنوات الغابرة، لكنه لم يشكل القاسم المشترك بين الكثير من الأفلام في فترة زمنية متقاربة كما هو الحال الآن.
هذا المزيج من الموسيقى والقتال والغرام والانتقام والمواقف الكوميدية لا يتغير بصرف النظر عمن يقود البطولة. وهذه البطولة في معظم الأفلام ذات الإيرادات المرتفعة خلال السنوات القليلة الماضية توزعت بين ثلاثة ممثلين من عائلة واحدة: شاخ روح خان بطل «سنة جديدة سعيدة» وأمير خان، عزز نجوميته في السنوات الأربع الأخيرة بأفلام أكشن آخرها «بلطجية هندوستان» الذي يشبه أفلام «قراصنة الكاريبي» الأميركية، وسلمان خان (بطل سلسلة Race 3 في العام الماضي).
لكن هذا المزيج نفسه ما عاد نتاجاً عضوياً من نباتات المواضيع المحلية. المطروح بازدياد عاماً بعد عام هو تطبيق حكايات ومناهج هوليوود في استئثار النجاح.
من ناحية هي الحكايات المتقاربة: رجل متهم سيثبت براءته أو قاتل محترف سيواجه أعداءه أو جاسوس خارق المواصفات سينقلب على مؤسسته الخ… وفي حين أن «بلطجية هندوستان» شبيه بـ«قراصنة الكاريبي» فإن «سباق 3» ليس أكثر من «سريع وهائج» (Fast and Fury).
أما من ناحية المنهج فهو منقول بالبصمات التقنية ذاتها كتابة وإخراجاً وتصويراً ومونتاجاً. المختلف هو عناصر التجميل والجذب الخارجية مع إضافة عنصر الغناء والرقص الذي قلما خلا منه فيلم هندي عبر العصور باستثناء تلك النسبة المحدودة من أفلام مرينال سن وساتياجت راي وتويك غاتاك المستقلة والجادة.
- إرهاب في العراق
الرجل في سينما اليوم الهندية هو شخص كامل المواصفات الجاذبة لمشتري التذاكر. وسيم. قوي (بعضهم بعضلات نافرة) ويستطيعون فعل كل شيء من قلي البيض إلى تكسير الجماجم وإصابة الأهداف البعيدة بمسدسات تشبه المدافع الصغيرة. تعليب هذه المغامرات في بوليوود هو ذاته مستنسخاً عما حققته هوليوود.
في «حرب» ذات المشهد الذي شوهد في سلسلة جيمس بوند. امرأة حديدية تجلس وراء المكتب في وكالة الاستخبارات الهندية وتتجهم وتعطي الأوامر على نحو صارم وحتمي. الفيلم ذاته، وهو لا يعدو مثالاً، يحاول البطل الأول مناوأة أعداد مختلفة من الأعداء. هم أفغان إرهابيون وقتلة محترفون وعملاء للجهاز الاستخباراتي الذي يعمل له. هذا خليط مما نراه في أكثر من فيلم أميركي هذه الأيام. لكنه سيضطر للتعاون مع بطل ثان كان موضوعاً على قائمة أعدائه الكبار.
«هابي نيو يير» الذي حققه فرح خان، بدوره مشتق من سلسلة «أوشن» وكحال الأفلام الأخرى هناك سيل من فنون التوضيب والتعليب المستوردة أفكاره من هوليوود. أحياناً ما تسبر بعض الأفلام حبكات سياسية (كالعلاقة مع باكستان) أو اجتماعية (كالأوضاع المعيشية) إنما من دون نقد أو أبعاد أخرى.
الظاهرة الأخرى في السينما الهندية هذه الأيام هي إنتاج أفلام ينجز فيها أبطالها أدوارهم في محاربة الإرهابيين. فيلم «حرب» (2019) هو أحدها لكن هناك «تايغز زيندا هاي» لعلي عباس زفار (2017) وهو يتحدى المعقول ليسرد حكاية عصابة إرهابية عراقية تختطف ممرضين وممرضات من باكستان والهند. على البطل (سلمان خان) المسمى بـ«النمر»، أن يخوض (مع الممثلة كاترينا كيف) حرباً ضارية ضد هؤلاء الإرهابيين وسينتصر. هذا أمر مفروغ منه.
على كل هذه المستحدثات والتنويعات فإن هناك ثوابت لا غنى عنها في معظم ما هو جماهيري التوجه: الأفلام قلما تعرض في مدّة زمنية لا تتجاوز الساعتين والنصف والغناء الاستعراضي يبقى قاسماً مشتركاً بين الكثير من الأفلام القديمة والحديثة.
بعض ما نشاهده من أفلام مصرية حديثة («الجزيرة 2» على سبيل المثال) بدوره مستوحى من هوليوود ومواز، بالتشابه فقط، بما تصنعه بوليوود. لكن في كل الحالات هناك فن الجذب الذي ما زالت تتميز به السينما الهندية. هي أكثر سينما غير أوروبية أو أميركية منتشرة حول العالم والسوق الصينية باتت ملعباً كبيراً لها أيضاً.


مقالات ذات صلة

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

سينما المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

شاشة الناقد: دراما نسوية

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

نجم بوليوود عامر خان يصرف النظر عن الاعتزال ويواصل التمثيل والإنتاج

نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)
نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)
TT

نجم بوليوود عامر خان يصرف النظر عن الاعتزال ويواصل التمثيل والإنتاج

نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)
نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)

خطرت فكرة اعتزال السينما في بال نجم بوليوود، عامر خان، في خضمّ فترة التأمل التي أمضاها خلال جائحة كوفيد-19، لكنّ الممثل والمنتج الهندي بدّل رأيه مذّاك ويعتزم مواصلة مسيرته المهنية الغنية التي بدأت في سبعينات القرن العشرين.

وقال خان لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، خلال مقابلة أجرتها معه في لندن، إنه مرّ قبل بضع سنوات بمرحلة إعادة نظر ذاتية.

وأضاف: «كان ذلك خلال أزمة كوفيد، وكنت أفكر في كثير من الأمور، وأدركت أنني قضيت حياتي بأكملها في عالم السينما السحري هذا منذ أن أصبحت بالغاً».

وتولى عامر خان بطولة عدد كبير من الأفلام التي حققت نجاحاً تجارياً واسعاً في بلده، ومنها «3 بلهاء» و«دانغال»، و«نجوم على الأرض»، كما اشتهر عامر خان بإنتاج وبطولة فيلم «لاغان Lagaan» الذي كان بين الأعمال المرشحة لجائزة الأوسكار للأفلام الأجنبية عام 2002.

وتابع خان الذي بدأت مسيرته التمثيلية منذ الطفولة في السبعينات، وأصبح لاسمه ارتباط وثيق ببوليوود: «لقد أدركت أنني لم أعطِ حياتي الشخصية الأهمية التي كنت أرغب فيها».

وزاد: «واجهتُ صعوبة في التغلب على الشعور بأنني أهدرت الكثير من الوقت، وكنت أشعر بالكثير من الذنب... كان رد فعلي الأول القول إنني اكتفيت من السينما».

لكنّ عائلته، وخصوصاً ابنه وابنته، أقنعته بالعدول عن الاعتزال. وقال: «في رأسي كنت أقول سأتوقف. ثم لم أفعل ذلك».

والآن، مع اقتراب عيد ميلاده الستين في مارس (آذار)، يريد عامر خان، الذي يعيش في مومباي، «مواصلة التمثيل والإنتاج لبعض الوقت».

«أحب أن أفاجئ جمهوري»

ويعتزم النجم الهندي أيضاً جعل شركته للإنتاج «عامر خان بروداكشنز» منصة «لتشجيع المواهب الجديدة التي تكون أحاسيسها قريبة» من أحساسيسه و«تريد أن تروي القصص» التي تهمه.

ومن ذلك مثلاً فيلم «لاباتا ليديز» Laapataa Ladies الكوميدي عن شابتين من منطقة ريفية في الهند، يطرح موضوع الزواج ووضع المرأة في بلده، وقد شارك في إنتاجه مع زوجته السابقة كيران راو، وحضر أخيراً إلى لندن للترويج له.

ويتناول عدد من أفلام عامر خان قضايا اجتماعية، مثل حقوق المرأة في المناطق الريفية، أو الصناعة الرياضية، أو الضغط المفرط في التعليم العالي أو حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

لكن خان يرفض أن يحبس نفسه في نوع واحد فقط من الأفلام أو الأدوار، وقال في هذا الصدد: «أحب التنويع والتطرق إلى قصص مختلفة. أحب أن أفاجئ نفسي وجمهوري».

ولم يتردد النجم البوليوودي في انتقاد نفسه أيضاً، مشيراً إلى أنه «غير راضٍ» عن أدائه في فيلم «لا سينغ شادا» Laal Singh Chaddha الهندي المقتبس من فيلم «فورست غامب» تم إنتاجه عام 2022، لكنه لم يحظَ بالاستحسان المألوف الذي تُقابَل به أعماله.

وأما في «أن يكون هذا الفيلم أفضل»، في إشارة إلى عمله الجديد «سيتار زامين بار» Sitaare Zameen Par الذي يُطرَح قريباً.

ورغم فوزه بالعشرات من الجوائز السينمائية في الهند بالإضافة إلى ثالث أعلى وسام مدني في بلده، فإن عامر خان يحرص على تقويم كل فيلم من أفلامه.

وشدّد على أن «إخراج فيلم أمر بالغ الصعوبة». وقال: «عندما أنظر إلى الفيلم الذي أخرجناه، ثم إلى السيناريو الذي كتبناه، أتساءل هل حقق الفيلم الأهداف التي حددناها».

وأضاف: «إذا وصلنا إلى ما أردناه، وصنعنا الفيلم الذي أردناه، فيشكّل ذلك ارتياحاً كبيراً».