«المطعم التركي» حصن المحتجين في ساحة التحرير وخط دفاعهم الأول

يطلق عليه بعضهم «جبل أحد»... ومقرب من إيران يطالب بقتل الموجودين داخله

عراقيون أمام {المطعم التركي} في بغداد أمس (أ.ف.ب)
عراقيون أمام {المطعم التركي} في بغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

«المطعم التركي» حصن المحتجين في ساحة التحرير وخط دفاعهم الأول

عراقيون أمام {المطعم التركي} في بغداد أمس (أ.ف.ب)
عراقيون أمام {المطعم التركي} في بغداد أمس (أ.ف.ب)

يقع «المطعم التركي» في خاصرة جسر الجمهورية على نهر دجلة، والذي يبدأ من ساحة التحرير في جانب رصافة بغداد، وينتهي في الضفة الأخرى للنهر في جانب الكرخ.
المطعم بطوابقه الأربعة عشر كان نحو عقدين من الزمن من أرقى المطاعم في بغداد؛ لكنه تحول بعد عام 2003 إلى مجرد خربة، بعد أن أصابته القوات الأميركية بقذائف صاروخية أثناء احتلالها بغداد.
ونتيجة لارتفاع المطعم وإطلالته على مساحة واسعة في جانبي الرصافة والكرخ، وهيمنة المباشرة على ساحة التحرير، صار المكان الأكثر أهمية واستراتيجية بالنسبة للقوات الأمنية لمتابعة حركة المتظاهرين، منذ انطلاقها بكثافة ضد حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في 25 فبراير (شباط) 2011. ورصد المتظاهرون، حين ذاك، القيادي في حزب «الدعوة» كمال الساعدي وهو يرصد المتظاهرين رفقة عدد كبيرة من الضباط والأجهزة الأمنية، ما عرضه إلى حملة انتقادات واسعة في حينها.
والمطعم يتيح لقوات الأمن رصد المتظاهرين، ومنع عبورهم إلى المنطقة الخضراء بكافة الطرق، ومنها الغازات المسلية للدموع والرصاص المطاطي والحي، وهذا بالتحديد ما تنبه له الشباب الناشطون في المظاهرات هذه المرة، وقاموا بالسيطرة عليه من خلال وجود آلاف المتظاهرين، والبقاء فيه على طول الخط منذ انطلاق الموجة الثانية في الخامس والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.
وصار الفندق واحداً من أبرز رموز ومواقع الاحتجاج، وصار بمثابة خط الدفاع الأول عن المتظاهرين، بعد حرمان الأجهزة الأمنية من السيطرة عليه رغم محاولتها الكثيرة.
ويوماً بعد يوم يتحول الفندق إلى ما يشبه المكان الأسطوري الذي يلوذ به المحتجون، وقد أطلقت عليه تسميات عدة، منها على سبيل المثال «جبل أحد» في إشارة إلى الجبل الذي وقف عنده المسلمون في معركة «أحد» التاريخية الشهيرة، للحيلولة دون التفاف قوات قريش عليهم. وهناك من أطلق عليه فندق «أبناء ثنوة» في إشارة إلى اسم والدة الناشط المدني صفاء السراي، الذي قتل بقنبلة مسيلة للدموع في ساحة التحرير أول من أمس. والمطعم بعد ذلك، كان وما زال مصدراً للقلق والإزعاج بالنسبة للسلطات والجماعات والشخصيات الداعمة لها، فها هو صحافي مقرب من إيران، نجاح محمد علي، يدعو السلطات علناً إلى قتل المتظاهرين المتواجدين داخله، إذ غرد قبل ثلاثة أيام عبر «تويتر» قائلاً: «في المطعم التركي رؤوس كبيرة حان وقت قطافها». وبمجرد إطلاقه التغريدات انهالت عليه الانتقادات من قطاعات واسعة من العراقيين، وقاموا بالإبلاغ عن حسابه في «تويتر» وتمكنوا من إغلاقه، إلا أنه استعاده لاحقاً، وقال إنه لم يحرض على قتل المتظاهرين، وإنه يدعمهم على حد زعمه.
ويتحرك ناشطون ومحامون عراقيون لرفع دعوى قضائية عليه أمام السلطات القضائية البريطانية؛ حيث يقيم، بتهم التحريض على العنف والقتل.
الرمزية الكبيرة التي تمتع بها «المطعم التركي» في ساحة التحرير ببغداد، انتقلت عدواها لمحافظات أخرى. وقام متظاهرون في محافظتي ميسان وذي قار إلى اتخاذ مبانٍ قيد الإنشاء للتمركز فيها وإطلاق تسمية «المطعم التركي» عليها.
وفضلاً عن ذلك كله، تحول المطعم إلى مكان للسخرية من السلطات، إذ كتب الشاعر والناشط أحمد عبد الحسين بصفحته الشخصية في «فيسبوك» قائلاً: «يقال إن عادل عبد المهدي يحاول إقناع إردوغان باحتلال المطعم التركي، باعتباره أرضاً تركية».
وعن طبيعة النشاطات والحياة التي يمارسها المحتجون في «المطعم التركي»، يؤكد الموجودون هناك أنهم يمارسون شتى أنواع النشاطات، من ألعاب وغناء وهتافات ورسم وتصوير، وغير ذلك.
ويقول الناشط محمد سلمان لـ«الشرق الأوسط»: إن «بناية المطعم يسكن فيها الآن نحو 8 آلاف محتج، تقوم الفرق اللوجستية الداعمة وسائقي (التوك توك) بإيصال كل ما يحتاجون إليه من أغذية، وأدوية، وفُرُش، ومياه شرب، وغير ذلك».
ويضيف: «إنهم مصممون على عدم تسليمها للسلطات التي ستقوم من خلالها بممارسة عمليات القنص والقتل، ورمي القنابل المسيلة للدموع على ساحة التحرير بسهولة. الوجود هناك مرتبط بتحقيق مطالب المحتجين، ولن ننزل قبل تحقيق ذلك».
ويشير سلمان إلى أن «بإمكان المحتجين النزول إلى بيوتهم إن رغبوا؛ لأن غيرهم سيحل محلهم. يعتقد الجميع أن الصمود والبقاء في (المطعم) يعني مواصلة الاحتجاج ضد السلطات».
من جهة أخرى، وفي أبلغ دلالة على التعاطف الأممي مع المتظاهرين العراقيين، زارت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت، أمس، ساحة التحرير في بغداد، وتحدثت مع المتظاهرين. وفي إشارة دالة إلى الدور الحاسم الذي قام به شباب «التوك توك» حيال المتظاهرين، قامت الممثلة الأممية بلاسخارت بصعود إحدى عربات «التوك توك».
وقالت المنظمة الأممية في بيان، إن الزيارة تأتي «في إطار جهودنا المستمرة لتعزيز الحوار بين المحتجين والحكومة».
وأشار البيان إلى أن المسؤولة الأممية تسعى إلى «تبادل الآراء، ومناقشة السبل الممكنة، لمعالجة المطالب المشروعة للمتظاهرين السلميين». وأعربت عن اعتقادها بأن «الحكومة ليس بوسعها أن تعالج بشكل كلي تركة الماضي والتحديات الراهنة، خلال عام واحد فقط من عمرها».
ودعت جينين بلاسخارت إلى «إجراء حوار وطني لتحديد استجابات فورية وفعالة للخروج من حلقة العنف المفرغة، وتحقيق الوحدة في وجه مخاطر الانقسام والتقاعس. وبالوقوف صفاً واحداً، يمكن للعراقيين التوصل إلى أرضية مشتركة لتشكيل مستقبل أفضل للجميع».
كانت الممثلة الأممية قد دانت، أول من أمس، بـ«أشد العبارات، ارتفاع عدد الوفيات والإصابات خلال المظاهرات التي اجتاحت أنحاء كثيرة من العراق». وقالت في بيان إن «العنف ليس هو الحل أبداً، وحماية الأرواح هي الضرورة الحتمية. إن هناك حاجة ماسَّة لإجراء حوار وطني لإيجاد استجابات سريعة وفاعلة. ويجب أن تنتهي هذه الحلقة المفرغة من العنف».



انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.