استقالة الحريري أدخلت «العهد القوي» في مأزق

جبران باسيل هدّد بقلب الطاولة فانقلبت عليه

TT

استقالة الحريري أدخلت «العهد القوي» في مأزق

قال مصدر سياسي وثيق الصلة بالمشاورات التي جرت قبل أن يقدّم رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته بأن رئيس الجمهورية ميشال عون هو أول من تهيّب المشهد السياسي الذي أفرزه الحراك الشعبي وإلا لما بادر إلى إبداء استعداده في كلمته التي وجّهها إلى اللبنانيين لإعادة النظر في الوضع الوزاري حسب الأصول الدستورية لكنه سرعان ما بدّل موقفه.
وكشف المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم كان أبلغ الرئيس الحريري بأن لا مانع لدى الرئيس عون من البحث في التعديل الوزاري، وهذا ما فتح الباب أمام البحث بصيغة تضم وزراء من التكنوقراط تُسند إليهم الحقائب الوزارية الخدماتية على أن يبقى العدد المطروح للتعديل أقل من ثلث أعضاء الحكومة الحالية، لأن القفز فوقه يعني أن الحكومة تصبح مستقيلة باعتبار أن الدستور ينص على أن أي تعديل يتجاوز هذا العدد هو من الحالات المنصوص عليها لاستقالة الحكومة.
وأكد المصدر نفسه أن البحث كان يدور حول حصر التعديل الوزاري بـ8 وزراء من بينهم 4 وزراء لملء الحقائب التي كان يشغلها وزراء حزب «القوات اللبنانية» الذين تقدّموا باستقالتهم من الحكومة، ولفت إلى أن الرئيس عون لم يبدِ اعتراضا على ضرورة فصل النيابة عن الوزارة وعدم إسناد حقائب إلى وزراء فشلوا في الانتخابات النيابية، لكنه عاد وسحب اقتراحه لضمان توزير جبران باسيل الذي خلف عون في رئاسة «التيار الوطني الحر» بعد انتخابه رئيساً للجمهورية.
واعتبر أن عدول عون عن موافقته على إجراء تعديل وزاري يعود إلى أسباب عدة أبرزها:
- إعفاء باسيل من الوزارة يعني من وجهة نظره بأن هناك من يريد إخراج من يمثّل خط الدفاع الأول عن رئاسة الجمهورية، وهذا ما يؤدي حتماً إلى إضعاف رئيس الجمهورية، وبالتالي وضعه على خانة الاستهداف.
- «حزب الله» وإن كان وافق مع بداية انطلاق المشاورات على تعيين 4 وزراء جدد خلفاً لوزراء «القوات» المستقيلين، فإنه بادر إلى إعادة النظر في موقفه لجهة أن لا مبرر على الأقل في المدى المنظور لإقحام البلد في تعديل وزاري، وأن البديل يكون في تفعيل الحكومة الحالية من خلال إقرار الموازنة للعام 2020 والسير في ورقة الإصلاحات.
- كما أن «حزب الله» كان يراهن على أن عامل الوقت لن يكون لصالح «الحراك الشعبي» مع أن أمينه العام حسن نصر الله كان أول من تفهّم دوافعه قبل أن يتّهم القائمين عليه بأنهم ينفّذون أجندة خارجية يراد منها لاحقاً استهداف «سلاح المقاومة»، إضافة إلى أن الرضوخ لمطالب الحراك سيدفع المتظاهرين إلى المطالبة بمزيد من التنازلات.
- «محور الممانعة» بقيادة «حزب الله» كان يراهن على أن «الحراك الشعبي» سيضطر إلى إخلاء الساحات بذريعة أنه يفتقد إلى النفس الطويل المطلوب لتأمين استمراريته، خصوصاً في حال أخذ المبادرة لفتح الطرقات استجابة لصرخات المواطنين الذين سيشكلون قوة ضاغطة لتأمين انتقالهم بغية تدبير أمورهم.
- إصرار «حزب الله» على عدم إعفاء باسيل من الوزارة كما كان يطالب «الحراك»، باعتباره أحد الرموز «النافرة»، وأن إبعاده سيؤدي حتماً إلى تبريد الأجواء، إضافة إلى أنه واحد من «الصقور» الذي يتناغم مع «حزب الله» ويوفّر له الغطاء السياسي في مواجهته للعقوبات الأميركية المفروضة عليه ويدافع عن سلاحه.
- «حزب الله» - بحسب المصدر السياسي - يعتبر أن مجرد الموافقة على إعفاء باسيل يشكّل ضربة للرئيس عون، وهذا ما لا يوافق عليه.
وفي المقابل، فإن الرئيس عون عاد وأجرى - كما يقول هذا المصدر - قراءة لـ«الحراك الشعبي» جاءت على نقيض انطباعاته الأولية لهذا الحراك، رأى فيها بأن للقائمين عليه أجندة خارجية، وإلا لماذا رفضوا الورقة الإصلاحية وأداروا ظهرهم لموقفه لجهة إعادته النظر في الوضع الوزاري.
وبالنسبة إلى موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري وإن كان ينأى بنفسه عن الانجرار إلى مشكلة ويفضّل التوافق مسبقاً على كل ما هو مطروح، فإنه يصرّ على التفاهم مع حليفه «حزب الله» لقطع الطريق على من يراهن على إحداث مشكلة داخل «الثنائي الشيعي».
لذلك، فإن كل هذه المعطيات تجمّعت لدى الرئيس الحريري الذي كان اعترض على دعوة المجلس الأعلى للدفاع للانعقاد لتكليف الجيش بفتح الطرقات وأيضاً على دعوة مجلس الأمن المركزي لاجتماع طارئ برئاسة وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن قناعة منه بأن المشكلة سياسية بامتياز وباتت في حاجة إلى حل سياسي، وبالتالي لا جدوى من الحلول الأمنية.
فالحريري شكّل رأس حربة في مواجهة من يروّج للجوء إلى الحل الأمني، ورأى أنه لا مبرر للجوء للقوة وأن يُترك لقيادة الجيش التي أبدت مرونة في تعاطيها مع «الحراك الشعبي» التواصل مع المعتصمين على خلفية أن لهم الحرية في التظاهر والتعبير عن الرأي شرط تأمين انتقال المواطنين. لكن المشهد العام للساحات بدأ يتغيّر مع إصرار مجموعات تابعة لـ«الثنائي الشيعي» على استخدام القوة لفتح الطرقات. وهذا ما لقي منه تحذيراً تلو الآخر إلى أن اقتنع بأن لا مجال إلا باستقالته من الحكومة.
وعليه فإن لجوء نواب ووزراء «التيار الوطني» إلى التعامل مع استقالة الحريري بأنها شكّلت مفاجأة لهم وجاءت وكأنها قفزة في المجهول، خصوصاً أنها لم تُطرح مع الرئيس عون، ما هي إلا محاولة للهروب إلى الأمام، خصوصاً أن الحريري كان بحث في التعديل الوزاري مع وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي على هامش اجتماعات اللجنة الوزارية التي عُقدت في أعقاب تصاعد وتيرة «الحراك الشعبي».
وبالنسبة إلى ما تردّد بأن استقالة باسيل من الحكومة مشروطة باستقالة الحريري، قال المصدر نفسه إن لا علم له بمثل هذا الطرح الذي جرى التداول فيه بواسطة بعض وسائل الإعلام.
واعتبر المصدر أن مثل هذه المعادلة ستُرفض لو طُرحت على المستوى الرسمي، وعزا السبب إلى أن الرئيس الحريري توصل إلى تسوية سياسية مع الرئيس عون، وبالتالي استحضار باسيل في هذه المعادلة لا أساس له من الصحة حتى لو أن الأخير يتصرف على أنه الرئيس الظل، ومن دونه لا شيء يمشي، وهذا ما بدأ يرتدّ سلباً على الرئاسة الأولى، خصوصاً أن باسيل تمادى في افتعال اشتباكات سياسية مع جميع الأطراف ما عدا حليفه «حزب الله».
وقال المصدر نفسه بأن باسيل كان هدد بقلب الطاولة من دون أي مبرر في خطابه الذي ألقاه لمناسبة إخراج العماد عون من بعبدا عندما كان رئيساً للحكومة العسكرية التي تحوّلت في حينها إلى نصف حكومة باستقالة الوزراء المسلمين منها، لكن تهديده انقلب عليه باستقالة الحريري.
وسأل المصدر السياسي ما إذا كانت «التسوية الرئاسية» ما زالت قائمة أم أنها أصبحت خارج المعادلة السياسية مع دخول لبنان في مرحلة سياسية جديدة فرضتها استقالة الحريري. ورأى أن التسوية أصبحت من الماضي وأن «العهد القوي» الذي يدخل اليوم في النصف الثاني من ولايته الرئاسية هو الآن في مأزق كغيره من الأطراف وأن إنقاذه في حاجة إلى رافعة لن يؤمنها اللجوء إلى حكومة «ثأرية» من لون واحد ستواجه بالرفض والاعتراض محلياً وعربياً ودولياً.
وأخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن استقالة الحريري جاءت في محلها وأن من يعترض عليها أساء تقديره لـ«نبض الشارع» من جهة ولرد الحريري لأنه كان يراهن على أن الأخير ليس في وارد الاستقالة وأنه يلوّح بها لتحسين شروطه، وبالتالي يمعن في ابتزازه الآخرين إلى أن اكتشفوا بأن استقالته أصبحت في عهدة الرئيس عون، ونقلت البلد إلى مرحلة جديدة يكتنفها الغموض حتى الساعة.



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.