تقارير متضاربة عن «مذبحة» ضد المتظاهرين في كربلاء

عشرات الآلاف يخرقون حظر التجول في بغداد... والصدر ينضم إلى المحتجين في النجف

عراقيون يشاركون أمس في تشييع أحد المحتجين الذين قُتلوا  في كربلاء ليلة الاثنين - الثلاثاء (رويترز)
عراقيون يشاركون أمس في تشييع أحد المحتجين الذين قُتلوا في كربلاء ليلة الاثنين - الثلاثاء (رويترز)
TT

تقارير متضاربة عن «مذبحة» ضد المتظاهرين في كربلاء

عراقيون يشاركون أمس في تشييع أحد المحتجين الذين قُتلوا  في كربلاء ليلة الاثنين - الثلاثاء (رويترز)
عراقيون يشاركون أمس في تشييع أحد المحتجين الذين قُتلوا في كربلاء ليلة الاثنين - الثلاثاء (رويترز)

تضاربت التقارير، أمس، حول أعداد الضحايا الذين سقطوا في محافظة كربلاء نتيجة الصدامات التي وقعت بين أجهزة الأمن والمتظاهرين ليلة الاثنين - الثلاثاء. وبعدما تحدثت وسائل إعلام محلية وأجنبية عن سقوط ما لا يقل عن 20 قتيلاً ونحو 900 جريح، تراجعت الحصيلة، عقب مجموعة بيانات رسمية، إلى قرابة 190 جريحاً وحالة وفاة واحدة في صفوف الأمن والمحتجين.
غير أن ذلك لم يحل دون وجود بعض التفاوت حتى في الأرقام الرسمية بخصوص ما وُصف بـ«المذبحة» التي شهدتها كربلاء. ففي حين أعلنت خلية الإعلام الأمني التابعة لمكتب رئيس الوزراء أن محافظة كربلاء شهدت «مظاهرات تخللتها بعض الحوادث المؤسفة، حيث أصيب 53 مدنياً بحسب عمليات وزارة الصحة، في حين بلغ عدد المصابين في صفوف القوات الأمنية 90 مصاباً، وفقاً لإحصائيات قيادة عمليات الفرات الأوسط». في المقابل، أحصت المفوضية العليا لحقوق الإنسان مقتل شخص واحد وإصابة 192 شخصاً، بواقع 50 من المتظاهرين و142 من القوات الأمنية. وكشفت مفوضية حقوق الإنسان، في بيان، عن قيام القوات الأمنية بحملة اعتقالات طالت 140 شخصاً أُطلق سراح 80 منهم على أن يعرض بقية الموقوفين على القضاء لتقرير مصيرهم. ودعت المفوضية إلى عدم استخدام «القوة المفرطة» وتطبيق «معايير الاشتباك الآمن»، وأدانت «قيام بعض المنفلتين بتغيير مسار المظاهرات السلمية». ودعت الأطراف كافة إلى استخدام «أقصى درجات ضبط النفس والاحتكام إلى لغة العقل والحفاظ على سلمية المظاهرات».
من جهتها، نقلت وكالة «رويترز» عن مصادر طبية وأمنية، أن قوات الأمن قتلت ما لا يقل عن 14 شخصاً في مدينة كربلاء أثناء الليل (ليلة الاثنين) بعدما فتحت النار باتجاه محتجين، في عودة إلى أساليب شجبها تحقيق داخلي أجرته الحكومة. وتابعت: «رويترز»، أن المصادر أشارت أيضاً إلى أن ما لا يقل عن 865 شخصاً أصيبوا بجروح. ولفتت إلى أن ثلاثة محتجين فارقوا الحياة في مدينة الناصرية بجنوب البلاد متأثرين بجروح أصيبوا بها في احتجاجات سابقة.
ونفى قائد شرطة كربلاء، في بيان، مقتل أي متظاهر، وقال إن شخصاً واحداً توفي في واقعة جنائية لا علاقة لها بالاحتجاجات. كما وصف لقطات مصورة لقوات الأمن وهي تطلق النار على المتظاهرين وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بأنها ملفقة، والهدف منها تحريض الشارع، بحسب «رويترز».
ولم يأت محافظ كربلاء نصيف الخطابي، في مؤتمر صحافي أمس، على ذكر أعداد الضحايا في أحداث كربلاء، سواء من المتظاهرين أو القوات الأمنية، لكنه أكد أن الأخيرة «تمتعت بأعلى درجات ضبط النفس خلال الأحداث التي شهدتها كربلاء، وأن هناك فيديوهات (دُبلجت) بشأن هذه الأحداث، وهي غير صحيحة»، في إشارة إلى الأشرطة المصورة التي أظهرت عدداً كبيراً من القتلى الذي يعتقد أنهم من المتظاهرين وسقطوا بنيران الأجهزة الأمنية، وهو أمر لم تؤكده جهات مستقلة. وقال الخطابي، إن «بعض الأشخاص اعتدوا على الممتلكات، وقد أمرت بإطلاق سراح غالبية المتظاهرين حتى من البعض الذين تجاوزوا (ارتكبوا تجاوزات) ضد القوات الأمنية».
من جهته، وصف رئيس «حزب المنبر العراقي» رئيس الوزراء السابق إياد علاوي أحداث كربلاء بـ«المجزرة التي يندى لها الجبين». وقال علاوي في بيان: «كنا نتوقع أن السلطة التنفيذية ستخرج علينا بتسمية القناصة وغيرهم من قتلة المتظاهرين السلميين تحت ذريعة الاندساس والتحريض والتخريب». واستنكر «إعلان السلطات مساهمتها بالقضاء على البغدادي (زعيم «داعش» المقتول)، لكنها لا تستطيع التصرف إزاء هؤلاء المندسين والمخربين وكأنها تعيد أيام نظام صدام (حسين، الرئيس السابق) عندما تلصق الاتهامات بالأبرياء إذا أبدوا أي ملاحظة على الحكم». وأضاف أن «واقعة، بل مجزرة، كربلاء وغيرها من المدن العراقية الكريمة يندى لها الجبين، وكأن قطيعاً من الخرفان تتقاذفه العمليات المشتركة في بغداد وغيرها».
وجاءت أحداث كربلاء في وقت تتواصل الاحتجاجات والإضرابات النقابية والطلابية في أغلب المحافظات العراقية. وخرج عشرات الآلاف في شوارع بغداد، ليل أول من أمس، متحدين حظر التجوّل الذي فرضته السلطات. كما تجمع الآلاف في «ساحة التحرير» ببغداد أمس (الثلاثاء)، مرددين شعارات منددة بالحكومة ومطالبة بإسقاطها. وأثار مقتل الناشط صفاء السراي بعد إصابة في رأسه بقنبلة مسيلة للدموع غضب المتظاهرين؛ ما دفعهم إلى تشييع جنازته في وسط الساحة بناءً على وصية كان قد تركها لرفاقه قبل وفاته.
وتظاهر آلاف العراقيين في الشوارع هذا الأسبوع في إطار موجة ثانية من الاحتجاجات المناهضة لحكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ولنخبة سياسية يقولون إنها فاسدة وبعيدة عن أرض الواقع. ووصل العدد الإجمالي للقتلى منذ بدء الاضطرابات في أول أكتوبر (تشرين الأول) إلى ما لا يقل عن 250 شخصاً.
وقال متحدث باسم عبد المهدي، يوم الأحد، إن أي شخص سيعطل العمل أو الدراسة سيلقى عقاباً شديداً.
وقالت مدرّسة في ساحة التحرير، رفضت نشر اسمها، لـ«رويترز»: «يهددوننا بوظائفنا وقد يخفضون رواتبنا إذا جئنا، يمكنهم وقف صرف رواتبنا! فلماذا كل هذا الدم؟ لماذا يفقد كل هؤلاء الشبان حياتهم؟». وذكرت «رويترز» أن قوات الأمن أطلقت الغاز المسيل للدموع باتجاه طلاب مدارس وجامعات تحدوا يوم الاثنين تحذيراً من عبد المهدي، وانضموا للآلاف في بغداد رفضاً للحكومة. وشوهد جنود يضربون طلاباً في المرحلة الثانوية بالهراوات في منطقتين ببغداد. وأدان بيان لوزارة الدفاع الواقعة، وقال إن الجنود لا يمثلون الجيش العراقي. ولم يذكر ما إذا كان الجنود سيعاقبون.
ودعا رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر يوم الاثنين إلى إجراء انتخابات مبكرة بعد إعلان حظر التجول في بغداد. وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية، أن الصدر انضم الثلاثاء إلى آلاف المتظاهرين المناهضين للحكومة في مدينة النجف جنوب بغداد، ونقلت عن مصادر في مطاwر النجف، أن طائرة آتية من إيران حطت في وقت سابق بالمطار وكان الصدر على متنها.
على صعيد اخر نقلت وكالة «رويترز» عن موظفين بميناء أم قصر العراقي، ومسؤولين محليين، أن العمليات في الميناء تقلصت بنسبة 80 في المائة تقريباً، أمس (الثلاثاء)، بعد إغلاق محتجين مدخل الميناء.
وقال مدير بالميناء إن العمليات بالميناء قُلصت إلى 20 في المائة، بسبب عدم تمكن العمال البدلاء من الانضمام للعمل.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.