الاحتجاجات تحيي ملف قانون العفو العام

يشمل مطلوبين من كل الطوائف

TT

الاحتجاجات تحيي ملف قانون العفو العام

أحيت الاحتجاجات في المناطق اللبنانية مشروع قانون العفو العام، وكشف مصدر في اللجنة الوزارية المكلّفة دراسة المشروع، عن أنها «ناقشت بالعمق البنود كافة، وإمكانية توسيعه ليشمل أكبر عدد من المطلوبين للعدالة في جرائم جنائية وجنحية مختلفة»، وذلك في جلستها التي انعقدت عشية تقديم الحريري لاستقالته.
وكانت الحكومة المستقيلة تسعى عبر هذا المشروع إلى إظهار جديتها في تنفيذ بنود الورقة الإصلاحية. وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن الحريري «كان عازماً على وضع ورقته موضع التنفيذ بغضّ النظر عن مطلب استقالة الحكومة، باعتبار أن العفو العام هو ملف إنساني يفترض أن يتصدر أولوية الحكومة، خصوصاً أنها وعدت في بيانها الوزاري بإنجازه».
ويشمل قانون العفو بشكل أساسي، المطلوبين المقسمين طائفياً، وأولهم الموقوفون الإسلاميون، وهم بغالبيتهم من الطائفة السنية، ومحسوبون سياسياً على رئيس الحكومة سعد الحريري، كما يشمل الملاحقين بجرائم مخدرات، وغالبيتهم من فريق الثنائي الشيعي حركة «أمل» و«حزب الله»، بالإضافة إلى اللبنانيين الذين فرّوا إلى إسرائيل غداة تحرير جنوب لبنان، ومعظمهم مسيحيون، يدافع التيار الوطني الحرّ برئاسة جبران باسيل عن عودتهم، ويصفهم بـ«المبعدين قسراً عن بلادهم».
ورغم أن المشروع كان مقيداً بموانع يستحيل بحثها، وألا يشمل المتورطين في قتل جنود الجيش اللبناني أو تجار المخدرات، بدا واضحاً أن الضغط الشعبي على الحكومة، فتح هامش توسيع دائرة هذا العفو، وكشفت مصادر متابعة لهذا الملف لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «مشروع القانون لم يلغ الجرائم الجنائية بشكل تام، لكنه سيخفضها إلى حدّ كبير»، وأوضح أنه «بما يتعلّق بملف الإسلاميين جرى تخفيض عقوبة الإعدام إلى السجن 25 عاماً، والمؤبد إلى 20 عاماً، وكل عقوبة دون العشرين سنة خفضت إلى النصف، وهذا يرضي أهالي الموقوفين الإسلاميين». وأشارت المصادر إلى أن «مشروع القانون نص على إعفاء متعاطي المخدرات ومن سهّل التعاطي، بينما استثنى التجار والمروجين، إلا أنه قوبل باعتراض من أعضاء اللجنة، فجرى بحث توسيعه ليشملهم، وبما يؤدي إلى تخفيض العقوبة وليس لإسقاطها».
وأعلن المحامي محمد صبلوح، وكيل الدفاع عن عدد كبير من الموقوفين الإسلاميين، أن «أهالي الموقوفين الإسلاميين يدعمون الخطوات التي يقوم بها الحريري، للإسراع بإنجاز قانون العفو»، لكنه أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «مناقشة المشروع في اللجنة الوزارية لا يعني أنه وصل إلى صيغته النهائية، وهو سيمرّ بمحطات عدة قد تدخل عليه تعديلات، وقد تعرقله الخلافات السياسية»، مؤكداً أن «ما سرّب من مسودة القانون يرضي الموقوفين الإسلاميين وأهلهم، والأهم أن المحكومين بالإعدام أو المؤبد، سيعرفون عدد السنوات التي سيقضونها في السجن، ولن تبقى مدة سجنهم مفتوحة وبلا أفق».
ولا يجد بعض رموز الانتفاضة الشعبية في الشروع بدرس ورقة الإصلاحات، إلا محاولة لإلهاء الناس، وإغرائهم بمشاريع قوانين لن تصل إلى نتيجة، واعتبر أستاذ مادة التاريخ في الجامعة الأميركية في بيروت مكرم رباح، أن «هذه المحاولة لا تعدو كونها رشوة للناس، لإظهار مصداقية الحكومة في تطبيق الورقة الإصلاحية». وقال رباح لـ«الشرق الأوسط»، إن «الطبقة السياسية القائمة لا تمتلك الجرأة والإرادة لإصلاح الوضع، الذي يبدأ بإصلاح القضاء وإطلاق يده بمحاكمة الفاسدين، وبإصلاح الأجهزة الأمنية أيضاً».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.