مخاوف من «فراغ سياسي» بعد استقالة الحريري

مطالب للقوى السياسية اللبنانية بوضع المصلحة الوطنية العليا فوق أي اعتبارات أخرى

***أونلاين*** متظاهرون لبنانيون مناهضون للحكومة يحتفلون باستقالة رئيس الوزراء سعد الحريري (أ.ف.ب)
***أونلاين*** متظاهرون لبنانيون مناهضون للحكومة يحتفلون باستقالة رئيس الوزراء سعد الحريري (أ.ف.ب)
TT

مخاوف من «فراغ سياسي» بعد استقالة الحريري

***أونلاين*** متظاهرون لبنانيون مناهضون للحكومة يحتفلون باستقالة رئيس الوزراء سعد الحريري (أ.ف.ب)
***أونلاين*** متظاهرون لبنانيون مناهضون للحكومة يحتفلون باستقالة رئيس الوزراء سعد الحريري (أ.ف.ب)

أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري اليوم (الثلاثاء)، استقالته من رئاسة الحكومة بعد الوصول إلى «طريق مسدودة»، على خلفية الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ نحو أسبوعين.
وقال الحريري في كلمة متلفزة: «أضع استقالتي بتصرف رئيس الجمهورية»، مضيفاً أن «المناصب بتروح وبتجي والمهم كرامة وسلامة البلد» وأنه «لا أحد أكبر من بلده».
وتابع أن الاستقالة تأتي «تجاوباً مع كثير من اللبنانيين الذين نزلوا إلى الشارع».
وفور الاستقالة، دعا المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش السلطات اللبنانية إلى العمل بسرعة لتشكيل حكومة جديدة وفق المعايير الدستورية التي تلبي تطلعات الشعب.
ودعا كوبيتش في بيان «جميع القادة والقوى السياسية إلى الامتناع عن التصريحات والأفعال التي يمكن أن تُشعل التوترات وتحرض على المواجهة والعنف». وحث القوى الأمنية على الحفاظ على النظام والأمن واحترام القانون واتخاذ إجراءات ضد من يحرضون على العنف، بغض النظر عن انتمائهم الحزبي، وحماية المتظاهرين المدنيين.
وذكّر كوبيتش الأحزاب السياسية بأنها «تتحمل كامل المسؤولية عن سلوك وأفعال مناصريها، خصوصاً إذا افتعلوا الاشتباكات مع المتظاهرين السلميين أو القوى الأمنية».
وأكد أنه «تبقى الأمم المتحدة ملتزمة بدعم لبنان واستقلاله السياسي واستقراره وأمنه ووحدته وسلامة أراضيه».
وأعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط عن تطلعه لتمسك جميع اللبنانيين بالوحدة الوطنية والحفاظ على السلم الأهلي والمظهر الحضاري الذي صاحب المظاهرات منذ بدايتها، وتفويت الفرصة على المتربصين بأمن واستقرار البلاد من خلال شق وحدة الصف اللبناني.
وطالب أبو الغيط القيادات السياسية اللبنانية بوضع المصلحة الوطنية العليا فوق أي اعتبارات أخرى، والشروع في الإجراءات التي تتيح الخروج من الوضع المتأزم الحالي ومنع انزلاق البلاد نحو مصير مجهول، والعمل معاً لمواجهة التحديات الراهنة على أرضية من الوحدة الوطنية.
وأشار مصدر مسؤول بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية إلى أن الأمين العام يتابع باهتمام كبير التطورات المتلاحقة في لبنان والتي أدت إلى استقالة الحريري، ويتفهم الخطوة التي أقدم عليها الحريري خاصة في ضوء استمرار المطالب الشعبية الموحدة التي أصر عليها اللبنانيون بمختلف انتماءاتهم الطائفية على مدار الفترة الماضية.
بدورها، أكدت فرنسا أن إعلان الحريري استقالته يزيد من تردي الأمور في لبنان و«يفاقم الأزمة».
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أن لبنان «يمر بأزمة خطيرة جداً منذ 15 يوماً مع مظاهرات شعبية حاشدة وحوادث وتوترات وأزمة ثقة». وقال: «مع هذه الأوضاع تدعو فرنسا المسؤولين اللبنانيين إلى بذل كل الجهود لضمان استقرار المؤسسات ووحدة لبنان».
بدوره، حذر وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، من حدوث «فراغ سياسي» في لبنان بعد استقالة الحريري. وقال: «الشيء المهم بدرجة بالغة هو ألا يستمر الاستقرار في بيروت في التأثر سلباً بعد الاستقالة... نحن في غنى عن حدوث فراغ سياسي وتحديداً في الموقف الراهن».
وأكد ماس أن التطورات الأخيرة في لبنان «لها أهمية حاسمة بالنسبة لنا وأيضا بالنسبة للمنطقة كلها»، وأعرب عن أمله في أن تحتفظ الاحتجاجات في لبنان بطابعها السلمي.
وأبلغ مصدران رسميان وكالة «رويترز» للأنباء في وقت سابق اليوم أن الحريري يتجه صوب الاستقالة، في وقت هاجم أنصار لـ«حزب الله» و«حركة أمل» محتجين عند حاجز طريق في بيروت اليوم وفكوا خيامهم مما دفع الشرطة للتدخل، مرددين هتافات مؤيدة للأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله ورئيس البرلمان اللبناني نبيه بري رئيس «حركة أمل».
وبدأ الأمر عندما شق أنصار «حزب الله» و«حركة أمل» طريقهم داخل مخيم الاحتجاج على جسر الرينغ بوسط بيروت وحاولوا جعل المحتجين يفتحون الطريق.
ويشهد لبنان احتجاجات واسعة منذ السابع عشر من الشهر الحالي بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وللمطالبة بمكافحة الفساد، وإسقاط الحكومة.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.