أول محاكمة عالمية لمسؤولين سوريين سابقين بتهمة التعذيب

سوريون في أحد شوارع محافظة إدلب شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)
سوريون في أحد شوارع محافظة إدلب شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)
TT

أول محاكمة عالمية لمسؤولين سوريين سابقين بتهمة التعذيب

سوريون في أحد شوارع محافظة إدلب شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)
سوريون في أحد شوارع محافظة إدلب شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)

وجّهت ألمانيا لسوريين كانا من عناصر أجهزة الاستخبارات السورية تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في خطوة قال نشطاء حقوقيون، اليوم (الثلاثاء)، إنها تمهد الطريق لأول محاكمة في العالم لمسؤولين سوريين عن أعمال تعذيب ارتُكبت في سوريا.
وأوقِف الرجلان اللذان عرّفت عنهما وسائل الإعلام باسمي أنور رسلان، وإياد الغريب، معاً في فبراير (شباط)، فيما ألقي القبض في اليوم نفسه على مشتبه به ثالث سوري في فرنسا، في عملية تمت بالتنسيق بين الشرطتين الألمانية والفرنسية، حسبما أوضح بيان مكتب المدعي العام الفيدرالي في مدينة كارلسروه في ألمانيا.
ويشتبه بأن رسلان الذي كان يقود وحدة تحقيق لها سجنها الخاص في منطقة دمشق وتستهدف عناصر المعارضة السورية، «متواطئ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية»، حسبما جاء في لائحة الاتهامات المقدمة في 22 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بحسب بيان النيابة العامة الذي نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
وأضاف البيان: «وفي هذا الإطار؛ وُجهت له 58 تهمة قتل، وتهم بالاغتصاب والاعتداء الجنسي الشديد» في السجن حيث تعرض أكثر من 4 آلاف سجين «لتعذيب وحشي وواسع النطاق» بين أبريل (نيسان) 2011 وسبتمبر (أيلول) 2012.
أما إياد الغريب، وهو ضابط استخبارات سابق كان يدير حواجز ويتصيد المحتجين، فيشتبه بأنه ساعد وحرّض على خطف وتعذيب 30 شخصاً على الأقل في خريف 2011.
وآنذاك في بلدة دوما استخدمت السلطات الأمنية القوة لفض مظاهرة معارضة للحكومة. ويُعتقد أن غريب ساعد في القبض على متظاهرين كانوا يحاولون الفرار، واحتجزهم في السجن الذي كان يديره رسلان.
واندلع النزاع في سوريا في مارس (آذار) 2011 مع سلسلة من المظاهرات الحاشدة المطالبة بحريات مدنية، مما أثار حملة قمع من النظام الذي سرعان ما بدأ في استخدام «القوة الوحشية» ضد المتظاهرين المعارضين للحكومة، وفق النيابة العامة.
وقُتل أكثر من 360 ألف شخص في النزاع السوري فيما نزح الملايين. وبحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، فإن 60 ألف شخص قضوا تحت التعذيب أو بسبب ظروف شديدة القسوة في سجون النظام منذ اندلاع النزاع.
وقالت النيابة العامة إن «أجهزة الاستخبارات السورية لعبت دوراً كبيراً في ذلك، بهدف وقف الحركة الاحتجاجية في أسرع وقت وتخويف الشعب».
وغادر رسلان سوريا أواخر عام 2012 ووصل إلى ألمانيا في يوليو (تموز) 2014، فيما غادر غريب في فبراير 2013 ودخل ألمانيا في أبريل 2018.
وفي اليوم نفسه الذي اعتُقل فيه المشتبه بهما في فبراير، أوقِف سوري آخر في منطقة باريس بتهمة ارتكاب «أعمال تعذيب وجرائم ضد الإنسانية والتواطؤ في هذه الجرائم»، حسبما ذكرت آنذاك نيابة باريس.
ولا يزال كثير من الدعاوى القضائية معلقاً ضد نظام الرئيس بشار الأسد في ألمانيا، التي استقبلت أكثر من 1.2 مليون طالب لجوء منذ 2015 بينهم مئات آلاف السوريين.
والعام الماضي أصدر المدعون الألمان مذكرة توقيف دولية بحق اللواء جميل حسن، رئيس إدارة الاستخبارات الجوية السورية المتهم بالإشراف على تعذيب وقتل مئات المعتقلين.
ورغم عدم وقوع التجاوزات المفترضة في ألمانيا، فإن الدعوى رُفعت بموجب مبدأ التحكيم الدولي القانوني، الذي يسمح لأي دولة بملاحقة جناة بغض النظر عن المكان الذي ارتُكبت فيه الجريمة.
وانضم «المركز الأوروبي للحقوق الدستورية والإنسانية»، وهو منظمة غير حكومية مقرها برلين، إلى ضحايا التعذيب الناجين في تقديم دعاوى جنائية بحق 10 مسؤولين سوريين كبار، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
ورحبت المنظمة، (الثلاثاء)، بتوجيه الاتهامات، وقالت إن «أول محاكمة في العالم بتهمة التعذيب الذي تمارسه الدولة في سوريا، يُتوقع أن تبدأ في ألمانيا مطلع 2020... خطوة مهمة في مكافحة الإفلات من العقاب».
وصوّر المدعون نظاماً من الاستجوابات الوحشية بحق أفراد من المعارضة يشمل أساليب مختلفة للتعذيب؛ بينها «ضربات بالقبضات والهراوات والأنابيب والكابلات والسياط والخراطيم... وكذلك الصدمات الكهربائية».
وكان يتم تعليق السجناء في السقف من معاصمهم، وضربهم، والاعتداء جنسياً عليهم، وحرمانهم من النوم، وتهديدهم بإلحاق الأذى بأحبائهم. وقالت النيابة العامة إن «سوء المعاملة الجسدية والنفسية الوحشية بشكل منهجي عمل على انتزاع الاعترافات والمعلومات حول حركة المعارضة».
وقال «المركز الأوروبي للحقوق الدستورية والإنسانية» الذي يدعم ضحايا التعذيب السوريين بصفتهم شركاء في المرافعات القانونية، إن 14 شاهد عيان شاركوا في التحقيقات الألمانية.
ونقل «المركز» عن سوري لم تُحدد هويته تعرض للتعذيب في سجن «الخطيب» حيث كان المشتبه بهما يعملان: «هذه العملية في ألمانيا تعطي أملاً، حتى وإن كان كل شيء يستغرق وقتاً طويلاً ولا يحصل شيء غداً، أو حتى بعد غد». وأضاف: «واقع استمرارها (العملية) يعطينا نحن الناجين أملاً بتحقيق العدالة... أنا على استعداد للإدلاء بشهادتي».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».