أسعار النفط لا تعيش أوقاتا جيدة حيث واصلت انخفاضها هذا الأسبوع. واستقر سعر خام برنت في سوق لندن حول مستوى 92 دولارا وهو الأدنى في 27 شهرا بسبب ارتفاع قيمة الدولار وزيادة مخاوف السوق من أن تؤدي التخفيضات التي قدمتها شركة أرامكو للشهر الرابع على التوالي في نشوء حرب أسعار بين السعودية وباقي المنتجين في أوبك وهو الأمر الذي نفاه بالأمس وزير النفط الإيراني بيجان زنقنيه.
ومما زاد الضغوطات على أسعار النفط هو المخاوف بأن يكون النمو الاقتصادي في آسيا أضعف مما هو متوقع بعد أن خفض البنك الدولي توقعاته للنمو في الصين للعام الحالي وحتى 2016 وهو الأمر الذي سيعني أن الطلب على النفط سيكون ضعيفا بدءا من العام المقبل وسط وجود كمية من النفط أكثر مما تحتاجه السوق.
ورغما عن الهبوط الحاد في أسعار النفط فإنها لا تزال في مستوى فوق 90 دولارا للبرميل وهو مستوى آمن يغطي تكاليف إنتاج النفط في الولايات المتحدة وكندا والعديد من الدول خارج أوبك. كما أنها في الوقت ذاته فوق حاجة ميزانيات أغلب دول أوبك باستثناء فنزويلا وإيران.
وبسبب التحسن الاقتصادي الذي تشهده الولايات المتحدة والتحسن في البنية التحتية لنقل النفط شمالا وجنوبا هناك، فإن أسعار نفط خام غرب تكساس في بورصة نيويورك قلصت الفرق الكبير بينها وبين أسعار نفط برنت المباع في بورصة لندن. ويتوقع المحللون أن يؤدي تقلص الفجوة السعرية بين أسعار النفط بين برنت وغرب تكساس (وهما الخامان الرئيسان لتسعير النفط في العالم) والتي وصلت إلى قرابة 2.4 دولار إلى زيادة التنافس بين المنتجين الراغبين في بيع نفطهم إلى الولايات المتحدة مما يعني مزيدا من التخفيضات على أسعاره. وكانت الفجوة السعرية بين الخامين تتراوح بين 5 و6 دولارات حتى منتصف الشهر الماضي.
* حرب الأسعار
* أكثر ما يخيف الأسواق هو نشوء حرب أسعار بين المنتجين الكبار في أوبك وهو الأمر الذي سيعني المزيد من انخفاض السعر وزيادة الإنتاج حتى تحافظ الدول على حصتها في الأسواق التي تبيع إليها، لا سيما السعودية، إذ إنها أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم. ولكن وزير النفط الإيراني حاول بالأمس تبديد هذه المخاوف في حديثه إلى الصحافيين في طهران.
وقال زنقنيه إن شركة النفط الوطنية الإيرانية تقوم بتسعير النفط بطريقة مهنية واحترافية، مستبعدا أن يكون التذبذب في أسعار النفط الحالي دليلا على وجود حرب أسعار. وتقوم شركات النفط الحكومية في دول أوبك مثل «أرامكو السعودية» وشركة النفط الإيرانية بإصدار قائمة كل شهر بأسعار النفط بناء على أوضاع السوق.
وتحتاج إيران إلى سعر نفط هو الأعلى من بين كل دول أوبك لا يقل عن 130 دولارا للبرميل حتى تتوازن ميزانيتها ولا تسجل أي عجز. وهذا الأمر هو ما دفع زنقنيه في حديثه أمس أن يقول إن إيران ستتحمل آثار انخفاض الأسعار لحين موعد اجتماع وزراء المنظمة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل والذي يجري فيه مناقشة كل الأمور المتعلقة بالسوق والأسعار.
وقال مصدر في أوبك في حديثه مع «الشرق الأوسط» إنه لا يتوقع أن تقوم أي دولة بخفض إنتاجها من الآن وحتى موعد الاجتماع لأن أي قرار بالتخفيض يجب أن يكون جماعيا وليس فرديا.
وأوضح المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه أن هبوط أسعار النفط أمر طبيعي حاليا مع قوة الدولار ودخول العديد من المصافي في الصيانة، ولكنه شدد على أن أوبك عليها أن تتعامل مع وفرة المعروض في السوق بجدية أكثر، خاصة وأن الطلب قد لا ينمو بصورة كبيرة.
ويخشى التجار والمتعاملون في السوق من أن تتسبب تحركات السعودية للحفاظ على حصتها السوقية في هبوط الأسعار أكثر، إذ إن المعروض النفطي العالمي قد يزيد عن الحاجة خلال الأشهر المقبلة مع التباطؤ المتوقع على نمو الطلب في الربع الرابع. ويرى المحللون والمتعاملون والتجار أن على أوبك أن تخفض من إنتاجها حتى يتوازن العرض مع الطلب.
وكانت «أرامكو» قد أعلنت الأسبوع الماضي أنها خفضت سعر بيع خامها العربي الخفيف للمشترين الآسيويين في نوفمبر بمقدار دولار واحد مقارنة مع سعر أكتوبر (تشرين الأول) ليكون أقل بواقع 1.05 دولار للبرميل عن متوسط خامي عمان ودبي. هذا التخفيض في العربي الخفيف هو الأقل منذ عام 2008 بحسب الأرقام التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط».
وقالت «أرامكو» إنها ستبيع خامها العربي المتوسط للزبائن في الولايات المتحدة بأقل من 20 سنتا عن مؤشر أرجوس للنفط الحامض. وهذه هي أول مرة تبيع فيها العربي المتوسط بأقل من سعر مؤشر آرجوس منذ أبريل (نيسان) هذا العام، بحسب ما أوضحته أمس شركة «جي بي سي» لاستشارات الطاقة.
* تشاؤم حول النمو في آسيا
* وتواجه السعودية وهي ثاني أكبر منتج للنفط في العالم، ضعفا في الطلب على نفطها المتجه إلى آسيا، وبخاصة إلى الصين واليابان أول وثاني أكبر أسواق النفط السعودي في القارة الصفراء، في الوقت الذي زادتا فيه الشراء من دول أخرى مثل العراق والإمارات. وبسبب المنافسة الآن أصبح إجمالي صادرات العراق وإيران إلى الصين في أغسطس (آب) يعادل كامل ما تستورده من النفط السعودي.
وخفض البنك الدولي توقعاته لنمو منطقة شرق آسيا والصين خلال الفترة من 2014 إلى 2016 وحذر من مخاطر هروب رؤوس الأموال بالنسبة لإندونيسيا في الوقت الذي توقع فيه بطء النمو في الصين بسبب إجراءات تتعلق بالسياسة الاقتصادية وتهدف إلى تعزيز الاقتصاد.
ويتوقع البنك الدولي نمو منطقة آسيا والمحيط الهادي بنسبة 6.9 في المائة في 2014 و2015 بتراجع عن المعدل الذي توقعه سابقا خلال هذين العامين وهو 7.1 في المائة. وقلص البنك أيضا توقعاته للنمو في 2016 للمنطقة ككل من 7.1 في المائة إلى 6.8 في المائة.
وقال البنك الدولي إن من المرجح أن يتباطأ النمو في الصين إلى 7.4 في المائة في 2014 وإلى 7.2 في 2015 بتراجع عن 7.7 في المائة في 2013. ويتوقع أن يسجل النمو 7.1 في المائة في 2016. وكان البنك الدولي توقع سابقا أن يبلغ النمو في الصين 7.6 في المائة في 2014، و7.5 في المائة في 2015 و2016.
وقال فيما يتعلق بتوقعات المستقبل للصين إن «إجراءات احتواء الدين الحكومي والحد من القطاع المصرفي غير الرسمي ومعالجة الطاقة الإنتاجية الفائضة وزيادة الطلب على الطاقة وارتفاع نسبة التلوث ستقلل من الاستثمار والناتج الصناعي».