عادل عبد المهدي... إشكالية نظام سياسي أم أزمة رجل؟

يعرف أن الاستقالة باتت مطلباً للمتظاهرين... لكنه يرهنها بتوفر «بديل جاهز»

عادل عبد المهدي... إشكالية نظام سياسي أم أزمة رجل؟
TT

عادل عبد المهدي... إشكالية نظام سياسي أم أزمة رجل؟

عادل عبد المهدي... إشكالية نظام سياسي أم أزمة رجل؟

سميت حكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، التي أكملت الأسبوع الماضي عامها الأول، حكومة «الفرصة الأخيرة». التسمية لم تكن من عنده؛ بل من الكتل والأحزاب والقوى المؤثرة في المشهد السياسي العراقي التي جاءت به إلى الحكم مع أن «الشروط لم تكن متوفرة» طبقاً لما أبلغهم به شخصياً وعبر مقال في الجريدة التي يملكها «العدالة» قبل شهور من دعوته للتوجه إلى القصر الحكومي لإنقاذ النظام الذي وصل إلى طريق مسدودة بعد فشل كل من تحالفي «الإصلاح» و«الإعمار» في أن يكون أي منهما الكتلة الكبرى بموجب الدستور.
«تحالف الإصلاح» الذي منه كتلة «سائرون» المدعومة من مقتدى الصدر والفائزة الأولى بانتخابات 2018، و«البناء» ومنه كتلة «الفتح» التي يتزعمها هادي العامري، بقي كل منهما يرى نفسه الكتلة الكبرى بسبب تفسير غامض للمحكمة الاتحادية.
ورغم أن «الإصلاح» يضم شخصيات وكتلاً قوية، مثل «الحكمة» بزعامة عمار الحكيم، و«النصر» بزعامة حيدر العبادي، مثلما أن «البناء» يضم، بالإضافة إلى العامري، كتلاً مهمة، مثل «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و«العصائب» بزعامة قيس الخزعلي، فضلاً عن «تحالف القوى العراقية» بزعامة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان العراقي، فإن كلاً من هذه الكتل والشخصيات بقيت عاجزة من تقديم وصفة تنقذ النظام من ورطته.
وحيث إن كلاً من «سائرون» في «الإصلاح»، و«الفتح» في «البناء» هما الكتلتان الكبريان والأكثر قوة، فقد أخذتا على عاتقيهما تشكيل الحكومة عن طريق المجيء بشخصية توافقية. وقع الاختيار على السياسي القديم عادل عبد المهدي الذي يعد أحد الآباء المؤسسين لنظام ما بعد عام 2003. فعبد المهدي تولى مناصب مهمة؛ وزيراً للنفط، ونائباً لرئيس الجمهورية، وقد استقال مرتين؛ مرة من منصب وزير النفط، والأخرى من منصب نائب رئيس الجمهورية. سلسلة الاستقالات هذه جعلت الرجل غير متمسك بالسلطة، فضلاً عن أن استقالته دائماً في جيبه. ولأن الكتل السياسية كانت تخشى ذلك، فإنها حين اختارته لتسند إليه مهمة تشكيل الحكومة، اشترطت عليه عدم الاستقالة.
مؤشرات عدم الاستقرار بدت واضحة منذ بدء تشكيل حكومته التي بدت عرجاء منذ البداية، حيث تشكلت بـ14 وزيراً أول الأمر من مجموع 22 وزيراً، وبعدها تم التصويت بالتقسيط على الوزراء الباقين، ما عدا وزارة التربية التي بقيت شاغرة عاماً كاملاً حتى تم التصويت عليها قبيل إكمال الحكومة عامها الأول بأيام. وفي الوقت الذي لم تعد فيه حتى الكتلتان اللتان شكلتا الحكومة «الفتح» و«سائرون» راضيتين عن أدائها، فإن المؤشرات كانت تذهب باتجاه أن يقدم عادل عبد المهدي استقالته. غير أن تداعيات الأحداث ووصولها إلى المظاهرات الحالية التي ذهب ضحيتها مئات القتلى وآلاف الجرحى في غضون أقل من شهر، أربكت تفسيرات الخبراء والمراقبين وحتى السياسيين؛ سواء من شركاء عبد المهدي، أو من خصومه، بشأن استقالته من عدمها. حتى المقربون منه انقسموا بشأن كيفية الاستقالة في هذا الوضع الحرج، من منطلق أن الرجل لا يتحمل تراكم فشل تجربة على مدى 16 عاماً، وهناك من يرى أنه في الوقت الذي حملوه فيه تبعات كل المرحلة مع أنه لا يتحمل سوى إشكاليات سنة واحدة من 4 سنوات ينبغي أن يقضيها لتنفيذ ما وعد به من برنامج، بدأوا يدعونه إلى الاستقالة بشكل واضح. ومن هؤلاء الدكتور ليث شبر، مستشاره السابق ورئيس تحرير الجريدة التي كان يملكها عبد المهدي وهي «العدالة»، والذي أعلن لـ«الشرق الأوسط» أنه «يدعو رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بكل صدق إلى الاستقالة» مع أن الإشكالية هي إشكالية نظام سياسي لا مجرد أزمة رجل واحد.
يقول شبر: «للمرة الثالثة أدعو السيد عادل عبد المهدي إلى الاستقالة؛ حيث إنه طبقاً للحراك الجاري، فإن الناس هم من أقالوه قبل القوى السياسية»، محذراً من مغبة أن «يتخلى عنه من أسهم في تنصيبه ووضعه في موقف ضعيف». وأوضح شبر أن «رئيس الوزراء أكد من جانبه أن للاستقالة آلياتها الدستورية، وأنه لا بد من بديل جاهز، فضلاً عن الخوف من الفوضى، فإن ذلك يعني أنه يعرف أن الاستقالة باتت مطلباً للمتظاهرين بصرف النظر عما إذا كان مشروعاً أم لا؛ علماً بأنني، ومن خلال معرفتي الدقيقة بالرجل، أعرف أنه صاحب مواقف صادقة، ولا يزايد عليه أحد في ذلك».
وبقطع النظر عما إذا كان عبد المهدي سيستقيل أم لا؛ فإن الأوضاع في كلتا الحالتين لن تستقر بسرعة في بلد تتنوع فيه الرؤى والمطالب؛ إنْ كانت في أوساط السياسيين، أم المتظاهرين، مما يجعل خياري الاستقالة أو البقاء، أحلاهما مرّ ما دامت القضية ليست أزمة رجل بقدر ما هي إشكالية نظام سياسي كامل.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.