المحتجّون اللبنانيون يواصلون إغلاق الطرق في «اثنين السيارات»

صندوق النقد شدد على ضرورة تنفيذ الإصلاحات لاستعادة الاستقرار الاقتصادي

المحتجون يبدأون في «اثنين السيارات» بلبنان (أ.ب)
المحتجون يبدأون في «اثنين السيارات» بلبنان (أ.ب)
TT

المحتجّون اللبنانيون يواصلون إغلاق الطرق في «اثنين السيارات»

المحتجون يبدأون في «اثنين السيارات» بلبنان (أ.ب)
المحتجون يبدأون في «اثنين السيارات» بلبنان (أ.ب)

واصل المتظاهرون في لبنان قطع الطرق، اليوم (الاثنين)، لليوم الثاني عشر على التوالي، عبر تعزيز العوائق وركن السيارات وسط طرق رئيسية في البلاد احتجاجاً على الوضع المعيشي والفساد المستشري، مطالبين برحيل الطبقة السياسية.
ورغم النداءات التي وجهها مسؤولون سياسيون لفتح الطرق، فإن المحتجّين يعمدون إلى إبقائها مقطوعة، لا سيما الطريق السريعة الرئيسية التي تربط الشمال بالجنوب، وذلك لممارسة أقصى ضغط ممكن على السلطة السياسية.
وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي أمس (الأحد)، منشور يدعو المواطنين إلى اعتماد أسلوب جديد لقطع الطرق وهو ركن السيارات في وسط الطرقات، تحت شعار «اثنين السيارات».
وصباح الاثنين، كانت طرق رئيسية مقطوعة جراء توقف مئات السيارات أو جلوس مجموعات من المحتجين أرضاً.
وقال علي (21 عاماً) الذي كان بين مجموعة متظاهرين يقطعون جسراً رئيسياً في العاصمة (جسر الرينغ)، لوكالة الصحافة الفرنسية: «إذا لم تشعر السلطة الحاكمة الفاسدة أن البلد مشلول فلن نتمكن من التأثير عليهم... وتحقيق مطالبنا».
وكان يُتوقع أن تقوم قوات الأمن اللبنانية بمحاولة جديدة لفتح الطرق في وقت تشهد فيه البلاد شللاً كاملاً يشمل إغلاق المدارس والجامعات والمصارف، منذ أكثر من 10 أيام.
وحاول الجيش وقوات الأمن في الأيام الأخيرة فتح عدد من الطرق المغلقة في مناطق مختلفة في البلاد، غير أن المتظاهرين قاوموا كل الجهود.
وشكّل عشرات آلاف اللبنانيين أمس (الأحد)، سلسلة بشرية تمتدّ من شمال البلاد إلى جنوبها على مسافة تبلغ 170 كيلومتراً، في خطوة ترمز إلى الوحدة الوطنية التي تكرست خلال المظاهرات العابرة للطوائف والمناطق.
واندلعت شرارة الاحتجاجات الاجتماعية غير المسبوقة منذ سنوات في 17 أكتوبر (تشرين الأول)، بعد إقرار الحكومة ضريبة على الاتصالات عبر تطبيقات الإنترنت.
وفي سياق متصل، قال صندوق النقد الدولي إنه يقيم حزمة إصلاحات طارئة أعلنتها الحكومة اللبنانية الأسبوع الماضي، وأكد ضرورة تنفيذ الإصلاحات بشكل عاجل في ضوء مستويات الدين والعجز المالي المرتفعة في البلد، حسبما ذكرت وكالة «رويترز» للأنباء.
وفي الأسبوع الماضي، كشفت الحكومة النقاب عن مجموعة من الإجراءات تهدف جزئياً لتهدئة غضب المتظاهرين وإقناع المانحين الأجانب بقدرتها على خفض العجز في الميزانية العام المقبل. ولكن الحزمة العاجلة فشلت في إقناع المتظاهرين بترك الشارع أو المستثمرين بوقف تراجع سنداتها.
وقال جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق: «ندرسها (الحزمة). نحتاج أن نرى ليس فقط ما تتضمنه بل الجدول الزمني للحزمة في بلد مثل لبنان الذي يعاني من مثل هذه المستويات المرتفعة من الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ومستويات مرتفعة لعجز مزدوج».
وتعاني البلاد من واحد من أعلى مستويات الدين الحكومي في العالم كحصة من الناتج الاقتصادي. وتوقع الصندوق عجزاً مالياً بنسبة 9.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام و11.5 في المائة من العام المقبل.
وقال رئيس الوزراء سعد الحريري إن الإجراءات العاجلة التي استحدثت الأسبوع الماضي، وشملت خفضاً رمزياً لأجور الوزراء وأعضاء البرلمان للنصف، قد لا تفي بمطالب المحتجين ولكنها بداية لتحقيق بعض منها.
وقال أزعور: «ثمة حاجة عاجلة لإصلاحات أساسية في لبنان من أجل استعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي والثقة وتحفيز النمو وتقديم بعض الحلول للقضايا التي يثيرها الشارع».
وتعتزم الحكومة الإسراع بخطى إصلاحات تأخرت كثيراً لقطاع الكهرباء الذي تديره الحكومة والذي يستنزف ملياري دولار من خزانة الدولة سنوياً، بينما لا يوفر كل احتياجات اللبنانيين من الكهرباء.
وأضاف أزعور أنه من أجل استعادة الثقة في الاقتصاد يجب تنفيذ بعض الإصلاحات التي طال انتظارها بقطاعي الطاقة والاتصالات «وفقاً لجدول زمني مفصل جداً». وصرح أن الصندوق يجري مناقشات دورية مع السلطات اللبنانية، لكنها لم تطلب من الصندوق تقديم برنامج تمويل.
ولم تتوقف حركة الاحتجاجات ضد كل مكونات الطبقة السياسية التي يعدّها المحتجّون غير كفؤة وفاسدة في بلد لم تتمكن فيه الدولة من تلبية الحاجات الأساسية على غرار الماء والكهرباء والصحة بعد 30 عاماً من نهاية الحرب الأهلية (1975 - 1990).
وتتألف الطبقة الحاكمة في لبنان بمعظمها من زعماء كانوا جزءاً من الحرب الأهلية المدمرة التي شهدتها البلاد، وما زال أغلبهم موجوداً في الحكم منذ نحو 3 عقود. ويمثّل هؤلاء الزعماء عموماً طبقة طائفية أو منطقة معينة.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.