شبكات التواصل الاجتماعي «تؤرشف» معاناة اللبنانيين

من الحراك الشعبي في ساحة الشهداء بوسط بيروت أمس (أ.ب)
من الحراك الشعبي في ساحة الشهداء بوسط بيروت أمس (أ.ب)
TT

شبكات التواصل الاجتماعي «تؤرشف» معاناة اللبنانيين

من الحراك الشعبي في ساحة الشهداء بوسط بيروت أمس (أ.ب)
من الحراك الشعبي في ساحة الشهداء بوسط بيروت أمس (أ.ب)

طغت كلمة الشارع على القراءات السياسية وتحليلات الخبراء خلال التغطية الإعلامية للاحتجاجات اللبنانية التي شكلت ثورة على الطبقة السياسية، وحطمت حواجز الطائفية وقدسية زعمائها، لتركز مطالبها على الهموم الاقتصادية والاجتماعية، من دون تضمينها أي شعار سياسي مباشر، مما قطع الطريق على المحاولات المستمرة لتسييسها، وجر اللبنانيين إلى مربعات حزبية وطائفية، بعد 11 يوماً من انطلاقتها.
ولعبت وسائل التواصل دوراً حيوياً في نقل صرخة المواطنين إلى أنحاء العالم، من خلال هاشتاغ «لبنان-ينتفض» الذي أصبح ماركة مسجلة لـ«الثورة» تسهل على المهتمين متابعة آخر التطورات، وأحدث الأشرطة المسجلة وأكثرها تداولاً، وفي التنبيه والتوعية رداً على محاولات القوى السياسية الرئيسية إحباط التحرك، سواء من خلال الوعود بالإصلاح أو التهديد بالفوضى وقطع الرواتب، واتهام الحراك بالحصول على تمويله من جهات سياسية وسفارات أجنبية.
وشكل الشريط المسجل لأفراد لبنانيين عاديين يتولون تأمين حاجات المتظاهرين من طعام ووسائل تقنية للصوت والإضاءة، الذي تم تداوله على نطاق واسع، وسيلة فعالة و«نظيفة» لا تحتوي أي تجريح أو إهانة لمطلقي الاتهامات.
كما ساهمت هذه الوسائل بنقل الشعارات التي تحدد مسار الثورة وأهدافها، ومنها «في 3 أيام عرفتم من يمول الثورة... وفي 30 عاماً ما بيّن معكم الحرامي»، و«كلن يعني كلن»، في تحميل الطبقة السياسية مسؤولية الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.
والأكثر تأثيراً قد يكون الرسوم الجديدة للعملة اللبنانية التي أطلقها مصمم الغرافيك اللبناني دان عثمان، بعد 10 أيام على انطلاق الحراك الشعبي، مستمداً تصورها من مفردات الشارع، مرفقة بصور لأهم اللقطات التي تداولتها وسائل الإعلام المحلية والعربية، كصورة الفتاة التي ركلت عنصر مكافحة الشغب، والفتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة التي أصرت على المشاركة في الحراك، وصورة المتظاهرين في وجه عناصر الأمن في ساحة رياض الصلح.
كما أن الكاميرات والميكروفونات التي تنقلت بين المناطق اللبنانية حملت صرخة المحتجين وتجاربهم الخاصة، ونقلت شهادات تراوحت بين انعدام فرص العمل واستهتار الجهات الرسمية بشأن تفشي مرض السرطان نتيجة التلوث وغياب الرقابة، وبث الطائفية بين المواطنين، وفضح تواطؤ القوى السياسية عليهم لتحريك الغرائز العنصرية. وبالتالي، قام الإعلام المرئي والمسموع ووسائل التواصل الاجتماعي بوظيفة «أرشفة» حكايات الوجع التي تجاهلتها السلطة على امتداد عقدين أو أكثر، فتراكمت وأدت إلى الانفجار الشعبي، لتعكس حقيقة الأزمة التي دفعت الناس إلى الشوارع، ورفضهم الخروج منه ما لم يستردوا حقوقهم.
ولعل أشهر معاناة استحوذت على اهتمام الإعلام في مدينة النبطية، في الجنوب اللبناني، تتعلق بقوانين الأحوال الشخصية لدى الطائفة الشيعية التي تمنع المطلقة من حضانة الطفل. وإذا كان الوالد من المقربين إلى أحد أصحاب القرار، فإنه يستطيع منع الأم حتى من حق المشاهدة، كما حصل مع الناشطة الكاتبة بادية فحص، التي رفعت لافتة كتب عليها «بدي شوف ولدي» على ورقة كرتونية، ليتحول ما كتبته إلى شعار ردده المتظاهرون.
وفي وسط بيروت، تناولت إحدى الاحتجاجات بالنقد مواقف السياسيين الذين يحمِّلون اللاجئين مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي والسرقات والنهب والإرهاب، في حين المسؤولية تقع عليهم «كلهن يعني كلهن»، وليس اللاجئين الذين هربوا إلى لبنان، وبفعل السياسات العنصرية لبعض أركان الطبقة السياسية لم تتم حمايتهم.
وفي رد من المتظاهرين على مبادرة بعض السياسيين إلى تبييض صفحتهم، عبر إعلانهم رفع السرية المصرفية عن حساباتهم، تم تداول لائحة توضيحية لمسألة السرية المصرفية، اتهمت المعلنين عنها باستغباء الناس «لأن ما نهبوه لم يعد نقداً في المصارف، وإنما منازل وأراضٍ وقرى بكاملها وشركات. لذا يجب التحقيق بشأن ملكياتهم التجارية والعقارية، والأسهم والخزانات الحديدية، وحساباتهم في الخارج، وحسابات أفراد العائلة والمستشارين، وما إلى ذلك».



إحالة مسؤولَين يمنيَين إلى المحكمة بتهمة إهدار 180 مليون دولار

الحكومة اليمنية التزمت بمحاربة الفساد واستعادة ثقة الداخل والمانحين (إعلام حكومي)
الحكومة اليمنية التزمت بمحاربة الفساد واستعادة ثقة الداخل والمانحين (إعلام حكومي)
TT

إحالة مسؤولَين يمنيَين إلى المحكمة بتهمة إهدار 180 مليون دولار

الحكومة اليمنية التزمت بمحاربة الفساد واستعادة ثقة الداخل والمانحين (إعلام حكومي)
الحكومة اليمنية التزمت بمحاربة الفساد واستعادة ثقة الداخل والمانحين (إعلام حكومي)

في خطوة أولى وغير مسبوقة للحكومة اليمنية، أحالت النيابة العامة مسؤولَين في مصافي عدن إلى محكمة الأموال العامة بمحافظة عدن، بتهمة الإضرار بالمصلحة العامة والتسهيل للاستيلاء على المال العام، وإهدار 180 مليون دولار.

ووفق تصريح مصدر مسؤول في النيابة العامة، فإن المتهمَين (م.ع.ع) و(ح.ي.ص) يواجهان تهم تسهيل استثمار غير ضروري لإنشاء محطة طاقة كهربائية جديدة للمصفاة، واستغلال منصبيهما لتمرير صفقة مع شركة صينية من خلال إقرار مشروع دون دراسات جدوى كافية أو احتياج فعلي، بهدف تحقيق منافع خاصة على حساب المال العام.

«مصافي عدن» تعد من أكبر المرافق الاقتصادية الرافدة للاقتصاد اليمني (إعلام حكومي)

وبيّنت النيابة أن المشروع المقترح الذي كان مخصصاً لتوسيع قدرات مصافي عدن، «لا يمثل حاجة مُلحة» للمصفاة، ويشكل عبئاً مالياً كبيراً عليها، وهو ما يعد انتهاكاً لقانون الجرائم والعقوبات رقم 13 لعام 1994. وأكدت أن الإجراءات القانونية المتخذة في هذه القضية تأتي ضمن إطار مكافحة الفساد والحد من التجاوزات المالية التي تستهدف المرافق العامة.

هذه القضية، طبقاً لما أوردته النيابة، كانت محط اهتمام واسعاً في الأوساط الحكومية والشعبية، نظراً لحساسية الموضوع وأهمية شركة «مصافي عدن» كأحد الأصول الاستراتيجية في قطاع النفط والطاقة في البلاد، إذ تُعد من أكبر المرافق الاقتصادية التي ترفد الاقتصاد الوطني.

وأكدت النيابة العامة اليمنية أنها تابعت باستفاضة القضية، وجمعت الأدلة اللازمة؛ ما أدى إلى رفع الملف إلى محكمة الأموال العامة في إطار الحرص على تطبيق العدالة ومحاسبة المتورطين.

ويتوقع أن تبدأ المحكمة جلساتها قريباً للنظر في القضية، واتخاذ الإجراءات القضائية اللازمة بحق المتهمين، إذ سيكون للحكم أثر كبير على السياسات المستقبلية الخاصة بشركة «مصافي عدن»، وعلى مستوى الرقابة المالية والإدارية داخلها.

إصلاحات حكومية

أكد رئيس مجلس الوزراء اليمني، أحمد عوض بن مبارك، أن صفقة الفساد في عقد إنشاء محطة كهربائية في مصفاة عدن قيمتها 180 مليون دولار، ووصفها بأنها إهدار للمال العام خلال 9 سنوات، وأن الحكومة بدأت إصلاحات في قطاع الطاقة وحققت وفورات تصل إلى 45 في المائة.

وفي تصريحات نقلها التلفزيون الحكومي، ذكر بن مبارك أن مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والمساءلة ليست مجرد شعار بل هي نهج مستمر منذ توليه رئاسة الحكومة. وقال إن مكافحة الفساد معركة وعي تتطلب مشاركة الشعب والنخب السياسية والثقافية والإعلامية.

بن مبارك أكد أن الفساد لا يقتصر على نهب المال العام بل يشمل الفشل في أداء المهام (إعلام حكومي)

وقال إن حكومته تتعامل بجدية؛ لأن مكافحة الفساد أصبحت أولوية قصوى، بوصفها قضية رئيسية لإعادة ثقة المواطنين والمجتمع الإقليمي والدولي بالحكومة.

ووفق تصريحات رئيس الحكومة اليمنية، فإن الفساد لا يقتصر على نهب المال العام بل يشمل أيضاً الفشل في أداء المهام الإدارية، مما يؤدي إلى ضياع الفرص التي يمكن أن تحقق تماسك الدولة.

وأوضح أنه تم وضع خطة إصلاحية للمؤسسات التي شاب عملها خلل، وتم توجيه رسائل مباشرة للمؤسسات المعنية للإصلاح، ومن ثَمَّ إحالة القضايا التي تحتوي على ممارسات قد ترقى إلى مستوى الجريمة إلى النيابة العامة.

وكشف بن مبارك عن تحديد الحكومة مجموعة من المؤسسات التي يجب أن تكون داعمة لإيرادات الدولة، وفي مقدمتها قطاعات الطاقة والمشتقات النفطية؛ حيث بدأت في إصلاح هذا القطاع. وأضاف أن معركة استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي «تتوازى مع معركة مكافحة الفساد»، وشدد بالقول: «الفساد في زمن الحرب خيانة عظمى».

تعهد بمحاربة الفساد

تعهد رئيس الوزراء اليمني بأن يظل ملف مكافحة الفساد أولوية قصوى لحكومته، وأن تواصل حكومته اتخاذ خطوات مدروسة لضمان محاسبة الفاسدين، حتى وإن تعالت الأصوات المعارضة. مؤكداً أن معركة مكافحة الفساد ليست سهلة في الظروف الاستثنائية الحالية، لكنها ضرورية لضمان الحفاظ على مؤسسات الدولة وتحقيق العدالة والمساءلة.

ووصف بن مبارك الفساد في زمن الحرب بأنه «خيانة عظمى»؛ لأنه يضر بمصلحة الدولة في مواجهة ميليشيا الحوثي. واتهم بعض المؤسسات بعدم التعاون مع جهاز الرقابة والمحاسبة، ولكنه أكد أن مكافحة الفساد ستستمر رغم أي ممانعة. ونبه إلى أن المعركة ضد الفساد ليست من أجل البطولات الإعلامية، بل لضمان محاسبة الفاسدين والحفاظ على المؤسسات.

الصعوبات الاقتصادية في اليمن تفاقمت منذ مهاجمة الحوثيين مواني تصدير النفط (إعلام محلي)

وكان الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة قد سَلَّمَ رئيس الحكومة تقارير مراجعة أعمال «المنطقة الحرة عدن»، وشركة «مصافي عدن»، و«المؤسسة العامة لموانئ خليج عدن»، وشركة «النفط اليمنية» وفروعها في المحافظات، و«مؤسسة موانئ البحر العربي»، والشركة «اليمنية للاستثمارات النفطية»، و«الهيئة العامة للشؤون البحرية»، و«الهيئة العامة للمساحة الجيولوجية والثروات المعدنية»، و«الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري»، والشركة «اليمنية للغاز مأرب»، إضافة إلى تقييم الأداء الضريبي في رئاسة مصلحة الضرائب ومكاتبها، والوحدة التنفيذية للضرائب على كبار المكلفين وفروعها في المحافظات.

ووجه رئيس الحكومة اليمنية الوزارات والمصالح والمؤسسات المعنية التي شملتها أعمال المراجعة والتقييم من قِبَل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بالرد على ما جاء في التقارير، وإحالة المخالفات والجرائم الجسيمة إلى النيابات العامة لمحاسبة مرتكبيها، مؤكداً على متابعة استكمال تقييم ومراجعة أعمال بقية المؤسسات والجهات الحكومية، وتسهيل مهمة فرق الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة للقيام بدورها الرقابي.

وألزم بن مبارك الوزارات والمؤسسات والمصالح والجهات الحكومية بالتقيد الصارم بالقوانين والإجراءات النافذة، وشدد على أن ارتكاب أي مخالفات مالية أو إدارية تحت مبرر تنفيذ التوجيهات لا يعفيهم من المسؤولية القانونية والمحاسبة، مؤكداً أن الحكومة لن تتهاون مع أي جهة تمتنع عن تقديم بياناتها المالية ونتائج أعمالها للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، لمراجعتها والعمل بشفافية ومسؤولية، وتصحيح كل الاختلالات سواء المالية أو الإدارية.

وكانت الدول المانحة لليمن قد طالبت الحكومة باتخاذ إجراءات عملية لمحاربة الفساد وإصلاحات في قطاع الموازنة العامة، وتحسين موارد الدولة وتوحيدها، ووقف الجبايات غير القانونية، وإصلاحات في المجال الإداري، بوصف ذلك شرطاً لاستمرار تقديم دعمها للموازنة العامة للدولة في ظل الصعوبات التي تواجهها مع استمرار الحوثيين في منع تصدير النفط منذ عامين، وهو المصدر الأساسي للعملة الصعبة في البلاد.