الفن السابع في الأردن عبر ستة عقود

صدر عن دار «الآن ناشرون وموزِّعون» بعمّان كتاب «السينما الأردنية - بشاير وأحلام»، للناقد السينمائي ناجح حسن، وهو الكتاب السابع في رصيده النقدي الذي يوثِّق للسينما الأردنية التي اقترنت بدايتها بفيلم «صراع في جرش» عام 1958. ويتألف الكتاب الذي يقع في 316 صفحة من القطع المتوسط من مقدمة وواحد وعشرين فصلاً، إضافة إلى ثبت بسيرة الناقد الذاتية والإبداعية.
ويسعى المؤلف في هذا الكتاب إلى تبيان جهود الأفراد والمؤسسات في دعم الخطاب السينمائي بصورة عامة، وتشجيع المواهب الشابة التي تجد ضالتها في الفن السابع. فثمة دعوات كثيرة تبدأ بضرورة إطلاق المهرجانات السينمائية، وإيجاد الحلول اللازمة لمشكلات الفيلم العربي في التمويل والتسويق والمشاركة في المهرجانات العالمية على أوسع مدى ممكن.
ويتمحور الفصل الأول على الطاقات الشابة التي ترنو إلى الإبداع والابتكار، ويأتي في مقدمتها ناجي أبو نوّار الذي تألق في إخراج فيلم «ذيب»، وظفر بجائزة أفضل مخرج في الدورة الـ71 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي. وقد سبق هذا الفيلم الذي يشكّل علامة فارقة في السينما الأردنية كثير من الأفلام الروائية الأخرى، مثل «كابتن أبو رائد»، و«الجمعة الأخيرة»، و«الشراكسة»، و«المنعطف»، وغيرها من الأفلام التي أنجزها مخرجون شباب يتطلعون إلى الابتكار والمغايرة والاختلاف. ولم يقتصر هذا السعي على الأفلام الروائية الطويلة، وإنما تعداها إلى الأفلام الوثائقية والقصيرة، ومن بينها «طرفة» لماجدة الكباريتي، و«الببغاء» لدارين سلام.
ويواصل المؤلف رهانه على الجيل الجديد في تطوير السينما الأردنية، فيخصص الفصل الثاني برمته للمخرج الأردني المغترب عدنان الرمحي الذي أنجز فيلمين روائيين، و6 أفلام وثائقية، من بينها «رحلة المشتى» 1996، الذي تابع فيه بعثة أثرية ألمانية قامت باقتطاع واجهة قصر المشتى عام 1912، ونقلتها إلى مُتحف برلين.
ويرصد الباحث في الفصل الثالث أفلاماً متعددة لاثني عشر مخرجاً، من بينها «حكاية شرقية» لنجدة أنزور التي تروي قصة صحافي مغترب عن واقعه، حيث تنتابه الكوابيس بسبب الإحباط الناجم عن سوداوية واقعه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. كما يركز على المخرج فيصل الزعبي الذي عاد من الاتحاد السوفياتي (السابق)، وأنجز فيلماً وثائقياً مهماً، هو «غصّة أو حي في البحر الميت» الذي تناول فيه حياة الروائي الأردني مؤنس الرزاز، وعلاقة المبدع بمحيطة الاجتماعي والسياسي. وفي سياق عودة المواهب، يتوقف المؤلف عند تجربة المخرج محي الدين قندور الذي عاد من أميركا عام 2008، وأنجز فيلم «الشراكسة» الذي يُعدّه النقاد مكتمل العناصر، وينحاز للقيم البدوية والشركسية في آنٍ معاً.
ويقترح المؤلف إعادة الصندوق الأردني للدعم، بوصفه إحدى أذرع الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، ويدعو إلى تهيئة صالات نموذجية تتوزع في أرجاء المملكة لأن العالم يتحدث اليوم بلغة الصورة. ويُشيد الناقد ناجح حسن بجهود الأشخاص والمؤسسات التي تنظِّم الأنشطة والمهرجانات السينمائية، ويشير في هذا الصدد إلى جهود الناقد السينمائي الراحل حسان أبو غنيمة، وعدنان مدانات، وسوسن دروزة، وندى دوماني، وغادة سابا، وشادي النمري، والمخرج حازم البيطار، الذين أثبتوا مقدرة عالية في إدارة وتنظيم المهرجانات السينمائية.
وتتناول بعض فصول هذا الكتاب مهرجانات لأفلام روائية ووثائقية بشقيها الطويل والقصير، من دون أن يهمل أفلام التحريك التي احتضنها الأردن في أحد مهرجاناته التي انتقت 35 فيلماً، وتألق بعضها، مثل فيلمي «هون» و«دخان أكثر» لريم قطامي، و«مفقود» لطارق الريماوي، وقد عدّ البعض هذا المهرجان حدثاً ثقافياً جديداً على خريطة الإبداع المحلية. ويركز الفصل السابع على مهرجان الفيلم الأردني الثاني، والجوائز التي أُسندت إلى بعض الأفلام، مثل «رسالة قيد التسليم» لحمزة ملحم، و«خيانة جسد» لأحمد الفالح، و«لقيط» لرمضان الفيومي. أما مهرجان جرش للثقافة والفنون، فقد ضمّ 6 أسماء، وهم: محمد عليوات، وريم قطامي، ورنيم عابدين، ووداد شفاقوج، ومريم جمعة، وهبة البوريني، الذين رفدوا الأفلام الأردنية بلمسات جديدة من السرد القصصي والتوثيقي.
وقدّمت السينما الأردنية خلال عام 2012 عدداً من الأفلام الطموحة التي تسعى إلى التجديد والابتكار، ومن بينها «لما ضحكت موناليزا» لفادي حدّاد الذي يرصد العلاقة التي تجمع بين فتاة أردنية ووافد مصري، و«الساعة الأخيرة» لرؤى العزاوي الذي يروي معاناة أهالي غزة من الحصار والقصف العشوائي.
ويتناول المؤلف في 3 فصول «الثورة العربية الكبرى»، حيث يوثِّق المخرج عدنان الرمحي لزعماء الثورة من الأمراء الهاشميين، كما ينجز اللبناني فؤاد نعيم فيلماً بالاسم ذاته، ويحقق إحسان رمزي فيلماً ثالثاً عن مؤسس المملكة. وهناك ثلاثية تسجيلية ترصد وقائع الثورة العربية الكبرى من إخراج أصيل منصور ورولاند ماي. أما فيلم «ذيب» الذي توقف عنده المؤلف غير مرة، فقد أنجزه المخرج ناجي أبو نوّار، وفق ذائقته الشخصية التي تميل إلى السينما البسيطة التي تخلو من التكلّف والافتعال، وتحترم عقلية المتلقي، وتنحاز إلى تاريخه ومنظومة قيمه الاجتماعية والأخلاقية. وقد أجرى المؤلف لقاءً طويلاً يسلط فيه الضوء على ثيمة الفيلم، وطريقة معالجته، والمؤثرات التي تركت بصماتها على مُخرج الفيلم.
ويتوقف المؤلف عند 11 مُخرجة أردنية، تناول بعضهن في فصول سابقة، لكنه يعود ليفرد فصولاً خاصة بفيلم «الأفعى» لجلال طعمة، ويتعمق في ثيمة الفيلم وتقنيات المخرج، كما يكرّس فصلين خاصين لفيلمي المخرجة وداد شفاقوج الوثائقيين، وهما «17» الذي تتتبع فيه عدداً من الشابات الأردنيات اللواتي يسعينَ لخوض غمار لعبة كرة القدم، و«آخر راكب» الذي تستقصي فيه أحوال اللاجئين السوريين في مخيّم الزعتري.
وثمة تركيز في أكثر من فصل على الرسوم المتحركة، مثل «زيتونة» لبشرى نيروخ، و«غالية» الذي يُعرّف بمرض السرطان ويُحذِّر منه. كما يُشيد المؤلف بتجربة المخرجة الشابة لور مدانات، ويسلّط الضوء على تقنيتها ورؤيتها الإخراجية، من خلال 3 أفلام، وهي: «صدى الحلم»، و«حققوا السلام» و«هزّ رؤوس».
ويُحلل الناقد ناجح حسن في الفصل الأخير من الكتاب 15 فيلماً روائياً ووثائقياً، من بينها «لسه عايشة» لأسماء بسيسو، و«إن شاء الله استفدت» لمحمود المسّاد، و«ترانزيت» لمعتصم أبو عليم، و«صباح بارد في نوفمبر» لروبرت عبود، و«في الحُب غرابة» لأمين مطالقة، المقتبس عن رواية «الليالي البيضاء» لديستويفسكي، الذي يتناول فيه الوقوع في الحُب من طرف واحد، ومحاولة إسعاد حبيبته التي تعشق غيره.
ورغم السمة الأرشيفية والحس التوثيقي لمجمل الأفلام التي تُنجز في المملكة الأردنية، فإنّ فصول الكتاب تكتظ بالآراء النقدية التي تُشعِر المتلقي بأنه يقرأ دراساتٍ نقدية معمقة تُحلل الأفلام، وتسبر أغوارها، وتكشف ما غمُض منها.