قرار سياسي ـ أمني بفتح الطرقات بـ«التفاهم» مع المحتجين

قوات الأمن تفض معتصمين يقطعون طريقاً في وسط بيروت أمس (إ.ب.أ)
قوات الأمن تفض معتصمين يقطعون طريقاً في وسط بيروت أمس (إ.ب.أ)
TT

قرار سياسي ـ أمني بفتح الطرقات بـ«التفاهم» مع المحتجين

قوات الأمن تفض معتصمين يقطعون طريقاً في وسط بيروت أمس (إ.ب.أ)
قوات الأمن تفض معتصمين يقطعون طريقاً في وسط بيروت أمس (إ.ب.أ)

استمرت المظاهرات في المناطق اللبنانية أمس السبت الذي أطلق عليه المحتجون «سبت الساحات»، في وقت بدا أن قراراً أمنياً - سياسياً حاسماً قد اتُخذ بفتح كافة الطرقات المغلقة، وهو ما تجلّى منذ الصباح في التحركات التي قامت بها القوى الأمنية، لا سيما قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني؛ حيث نجحت في فتح الطرقات في بعض المناطق لكنها تصادمت مع المتظاهرين في مناطق أخرى.
أتى ذلك في وقت استمرت الدعوات إلى التجمع في الساحات في مختلف المناطق وبقي القطاع المصرفي على حاله مع إقفال البنوك على غرار المؤسسات التربوية الرسمية والخاصة والجامعات والمعاهد التي استمرت مقفلة لليوم التاسع على التوالي. ولوحظ أمس أن رئيس الجامعة الأميركية في بيروت ​فضلو خوري​ قال في حديث إذاعي إن «عدداً كبيراً من طلابنا يشاركون في الحراك وموقفنا توحيدي ونقول إننا نؤمن بهذا الشعب ونطلب من الدولة أن تحمي الطلاب والمتظاهرين الذي يعبرون برسالة راقية». وأوضح موقع «النشرة» اللبناني أن رئيس ​الجامعة الأميركية​ فضلو خوري ورئيس ​جامعة القديس يوسف​ في بيروت ​سليم دكاش​ اعتبرا في بيان مشترك أن «ما يعيشه ​لبنان​ حالياً هو صرخة وطنية أصيلة، وهي أكبر حركة احتجاج وطنية موحدة منذ عام 1943، وهي صرخة تعبّر عن عميق معاناة واحتياجات شعبنا ورغبتهم الهائلة في إعادة بناء بلدنا على أسس جديدة».
وأعلنت قيادة الجيش - مديرية التوجيه، في بيان، أن اجتماعاً عُقد في مقر قيادة الجيش، ضمّ إلى قائد الجيش العماد جوزيف عون كلاً من: المديرين العامين للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ولقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، ولأمن الدولة اللواء طوني صليبا، لمناقشة الأوضاع في البلاد في ضوء استمرار المظاهرات وقطع الطرق. ولفت البيان إلى أن «المجتمعين عرضوا في الإجراءات الآيلة إلى تسهيل حرية تنقّل المواطنين على الطرق الحيوية، وحفظ أمن المتظاهرين وسلامتهم».
وفي هذا الإطار، قالت مصادر مطلعة على الاجتماع لـ«الشرق الأوسط» إن قراراً بفتح الطرقات «اتخذ منذ اليوم الأول للاحتجاجات الشعبية لكن مع التشدّد في عدم المواجهة مع المتظاهرين احتراماً لحقهم في التظاهر والتعبير عن رأيهم، وهذا ما كان جلياً في أسلوب التعامل معهم».
ولفتت المصادر إلى أن الاجتماع الأمني بحث في كيفية حماية المتظاهرين مع تأمين تنقل المواطنين وبالتالي ضرورة فتح الطرقات بالتفاوض، وهو ما يتم اعتماده لغاية الآن. وجددت التأكيد على حق الجميع بالتظاهر وتأمين الحماية للمحتجين في الساحات وليس في الطرقات وعبر إقفالها.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن هذه الخطوة جاءت نتيجة اتصالات ومشاورات تولاّها أركان الدولة ومعهم القيادات الأمنية، وخصوصاً قيادة الجيش، على أن يصار إلى فتح الطرقات بالتفاهم مع المعتصمين وعدم الاحتكاك بهم أو استخدام القوة ضدهم، وبالتالي اتباع المرونة لاستيعابهم والتفاوض معهم.
وكان لرئيس الحكومة دور في إعداد خريطة الطريق لإعادة التواصل بين المناطق اللبنانية بالتعاون مع قيادة الجيش التي جدّدت تأكيدها بتوفير الحماية للمتظاهرين وحقهم في التعبير شرط عدم إلحاق الضرر بالأملاك العامة والخاصة.
وبناء على هذا الاتفاق الذي وُضعت خطوطه العريضة في اللقاء المسائي الذي عُقد ليل أول من أمس بين الرئيسين عون والحريري اللذين تواصلا مع العماد جوزف عون الذي تولى شخصياً الإشراف على فتح الطرقات، قامت فروع المخابرات في بيروت وسائر المناطق بالتواصل مع المعتصمين وفي حال موافقتهم على فتح الطرق التي يقفلونها تُسارع وحدات الجيش إلى التمركز وتقوم بإزالة العوائق ورفع الدشم والسواتر الترابية.
ويعود للمجموعات التي تُخلي الطرقات أن تبقى على جنباتها أو في الساحات العامة. وقد تلقّى المحتجون تطمينات بعدم اللجوء إلى القوة في حال تعذّر فتح الطرقات؛ خصوصاً أن لا نية لدى قيادة الجيش في استخدام القوة، وهي تلتقي مع توجّه الرئيس الحريري الذي لا يزال يصر على أن الحل يجب أن يكون سياسيا، لأن المشكلة سياسية وليست أمنية.
ومع بدء تنفيذ هذا القرار سجّلت مواجهات محدودة بين القوى الأمنية في بعض المناطق، ولا سيما في وسط بيروت ومنطقة الشفروليه، حيث عاد الجيش وانسحب، فيما سلك القرار طريقه بشكل سلمي في مناطق أخرى، أهمها في الشمال.
وبينما نجحت قوى الأمن الداخلي في فتح طريق وسط بيروت في اتجاه واحد، عمد المتظاهرون إلى افتراش الأرض تحت ما يسمى «جسر الرينغ»، في ظل وجود للقوى الأمنية التي تعمل على فتح الطريق في اتجاه واحد على الأقل.
وبقيت الطريق الدولية في منطقة عاليه، في الشوف، على حالها من الإقفال، فيما فتحت طرقات في الشمال وتحديداً في منطقة حلبا. وقالت «الوكالة الوطنية للإعلام» إن معظم الطرقات من حلبا إلى العبدة باتت مفتوحة في الاتجاهين بعدما أعيد فتح الطريق عند مفترق بلدة وادي الجاموس، كما فتحت الطريق عند مفرق بلدة الحصنية. وبمبادرة من ناشطي «الحراك الشعبي» في ساحة العبدة، فتحت الطريق جزئياً وعلى مسرب واحد من الأوتوستراد في الاتجاهين. وبذلك أصبحت كل الطرقات في عكار مفتوحة، مع الإبقاء على ساحتي الاعتصام في العبدة وحلبا.
وفي منطقة العقيبة شمال بيروت رفض المتظاهرون التحاور مع الجيش لمحاولة فتح الطريق وأصرّوا على الاستمرار في اعتصامهم بشكل سلمي، ما أدى بالقوى الأمنية إلى مغادرة المنطقة.
وفي البقاع الغربي، فتحت أجزاء ومنافذ من الطرقات. وذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» أن بعض الطرقات التي تربط قرى قضاء راشيا بالبقاعين الغربي والأوسط بقيت مقطعة الأوصال؛ خصوصاً في مراكز تجمع المعتصمين عند دوار ضهر الأحمر، مثلث جب جنين، كامد وغزة وعند نقطة المصنع التي تربط راشيا بالبقاع الأوسط، الأمر الذي فرض إيقاعه على حركة المواطنين التي بدت خفيفة جداً منذ ساعات الصباح، في وقت يسلك فيه المواطنون طرقاً فرعية في تنقلاتهم وسط صعوبة في حركة الانتقال عبر هذه الطرق التي لا تتلاءم مع حركة الآليات الكبيرة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.