كيف بدأ جنود مشاة البحرية الأميركيون بالعراق في التساقط؟

ضابط من «المارينز»: كنا نظن أننا الجيش الوحيد الذي لا يُقهر

كيف بدأ جنود مشاة البحرية الأميركيون بالعراق في التساقط؟
TT

كيف بدأ جنود مشاة البحرية الأميركيون بالعراق في التساقط؟

كيف بدأ جنود مشاة البحرية الأميركيون بالعراق في التساقط؟

كنا نتقافز جميعاً لتفادي الرصاصات والشظايا الناجمة عنها كما لو كنا حديثي عهد بالقتال، وكنا نثني الركب ونفصل الأفخاذ في كوميديا ساخرة، وكنا نتقي الطلقات بالسترات الواقية من الرصاص مع اندفاع مزيد من شظايا المعادن الحارقة بجانب أجسادنا. كانت أغلب الطلقات الموجهة ضد قاعدة العمليات الأمامية الخاصة بنا تذهب أدراج الرياح. كان من يطلقون النار علينا يحتاجون إلى مزيد من الحظ حتى يتمكنوا بطريقتهم تلك من إصابة رجل واحد منا. فلقد كانت الرصاصات تأتي من بنادق تحملها أيادٍ غير مدربة أو مجموعة من الهواة لأولئك الآباء والأبناء والأشقاء الذين أجبرتهم ظروف حياتهم البائسة على خوض تلك الحرب التعسة أو الذين ربما يؤمنون ببعض أفكار الواجب الجهادي مما يتلقونه في مدارسهم أو مساجدهم، تلك التي لا يشفعها أي تدريب عسكري حقيقي لأي جنود محترفين على الإطلاق.
كان ذلك ما يميز أول أيام خدمتنا في الكتيبة الثانية التابعة للانتشار الثالث لقوات مشاة البحرية الأميركية في العراق اعتباراً من عام 2006. كنا غير عابئين إلى حد كبير بالجوهر الحقيقي للحرب وأوزارها. كانت عبوات الطرق الناسفة تخلف آثارها الشنيعة على أجساد بعض رفاقنا. وكانت ارتجاجات الرأس التي تتركها القنابل اليدوية تثير نوازع المزاح فيما بيننا. كما كانت الشظايا التي تسارعت مندفعة عبر أنسجة أجسادنا من مصادر السخرية اللاذعة لدى بعضنا. وتعرض الجندي غابرييل أودوم من مشاة البحرية إلى رصاصة عبرت يده اليمنى ثم استقرت في رئته اليسرى على بُعد بضعة سنتيمترات قليلة من الموضع القاتل. كنا نظن أننا الجيش الوحيد الذي لا يُقهر. غير أن إصابات المعارك كانت فعلاً خطيرة، ولكن الجميع - إلا القليل - كانوا يعودون إلى الوطن بمختلف أنواع الكدمات والندوب والحروق التي تجعلهم من مشاهير برامج جمعية المقاتلين القدماء في الحروب الخارجية في الولايات المتحدة.
لكن، وبعد أسبوعين من انتشار وحدتنا، تغير كل شيء إلى الأبد. فلقد وردت الأنباء عن وجود قناص محترف في الأجواء المحيطة بمعسكرنا الواقع في مدينة «حديثة» في محافظة الأنبار بغرب العراق. ولم يعد جنود مشاة البحرية يتعرضون للإصابات بمختلف أنواعها، بل كانوا يسقطون صرعى من فورهم، بمجرد سماع أزيز انطلاق رصاصات بندقية القناص المحترف. وذاعت الإشاعات بين مختلف الجنود أن القناص من جنسية أوروبية غير معروفة، من المرتزقة الذين يتلقون المكافآت السخية عن مقتل كل جندي من جنود جيش الولايات المتحدة. وشرعت طاحونة الإشاعات في العمل عن قناص ألماني مخضرم وخبير يعمل في الأجواء حولنا.
يبدو أننا سقطنا ضحايا كثير من الأفلام الحربية المتقنة، حيث بدأنا في تكوين أقاصيص أبعد ما تكون عن الواقع، وأن هناك مرتزقاً من قوات النازي، بعينين زرقاوين باردتين، ذلك الذي يستهدف رجالنا في هدوء عجيب، بأكثر من كونه قناصاً عراقياً فقيراً، بإصبع نحيف، يلمس زناد بندقيته في ثبات لا يشوبه الارتباك قط. وبصرف النظر تماماً عن هوية الشيطان الذي كان يطلق علينا النار، فهو لم يكن من الفئة التي تخطئ هدفها أبداً، ولم يكن من حفنة هواة الإرهاب الذين كانوا يمطرون معسكرنا بوابل من الرصاصات الآلية التي كانت تذهب سدى. كانت أصابعه تدرك تماماً ما تفعله، وكان يضبط مقاييس الرياح والهبوط والارتفاع بحنكة خبير، ثم يقوم بتعديل منظار بندقيته للتصويب الفعال على الهدف المقصود. ثم بدأ جنود مشاة البحرية من سرايا «فوكس» و«إيكو» في التساقط، غير أن أول الصرعى كان جندياً زميلاً لنا في سرية «غولف» من الكتيبة الثانية.
كان الجندي كريستوفر ريفيير قد تسلم لتوه مناوبة الخدمة في المركز 2، ليبدأ ساعات الخدمة التي تمتد بين 4 و6 ساعات كاملة منفرداً داخل صندوق خشبي لا يتجاوز حجمه حجم خزانة الملابس. وبدأ التحقق بالاتصال الداخلي بدءاً من المركز 1، جندياً بعد الآخر، لإبلاغ الرقيب المسؤول أننا مستيقظون في مواقعنا، ولا نزال على قيد الحياة. وتابع الجندي ريفيير التحقق من وراء الزجاج السميك. ارتد صوت طلقة لبندقية عبر المباني ذات الطلاء الداكن التي تشكل بلدة الحقلانية المطلة على نهر الفرات في الأنبار، لكن أغلبنا لم يعِرها الاهتمام الذي تستحقه وقتها. فلقد كانت البلدة تعزف يومياً سيمفونية غاضبة من تبادل طلقات الرصاص بين الأسلحة الآلية الأميركية والروسية.
كانت مراكز المراقبة المتقدمة في قواعد العمليات الأمامية تتكون من وحدات من الخشب الرقائقي مقاس 2 × 4 بوصات. وهناك صفوف من الأكياس البلاستيكية الخضراء المعبأة بالرمال الصفراء تتراص على السطح الخارجي وعلى السقف في كل مركز من مراكز المراقبة، وكانت ألوانها الخضراء الزاهية مثار سخريتنا ومزاحنا المستمر. كان الزجاج المقاوم للرصاص يتيح لنا استشراف قطاعات إطلاق النار لكل جندي من جنودنا، مع المنافذ الصغيرة في الزجاج التي تسمح بخروج فوهة البندقية وإطلاق النار. ولكن كانت هناك أيضاً بعض الفجوات غير المقصودة في الخشب الرقائقي، ربما بسبب التصميم حيث كان المركز عريضاً في حين كان الزجاج محدود المساحة. كانت هناك فجوة بمقاس بوصتين في مركز مراقبة الجندي ريفيير، وهي فجوة صغيرة بدت غير ذات أهمية أو اعتبار، ولكنها ذات مساحة كافية تسمح بمرور الهواء النقي إلى داخل المركز.
مرقت طلقة واحدة من القناص عبر نافذة أو سطح منزل لم نتمكن أبداً من العثور عليه أو تحديد مكانه رغم دوريات التفتيش اللاحقة التي مسحت البلدة رأساً على عقب في محال الجزارين والحرفيين، وبيوت الرجال والنساء والأطفال، وربما على رؤوس جنود مشاة البحرية أنفسهم بحثاً عن هذه النافذة أو ذلك السطح من دون جدوى. طارت الرصاصة بالقرب من قاعدة العمليات الأمامية، وبسرعة أقرب إلى مركز المراقبة الذي يحتله جندي مشاة البحرية. وعثرت الرصاصة في طريقها على تلك الفجوة ذات البوصتين التي كانت لا تسمح في المعتاد إلا بدخول الهواء النقي لمن بالداخل.
كان الجندي ريفيير يقف وراء الجدار الواقي، مرتدياً شدته القتالية بالكامل مع معدات الوقاية الشخصية الخاصة به. وكانت خوذته مثبتة على رأسه تماماً، كما كانت نظارته الباليستية تتخذ مكانها على أنفه. وكانت يداه تغطيهما قفازات القتال المقاومة للحريق، التي تقي يديه ولكنها ليست سميكة بدرجة تعيق العمل والقتال. وكانت سترته الواقية في مكانها الصحيح لحماية جسده الصغير، إذ كان جسد الجندي ريفيير لا يتجاوز في حجمه جسد صبي نحيف في سن المراهقة. كانت السترة الواقية في مكانها لتحمي أعضاءه الحيوية، إذ كان الجندي ينفذ التعليمات بشكل صحيح، بيد أن الرصاصة الغادرة لم تعبأ بذلك في شيء.
فلقد عثرت لنفسها على منفذ صغير في الزجاج الواقي لتمر من خلاله، ثم تجاوزت السترة الواقية منزلقة فوق الدرع المنقذ للحياة وهو المصمم فقط لإيقاف رصاصات المسدسات العادية. نفذت الرصاصة عبر تجويف صدر الجندي ريفيير من الجانب العلوي الأيمن، واندفعت خلال عدد من أعضائه الحيوية، ثم غادرت جيده من الخلف عند الجانب السفلي الأيسر، فسقط الرجل تماماً حيث كان واقفاً.
سمع العريف كريس ماوزي، رقيب نوبة الحراسة في تلك المناوبة، صوت تلك الرصاصة، ثم أمر بالتحقق الراديوي على الفور. استجاب المركز 1، وانتظر الجميع استجابة الجندي ريفيير من المركز 2، ثم واصل مشاة البحرية الانتظار بفارغ الصبر استجابة زميلهم في حالة من الصمت الساخط المجنون، وبعدها أدرك الجميع ما حل بزميلهم.
* «نيويورك تايمز»



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.