كيف حوّل غوارديولا رحيم ستيرلينغ إلى نسخة جديدة من روماريو؟

انضم النجم الإنجليزي رحيم ستيرلينغ إلى مانشستر سيتي قبل عام واحد من رحيل المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا عن بايرن ميونيخ الألماني، في يوليو (تموز) 2015، في صفقة قياسية بلغت قيمتها 50 مليون جنيه إسترليني، كأغلى لاعب إنجليزي في التاريخ في ذلك الوقت. وبعد موسم أول باهت مع سيتي، انضم ستيرلينغ إلى قائمة المنتخب الإنجليزي في بطولة كأس الأمم الأوروبية 2016، والتي شهدت أداء كارثيا، ليودع الفريق البطولة من دور الستة عشر بعد الخسارة أمام آيسلندا.
وبعد هذه السنة الأولى المخيبة للآمال، تعاقد مانشستر سيتي في الصيف التالي مع غوارديولا. وكان مدير الكرة بمانشستر سيتي، تكسيكي بيغيريستين، قد تعاقد مع ستيرلينغ خصيصا تحسبا لقدوم غوارديولا.
وقال بيغيريستين عن ستيرلينغ: «إنه لاعب رائع وقادر على التخلص من الرقابة. إنه مذهل ولديه طاقة هائلة، كما أنه يمتاز بالسرعة الشديدة التي تُمكنه في مركز الجناح من الوصول إلى مرمى الفرق المنافسة. وحتى في ذلك الوقت، كان من الواضح أيضاً أنه كان لاعبا يحب الدخول إلى عمق الملعب».
وفي الحقيقة، كان بيغيريستين محقا تماما في هذه التصريحات؛ حيث أصبح ستيرلينغ - تحت قيادة غوارديولا وفريقه المعاون - لاعباً من طراز عالمي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وفي أول موسم له تحت قيادة المدير الفني التشيلي مانويل بيليغريني، لم يسجل ستيرلينغ سوى ستة أهداف، كما فقد مكانه في التشكيلة الأساسية للفريق مع بداية النصف الثاني من الموسم.
وقال الإسباني ميكيل أرتيتا (مساعد غوارديولا حاليا)، الذي كان لا يزال لاعبا في آرسنال في ذلك الوقت: «القيمة الضخمة للصفقة كان لها تأثير سلبي كبير على ثقة ستيرلينغ في نفسه، وهو شيء مهم للغاية لأي لاعب. ونظرا لأن الأمور لم تكن على ما يرام بالنسبة لرحيم، فقد كان يعاني بشدة وبدا الأمر وكأنه لن يقدم الأداء المتوقع مع مانشستر سيتي». وفي العام التالي، انضم أرتيتا ودومينيك تورينت إلى الطاقم الفني المساعد لغوارديولا في مانشستر سيتي، وبدأ يعمل عن قرب مع ستيرلينغ.
يقول أرتيتا: «كنا نريد منه أن يكون أكثر قربا من منطقة الجزاء. لقد كان الأمر يبدو وكأنه يخاف من الاقتراب من المرمى. أردنا أن يصبح لاعبا قادرا على تسجيل هدف في كل مباراة، أو أن يهدر حتى فرصتين أو ثلاث فرص في كل مباراة. لقد كنا نريد أن نساعده على أن يكون أكثر خطورة على مرمى الفريق المنافس، وأن يكسر الخوف الذي يشعر به. لقد كان بحاجة إلى أن يشعر بالثقة في قدراته، وأن يؤمن بأنه يمكن أن يكون الأفضل».
وسرعان ما بدأت بصمة غوارديولا وفريقه المساعد تظهر على أداء الفريق. وفجأة تحول أداء ستيرلينغ بشكل لافت للأنظار؛ حيث أصبح يركض أكثر من ذي قبل. ومع بداية الموسم الثاني لغوارديولا مع الفريق، شكل ستيرلينغ واحدا من أقوى خطوط الهجوم في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز، مع الألماني ليروي ساني والأرجنتيني سيرجيو أغويرو، وسجلوا معا 67 هدفا من إجمالي عدد الأهداف التي سجلها الفريق في ذلك الموسم والذي وصل إلى 140 هدفا.
في البداية، كان يتعين على الطاقم الفني لمانشستر سيتي أن يؤهل ستيرلينغ للقيام بدوره الجديد على الجانب الأيمن للملعب. وقال أرتيتا عن ذلك: «لقد كان معتادا على القيام ببعض الأمور السيئة، فقد كان يلعب كثيرا في عمق الملعب أو ناحية اليسار. لكن عندما تنتقل لكي تلعب على الناحية اليمنى فإن اتجاه اللاعب وطريقة تحكمه في الكرة تختلف تماما. وعندما كانت الكرة تصل إليه كان يحدق فيها بشكل غريب، بدلا من التحكم الغريزي في الكرة بلمسة واحدة ورؤية ما يحيط به».
لقد كان ستيرلينغ يتصرف بطريقة محفوظة وثابتة عندما يستلم الكرة، وبالتالي كان حل غوارديولا لهذه المشكلة هي تحويله إلى نسخة من المهاجم البرازيلي الشهير روماريو، الذي لعب إلى جوار غوارديولا في برشلونة، وقاد منتخب البرازيل للفوز بلقب كأس العالم عام 1994.
وقال غوارديولا عن ذلك: «في عصر فريق الأحلام هذا في برشلونة، عندما كنت أرى روماريو يقف وظهره للمدافعين لم أكن أمرر له الكرة مطلقا. لكن في اللحظة التي كنت أراه يقف بجانبهم ويغير اتجاه كتفه كما لو كان يريد الكرة على قدمه اليمنى أو اليسرى، كنت أعلم أنه يريد أن يهرب من الرقابة في هذه المساحة أو تلك، وفي هذه الحالة كنت أمرر له الكرة على الفور في كل مرة يقف فيها بهذه الطريقة. لقد أدركت أن رؤيته تعني أنه كان ينظر بإحدى عينيه إلى المسافة بينه وبين مرمى الفريق المنافس، في حين ينظر بالعين الأخرى إلى المكان الذي تأتي منه الكرة. وإذا وقف روماريو بالطريقة التي أتحدث عنها ومررت له الكرة، فإن هذا يعني هروبه من الرقابة على الفور».
وقد كانت هذه الاستراتيجية هي مفتاح النجاح بالنسبة لستيرلينغ. ويشبه فريق التحليل الفني بنادي مانشستر سيتي توهج ستيرلينغ بما حدث مع ليونيل ميسي مع نادي برشلونة. فعلى الرغم من أن المهاجم الأرجنتيني ليس سريعا بدرجة رهيبة في المسافات الطويلة، فإن تحركاته وشعوره البديهي بالوقت الذي يتعين عليه التحرك فيه يجعل المدافعين عاجزين عن قطع الكرة منه. ومن هنا، بدأت رحلة تغيير طريقة لعب ستيرلينغ لكي تشبه الطريقة التي كان يلعب بها روماريو.
وكانت الخطة الرئيسية تتمثل في أن يتراجع ستيرلينغ قليلا إلى الخلف لكي يهرب من الرقابة اللصيقة، أو يكون بعيدا عن لاعبي الفريق المنافس، عندما يستلم الكرة، ثم يبدأ بعد ذلك في الاتجاه نحو المرمى. وعندما يكون ستيرلينغ في هذا الوضع، يمكنه استغلال سرعته الفائقة للاتجاه إلى منطقة الخطورة بالقرب من المرمى. يقول أرتيتا: «إذا وجد ستيرلينغ مساحة على بُعد نحو ثلاثة أمتار من مدافعي الفريق المنافس وكان قادرا على التوجه إلى المرمى فإن سرعته ستمكنه من الوصول إلى الأماكن التي يستطيع من خلالها التسديد على المرمى، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى مشكلات كبيرة للغاية للفريق المنافس. ومن الناحية التكتيكية أيضا، فإن تراجع ستيرلينغ إلى الخلف قليلا يجعل المدافع الذي يراقبه يذهب إلى مكان لا يريد أن يوجد به، وهو ما يؤدي إلى خلخلة دفاعات الفريق المنافس. ويؤدي ذلك إلى أن تكون هناك مساحة كبيرة خلف المدافع، وهو ما يعني أنه يمكن لستيرلينغ أن ينطلق في هذه المساحة. وعندما ينطلق ستيرلينغ بالقرب من منطقة الجزاء أو داخلها فإن ذلك يجعل المدافعين يترددون كثيرا في التدخل بقوة خشية من احتساب الأخطاء ضدهم».
ويعتمد أرتيتا على الحقائق في تقييمه لستيرلينغ، فعلى سبيل المثال نجح اللاعب في إظهار كل هذه الأمور في المباراة التي فاز فيها مانشستر سيتي على فيينورد الهولندي بهدف دون رد في دوري أبطال أوروبا في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2017؛ حيث تراجع ستيرلينغ قليلا بالقرب من منطقة الجزاء وسحب المدافع الذي يراقبه، ريناتو تابيا، معه، ورغم أن ظهره كان للمرمى فقد تمكن من الحصول على الكرة ثم مررها بسرعة إلى غوندوغان. وفي اللحظة التي مرر فيها الكرة، قام بالدوران وانطلق بسرعة فائقة في المساحة التي تركها تابيا خلفه. وقد فهم غوندوغان هذا التحرك ببراعة ومرر له الكرة مرة أخرى في هذه المساحة الخالية، ليصبح ستيرلينغ في مواجهة حارس المرمى ويضع الكرة بسهولة من فوقه محرزا هدف الفوز لمانشستر سيتي.
لقد لعب ستيرلينغ كثيرا في مركز الجناح الأيسر في موسم 2018 – 1919، على الرغم من أن غوارديولا كان يغير مركزه كثيرا. وشكل ستيرلينغ ثنائيا مرعبا مع البرتغالي برناردو سيلفا، وهو الأمر الذي جاء على حساب ساني الذي فقد مكانه في التشكيلة الأساسية للفريق في الكثير من المباريات. وذهبت جائزة أفضل لاعب شاب في الدوري الإنجليزي الممتاز من ساني في عام 2018 إلى ستيرلينغ في 2019، بعد أنهى اللاعب الإنجليزي الموسم محرزا 25 هدفا وصانعا لـ18 هدفا في 51 مباراة. وبحلول نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، كان مانشستر سيتي قد شاهد ما يكفي لكي يجعله يمدد عقد ستيرلينغ حتى موسم 2022 - 2023.
ومع ذلك، لا يزال غوارديولا يرى أنه يمكن لستيرلينغ أن يصبح أفضل من ذلك. ورغم أن ستيرلينغ سجل ثلاثة أهداف في مرمى واتفورد في التاسع من مارس (آذار) 2019، فإن غوارديولا انتقده وقال بعد المباراة: «ستيرلينغ كان يمكنه أن يقدم أداء أفضل، فلم يتعاون مع الظهير الذي يلعب خلفه مرتين، كما فقد الكرة ثلاث أو أربع مرات، وهو الأمر الذي كان يجب تجنبه لأن ذلك يؤدي إلى شن هجمات مرتدة ضدنا. أنا سعيد للغاية بما قدمه؛ حيث سجل ثلاثة أهداف. لكن رحيم لم يظهر بالشكل الذي نعرفه في الشوط الأول، وسنعمل على إيجاد حلول لذلك».