محمد عمر عثمان كتب مجموعة شعرية واحدة عن الخريف... وانتحر

الشاعر الكردي «عاش قصة موت مؤجلة»

محمد عثمان
محمد عثمان
TT

محمد عمر عثمان كتب مجموعة شعرية واحدة عن الخريف... وانتحر

محمد عثمان
محمد عثمان

اختار الشاعر الكُردي محمد عمر عثمان نهاية لحياته، أرادها منذ أكثر من ثلاثين عاماً، لكن بقيت مؤجلة إلى 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2019؛ لقد شنق نفسه في بيته الكائن في منطقة دَرغَزين بمدنية السليمانية في إقليم كُردستان العراق، ولم يترك وراءه سوى مجموعة شعرية واحدة بعنوان «في الغربة»، طُبِعت أواسط ثمانينات القرن الماضي. يقال في الأوسط الثقافية والأدبية الكردية إن الشاعر، الذي وُلد عام 1957 في المدينة ذاتها، «عاش قصة موت مؤجلة»، ذاك أنه أحاط نفسه بفكرة الانتحار في جميع النصوص التي كتبها، ناهيك باستشهاده في غالبية حواراته بنبل الشعراء الذين ماتوا انتحاراً. لقد جعل من حوارية الموت بينه وبين نصوصه إطاراً لحياته اليومية، ولم يفارقه خيار الانتحار لوضع حدّ لـ«إمبراطور الخريف»، كما كان يقول.
لقد بقي محمد عمر عثمان أسير الخريف تاركاً الفصول الأخرى خارج البصر والزمن، وكما يبدو من خلال أحاديث ولقاءات صحافية قليلة، كانت ألوان الخريف أكثر جاذبية بالنسبة له، تأثر بها وبقيت إضاءة خافتة في بدايات حياته الفنية. وبقيت هذه الألوان تُذكّره بفترة الدراسة الإعدادية حيث كان يحلم بأن يصبح فناناً تشكيلياً، ذاك أنها أكثر جمالاً بالنسبة له، ليس من ناحية المعاني والدلالات فحسب، بل حتى من الناحية «الفيزيكية». وكان يعتبر الخريف أكثر تنوعاً من الربيع من حيث الألوان، إنما، ورغم كثرة وجمال ألوانه، لم يجسد في نصوصه سوى العزلة والبؤس.
لكن فن الرسم لم يتطور عنده ويصبح أداة للتعبير الفني، ذاك أنه كان «قليل التحمل» كما يقول، والرسم يحتاج إلى الصبر. «لقد تركتُ الرسم لأنني قليل الصبر، بينما احتاج الشعر مني صبراً أكثر مما كنت أتصوره، كنت أمزق الأوراق وأعيد كتابة النصوص أكثر من الوقت الذي كان من المفترض أن أقضيه في الرسم».
وفي هذه اللحظة المفصلية بين الرسم والشعر، فشل الشاعر في امتحان الحب أيضاً، ولم تبقَ أمامه سوى الكلمة، لكن بقي لاجئاً في فصل الخريف.
لا تطلب مني قصيدة خضراء
الربيع بريء من عمري
انظر إلى الشيب في شعري
إنه دفتر بؤس فقط
يظن كثير أن الشاعر كان يعاني من الأزمات المالية والفقر، الأمر الذي دفعه للانتحار وإنهاء حياته في غرفة ترك فيها عدداً من الكتب وطاولة صغيرة للكتابة. وقد كتب كثير من بين الكتاب الكُرد عن أسباب انتحار محمد عمر عثمان متهمين الآخرين وأصدقاءه والمؤسسات الثقافية، إنما كان لإمبراطور الخريف أسباب أخرى تقف وراء أقدامه على الانتحار، مثل قناعاته الوجودية المتمثلة ببؤس الإنسان وقدره السيزيفي.
ويمكن ملاحظة ذلك في حوارات صحافية قليلة أجرتها معه وسائل الإعلام الكُردية، فضلاً عن الموقف السياسي من الأحداث والتراجيديات الإنسانية الناتجة عنها، ولكن لم يتطرق أحد إلى هذا الجانب، وذلك بسبب صمته وعدم إعلان غضبه عما يحصل من الآلام بسبب السياسة.
في حوار أجراه معه الصحافي راسان مختار يعود تاريخه إلى عام 2001، يعلن محمد عمر عثمان عن جانب مهم من موقفه الأخلاقي والسياسي مما حدث في كُردستان والعراق، ناهيك بقضايا الإنسان الكونية بشكل عام. أولاً شكلت هزيمة الثورة الكُردية عام 1975 جزءاً من وعيه السياسي، أي أنه وعى السياسة من خلال تلك الأوجاع التي تركتها الهزيمة في وعي الإنسان الكُردي، وهي المرحلة التي بدأ فيها الشاعر بخوض الكتابة الشعرية.
ويشير في الحوار إلى صديق له في الفترة ذاتها استعار لقب «النكسة» له، وكان يكتب أشعاره تحت هذا الاسم. ثانياً، كان للحرب العراقية - الإيرانية المدمرة، التي تلتها سلسلة حروب أخرى في العراق، تأثير كبير عن كل ما كتبه الشاعر، علاوة على حروب أخرى في المنطقة مثل الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان.
وتنقل الشاعر أثناء الحرب العراقية - الإيرانية بين بغداد والبصرة ومدن عراقية أخرى كبائع متجول للسكائر وأشياء أخرى، لكنه سرعان ما يعود لمدينته، السليمانية، لممارسة شاعريته دون الكتابة، ذاك أنه، باستثناء مجموعة شعرية واحدة وبعض نصوص متفرقة هنا وهناك، لم ينشر أي كتاب شعري آخر.
وما يلفت الانتباه في موته المأساوي، وفي صمت مطلق، هو تزامنه مع مأساة إنسانية كبيرة بسبب الاحتلال التركي شرق الفرات في سوريا، حيث أدى إلى تشريد وقتل مئات الآلاف من المدنيين، ناهيك بالتنكيل بأجساد ضحايا هذه الحرب القذرة التي أعلنتها تركيا على الكُرد في سوريا. لم يقل الشاعر كلمة واحدة عما حصل ويحصل يومياً، إنما يمكن ربط الشكل الذي اختاره لموته بموقف الشاعر اللبناني خليل الحاوي حيث انتحر احتجاجاً على الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان.
وقد أهدى عثمان قصيدة كتبها أواسط ثمانينات القرن الماضي إلى الشاعر اللبناني الذي انتحر أيضاً، عازياً ذلك في سياق الحوار المذكور إلى أن خليل الحاوي لم يستطع غسل عار الاحتلال من على جبينه، فانتحر. هل مشي خريف الإمبراطور على خطى خليل الحاوي كي يغسل عار الصمت عما ارتكبت من المجازر بحق الكُرد، في شرق الفرات بسوريا من قبل تركيا؟
مقاطع من القصائد المنشورة في مجموعة (في الغربة).
(1)
أواه، كم أميل لبكاء
يذوب فيه قلبي وكبدي
وحيد، وحيد أنا
لا أحد يفتح ذراعيه لآلامي
(2)
هرباً من عزلة ليلة الأمس
رحت لاحتضن كلباً حزيناً
عيناه، كانتا مثل ورق الخريف
تركني هو أيضاً
اللعنة على الحظ الأسود
(3)
خريف عمري
أريده غيمة في عيون السماء
بكاء أبدي
رقصة في الاحتراق.
- صحافي وكاتب كردي عراقي



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.