وزير الدفاع الأميركي: تركيا تسير في الاتجاه الخاطئ بشأن سوريا

وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر يتحدث في بروكسل (إ.ب.أ)
وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر يتحدث في بروكسل (إ.ب.أ)
TT

وزير الدفاع الأميركي: تركيا تسير في الاتجاه الخاطئ بشأن سوريا

وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر يتحدث في بروكسل (إ.ب.أ)
وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر يتحدث في بروكسل (إ.ب.أ)

حذّر وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر اليوم (الخميس) من أن تركيا «تسير في الاتجاه الخاطئ» من خلال توغلها العسكري في سوريا واتفاقها مع روسيا على تسيير دوريات مشتركة في «منطقة آمنة» هناك.
وقال إسبر خلال مؤتمر صحافي في بروكسل قبيل اجتماع لوزراء دفاع حلف شمال الأطلسي إن «تركيا تضعنا جميعاً في وضع رهيب» عبر عمليتها العسكرية في سوريا هذا الشهر لمواجهة القوات الكردية التي تحالفت مع الولايات المتحدة في الحرب على تنظيم «داعش». وأضاف: «أعتقد أنه لا مبرر للتوغل» التركي في سوريا. وأكد أنه يقع على عاتق الحلف الأطلسي حالياً «العمل معاً لتعزيز شراكتنا معهم وإعادتهم إلى الاتجاه (الصحيح) ليعودوا حليف الماضي القوي والذي يمكن الاعتماد عليه».
ويتوقع أن تهيمن مسألة العملية العسكرية التركية في سوريا على اجتماع الحلف الأطلسي الذي سيستمر يومين في وقت قال دبلوماسيون في المنظمة إنهم أجروا محادثات «صريحة» مع ممثلي أنقرة.
وأثار اتفاق مع روسيا أعقب العملية لإبعاد القوات الكردية التي تعتبرها أنقرة فصائل «إرهابية» على صلة بحزب العمال الكردستاني عن أراضيها القلق كذلك.
لكن رغم عزلتها داخل الحلف الأطلسي، يرتدي موقع تركيا الاستراتيجي بين أوروبا والشرق الأوسط أهمية كبيرة، وهو ما دفع بقية أعضاء الحلف للاكتفاء بتوجيه انتقادات لأنقرة.
ودافع بدوره عن قرار الولايات المتحدة سحب القوات الأميركية من شمال سوريا، ما ترك المجال مفتوحاً لتركيا لتنفيذ عمليتها. وقال إن «القرار الأميركي بسحب أقل من 50 جندياً من منطقة الهجوم اتُّخذ بعدما بات جلياً بالنسبة لنا أن الرئيس (التركي رجب طيب) إردوغان قرر (تنفيذ العملية) عبر الحدود». وأضاف: «لم أكن لأضع أقل من 50 جندياً أميركياً وسط جيش تركي يضم أكثر من 15 ألف عنصر مسبوقين بميليشيا تركية وأعرّض حياة هؤلاء الجنود للخطر». وأكد كذلك أنه ما كان ليبدأ «معركة مع حليف في الحلف الأطلسي».
وأقر الوزير الأميركي بـ«وجود بعض الانتقادات» للانسحاب الأميركي، لكنه أشار إلى أن أحداً «لم يعرض بعد بديلاً أفضل لما قامت به الولايات المتحدة. نحاول الحفاظ على آفاق استراتيجية للغاية».
وخلال جلسة الأسئلة والأجوبة التي نظمها مركز أبحاث «صندوق مارشال الألماني»، شدد إسبر على التهديدات الروسية والإيرانية والصينية خصوصاً. وقال: «على الحلفاء في الحلف الأطلسي أن يوجهوا أنظارهم شرقاً» إلى الصين، مشيراً إلى أن هيمنة بكين السياسية والعسكرية والاقتصادية باتت تتجاوز آسيا لتصل إلى أوروبا عبر مشروعها الضخم المتعلق بالبنى التحتية «حزام وطريق».
وحذّر من أن لجوء أعضاء الحلف الأطلسي لمجموعة هواوي الصينية لتأسيس شبكات اتصالات الجيل الخامس من الإنترنت فائقة السرعة سيشكل تهديداً على مشاركة المعلومات الاستخباراتية ضمن الحلف. وقال: «سأقدم نصيحة لحلفائنا إذا اخترتم هواوي لتشغيل (الشبكات) فسيؤثر ذلك على قدرتنا على مشاركة المعلومات الاستخباراتية. لا يمكننا الوثوق بهذه الشبكات»، مضيفاً أن «علينا التعامل مع هذه التهديدات بيقظة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟