أمين مكتبة «إثراء» السعودية: لدينا نصف مليون كتاب.. وتجاوزنا «تقليدية» المكتبات العامة

طارق الخواجي
طارق الخواجي
TT

أمين مكتبة «إثراء» السعودية: لدينا نصف مليون كتاب.. وتجاوزنا «تقليدية» المكتبات العامة

طارق الخواجي
طارق الخواجي

لا يمكن اعتبار طارق الخواجي، أمين مكتبة مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، مجرد أمين مكتبة اعتيادي؛ إذ يمتد دوره لما هو أبعد من المهام التقليدية لإداري في مكتبة ضخمة يقول إنها تضم نصف مليون كتاب، 60 في المائة منها فقط باللغة العربية، وأن «فضاءها الثقافي يتجاوز الفكرة التقليدية في المكتبة العامة».
في هذا الحوار، الذي أجريناه معه في الظهران، يتحدث عن البرنامج الوطني للقراءة (أقرأ)، الذي يعد أحد برامج مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) وهو مبادرة من «أرامكو السعودية»، حيث بدأ التسجيل فيه ليمتد حتى بداية شهر فبراير (شباط) المقبل، ويتناول أيضاً تجربة «سفراء القراءة».
* بداية... حدثنا عن مكتبة «إثراء»، وكم كتاباً تضم؟
- مكتبة «إثراء» مكتبة عامة، مكونة من أربعة طوابق، يختص كل طابق منها بمجموعات معرفية محددة، وبطابق كامل مخصص للطفل، وأربعة معارض رقمية، تعرض تصميم المكتبة، وأماكن تواجد كل مجموعة، والبرامج المقدمة يومياً، وآخر الكتب الجديدة التي ضُمت لمجموعة المكتبة، والكتب الأكثر رواجاً بين الأعضاء والزوار، وتضم مجموعتها نصف مليون كتاب، 60 في المائة منها باللغة العربية، و40 في المائة باللغة الإنجليزية، كما تحتوي على كتب رقمية وصوتية تتجاوز العشرة آلاف مادة، وقاعدة بيانات تضم آلاف الأوراق العلمية والبحثية، كما تضم الكثير من غرف المطالعة والأماكن المخصصة للدراسة، وشاشات البحث الذاتية، وطاولة ذكية للأطفال.
> بِمَ تتميز مكتبة «إثراء» عن غيرها من المكتبات العامة؟
- مكتبة «إثراء» هي مكتبة تنتمي لما يسمى اليوم «مكتبات القرن الواحد والعشرين»؛ إذ يتجاوز فضاؤها الثقافي الفكرة التقليدية في المكتبة العامة، من العلاقة ذات البعد الواحد بين القارئ والكتاب، إلى العلاقة المتعددة الوجوه بين القارئ والكتاب والقارئ الآخر؛ لذا يمكن لعين الزائر أن تلتقط وجود المقهى عند صعوده إلى المكتبة مباشرة، وحيث يتوزع في الدورين الثاني والثالث منها، أندية قراءة محلية وجدت في المكتبة المكان المناسب لعقد اجتماعاتها. كذلك، يحظى أعضاء المكتبة وزوارها بفرصة لقاء الكتاب والمثقفين الذين واللاتي نقوم بفعاليات توقيع لآخر إصداراتهم، وقد حظينا في السنة الماضية بأسماء مميزة من المملكة والخليج والعالم. وتقدم المكتب خدمة نوعية، في الإرشاد القرائي؛ إذ يحظى الزائر بالنقاش مع موظفي المكتبة الذين تدربوا في ورش متعددة، بعضها متخصص في تاريخ أبرز الإبداعات الإنسانية في مجال الأدب والفكر، كما تتميز مكتبة «إثراء» بأنها تقف خلف المسابقة الوطنية للقراءة «أقرأ»، التي أطلقت آخر شهر سبتمبر (أيلول) الماضي دورتها السادسة.
> دورك كأمين مكتبة، بماذا يختلف عن الدور المتعارف عليه لأمين المكتبة؟
- قد تبدو الإجابة هنا كشهادة مجروحة، لكنني أراه تكليفاً وليس تشريفاً أن أحمل لقب أمين مكتبة «إثراء»؛ لأن مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي يحمل على عاتقه مهمة عظيمة في رعاية الإبداع ونشر الثقافة والتواصل الحضاري والثقافي، وكذلك المساهمة في دعم التحول إلى ما يسمى «مجتمع المعرفة»، ولأن المكتبة عنصر رئيسي في «إثراء»، فهي منوطة بتفعيل هذه الرؤية والمهمة الوطنية من خلال الوفاء لتطلعات الزوار والأعضاء؛ لذا يتجاوز دور أمين المكتبة أن يكون إدارياً محضاً، لأن يكون دوراً فاعلاً في النشاطات الثقافية والتواصل مع المجتمع الثقافي والإبداعي، والعناية بأنماط واتجاهات القراءة في المملكة.
> إلام تسعون في مكتبة «إثراء»؟
- نسعى لأن تكون القراءة نشاطاً محورياً في حياة الفرد والأسرة والمجتمع، وأن تكون مصادر المعرفة من خلال القراءة في متناول اليد دون الحضور حتى للمكتبة، من خلال تفعيل منفذ المكتبة الرقمي، ومن خلال مسابقة «اقرأ» والنشاطات التي نقدمها بشكل مستمر في المكتبة في حال زيارته. ونسعى أيضا إلى أن تكون لنا شراكات نوعية مع المكتبات الكبرى المميزة في المملكة، والمؤسسات الثقافية الممتدة على أرجاء الوطن، وأن تستطيع مكتبة «إثراء» الوصول إلى القراء في مناطق المملكة المختلفة مهما بعدت مسافاتها.
> على ضوء انطلاق مسابقة «أقرأ»... هل نجحتم في تشجيع القراءة بين الشبان؟
في الحقيقة أن هدف مسابقة «أقرأ» الأساسي لم يكن هو تشجيع القراءة بين جيل الشباب والشابات بقدر ما هو تسليط الضوء عليهم، وأن نقول: إن لدينا جيلاً قارئاً يتميز بعمق قراءاته وملكته النقدية، وقدرته المميزة على السباحة في بحور المعرفة المختلفة. وعندما انطلقت المسابقة اكتشفنا أنها لم تكن تجربة صانعة للتحول لهؤلاء الشباب والشابات بقدر ما هي تجربة صانعة للتحول لكل القائمين على مسابقة أقرأ.
> وكيف ترى حال الجيل الجديد عموماً مع القراءة؟
- هناك شغف واضح لدى الجيل الجديد لالتهام كل أنواع المحتوى المطروحة على منصات متعددة، رغم انخفاض معدلات الانتباه بشكل ملحوظ، لكن هذا الشغف يبدو واضحاً من خلال استهلاكهم لأشكال مختلفة من المعرفة، والكتاب ليس خارج هذه الملاحظة، ورغم أن كثيراً من مثقفي الأجيال الأقدم منهم، لا يبدون راضين عن محتوى هذه الكتب، فإن القراءة وكونها نشاطاً يتطور في الذائقة والاختيار مع تقدم العمر، فإن ذلك يشفع لهم في استهلاك المحتوى الرائج المؤقت إلى حد بعيد، وأعتقد أن هذا الجيل أسهم كثيراً في ترويج القراءة من خلال مشاركاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، والمدونات، والمراجعات المسجلة على مواقع الكتب المعروفة. إنه جيل متفاعل ولا يكتفي بالاختباء خلف أغلفة الكتب، وهي حالة صحية على كل حال، وربما يكمن التحدي في جودة محتوى هذا التفاعل وهو مرهون بالزمن.
> صناعة المحتوى الثقافي الثري، أمر ليس بالبسيط... ما تقييمك لجهود الشبان السعوديين في ذلك؟
- جهود شباب وشابات المملكة، في صناعة المحتوى اليوم، ملموسة وواضحة، وذلك من خلال الإقبال على منصات التواصل والمدونات الصوتية، وكذلك مشاركاتهم في الفعاليات الثقافية الرائجة اليوم. وخارج حسابات الاستهلاك وتصلب المعرفة في ذواتهم وخطورة السيولة المعرفية اليوم، والاستحقاق إذا صح التعبير، فالمنتج اليوم كبير وعليه طلب واسع، يقابله قدرة مذهلة على التسويق لم تحظَ بها الأوساط الثقافية من قبل.
> «سفراء القراءة» مسمى جديد أطلقتموه، هل تعتقدون أن مسؤولية تحبيب الطلبة في القراءة تقع على عاتق المعلمين؟
- هي ليست مسؤولية بشكل مباشر، لكن أثر المعلم والمعلمة على الطلاب والطالبات، يبدأ من حيث مفهوم القدوة، وقدرتهم على الحركة في النقاشات المنهجية أو غير المنهجية بمدرعة معرفية قادرة على التعامل مع كل حالات الشغف أو عدمه داخل الصف، وقد لمسنا في مسابقة «أقرأ» أثر ذلك، من خلال مشاركين ومشاركات كانت جذوة حماسهم الأولى منطلقة من غرفة الدرس، ومن يد المعلم والمعلمة التي تحمل كتبا غير منهجية بشكل يلفت انتباه الطلاب؛ لذا نؤمن بالدور المحوري للمعلمين والمعلمات في التحفيز والتغيير وكذلك التجهيز، لأن يخوض الطلاب والطالبات مغامراتهم المعرفية من خلال البحث في مصادر المعرفة المختلفة.
من أجل ذلك قررنا في «أقرأ» تفعيل ذلك من خلال «سفراء القراءة» وهم معلمون ومعلمات أخذوا حقاً على عاتقهم فتح أبواب المعرفة لطلابهم وطالباتهم، من خلال أنشطة قرائية مميزة، وفعاليات محفزة لدفع الطلاب نحو الاستكشاف والبحث، وهو دور يستحق أن يسلط الضوء عليه، ويكافأ كذلك.



«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.