العراق: رفض واستهجان لتقرير لجنة التحقيق الحكومية

TT

العراق: رفض واستهجان لتقرير لجنة التحقيق الحكومية

جوبه التقرير الذي أصدرته الحكومة العراقية، أول من أمس، حول الأحداث التي رافقت المظاهرات مطلع الشهر الحالي وأدت إلى مقتل العشرات وإصابة الآلاف، بردود فعل واسعة على المستويين الرسمي والشعبي، تراوحت بين التكذيب والتشكيك والاستهجان والرفض الصريح لما ورد في تقرير لجنة التحقيق الحكومية. ويرى طيف واسع من المراقبين، أن التقرير بصيغته المعلنة يمكن أن يهيئ أسباباً أخرى لموجة جديدة من الغضب الشعبي ضد حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ويساهم في زيادة أعداد المشاركين في مظاهرات الجمعة المقبل؛ نظراً للهفوات العديدة التي وقع فيها.
كانت إشاعات ترددت في اليومين الأخيرين، تشير إلى قيام شخصيات نافذة في الحكومة بتغيير ما ورد من حقائق وأدلة قاطعة حول الانتهاكات التي قامت بها بعض الجهات الأمنية في النسخة الأولى للتقرير واستبدال أخرى بها عادية وعامة وإعلانها للجمهور. وأحصى بعض المراقبين ما لا يقل عن 10 هفوات حقيقة في تقرير الحكومة، منها على سبيل المثال لا الحصر، تنصل القيادة العامة للقوات المسلحة التي يرأسها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي عن تحمل مسؤولية ما حدث وتحميل بعد الضباط مسؤولية إصدار الأوامر، ما اعتبر أنها قيادة غير فعالة وغير قادرة على توجيه الأوامر الصارمة لضباطها.
ولاحظ المراقبون إغفال التقرير لدور فريق القناصين والجهات التي تقف وراءه بعد قيامه بقتل المتظاهرين عن سبق إصرار وترصد، وقد كشف التقرير الحكومي ذاته عن أن 70 في المائة من حالات الوفاة نجمت عن إصابات مباشرة في الرأس والصدر. كذلك لوحظ في التقرير أن الاستنتاجات والنتائج التي خرج بها، لم تتطابق مع تقارير اللجان الفرعية في المحافظات، كما أنه أخطأ في حساب إجمالي عدد الجرحى، إضافة إلى أن التقرير لم يبيّن ما هي الجهات التي قامت بالاعتداء على المحطات التلفزيونية واكتفى بالقول إنهم 5 مسلحين قامت القوات الأمنية باعتقالهم ثم خرجوا بكفالة ضامنة.
عدم الدقة وما يعتقد أنها عملية تزوير للحقائق، متعمدة ومقصودة من قبل الحكومة والجهات الداعمة لها، أثارت غضب قطاعات شعبية واسعة، حيث امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة بعبارات التكذيب والاستهجان والمطالبة بمحاسبة الجهات التي تورطت في دماء المتظاهرين، والجهات التي قامت بـ«تزوير الحقائق» في التقرير على حد سواء. وصدرت عن جهات حقوقية مختلفة مطالبات بإسناد مهمة التحقيق إلى جهات دولية وحقوقية مخصصة وسحبه من يد الحكومة المتهمة بالوقوف وراء ما وقع من عنف ضد المتظاهرين. وجوبه التقرير بانتقادات مماثلة من قبل طيف واسع من الشخصيات والكتل السياسية، وقد جاءت أقوى الردود الغاضبة حول التقرير على لسان النائب المدني وعضو اللجنة القانونية فائق الشيخ علي الذي وصفه بـ«السخيف والتافه». وذكر في تغريدة على «تويتر» أنه «لا يتناسب مع حجم الجريمة البشعة التي ارتكبها إرهابيو الأحزاب الحاكمة بالعراق ضد المتظاهرين السلميين».
وطالب رئيس تحالف «النصر» النيابي ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، حكومة عبد المهدي بـ«الاستقالة» والاعتذار إلى الشعب العراقي، ذلك أن «تقرير اللجنة التحقيقية لم يكشف الجهات الحقيقية التي أمرت بقتل المتظاهرين، خصوصا أن استهدافهم حصل في أكثر من محافظة وفي أكثر من موقع، مما يدل على أن التوجيه كان من جهة مركزية عليا».
وأبدى تيار «الحكمة الوطني» المعارض الذي يتزعمه عمار الحكيم تحفظه الكامل على تقرير اللجنة التحقيقية، وقال في بيان إنه «راقب باهتمام وقلق بالغين مخرجات التقرير النهائي الذي صدر عن اللجنة المكلفة التحقيق وإن التقرير الصادر لم يكن بمستوى الأحداث والانتهاكات ولا بمستوى انتظار الشعب لنتائجه المرجوة، ولم يلب طموح عوائل الشهداء والمواطنين والرأي العام»، مضيفاً أن التقرير «يعطي رسالة سلبية للقوى الأمنية التي قدمت التضحيات من أجل حماية الشعب وحقوقه الوطنية المشروعة».
ووصفت «جبهة الإنقاذ والتنمية»، التي يتزعمها رئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي، التقرير بـ«الهزيل» ودعت رئيس الوزراء عادل عبد المهدي إلى رفضه وإحالة الوقائع إلى القضاء. وقالت الجبهة في بيان: «نسجل أسفنا العميق على مستوى التقرير وما توصل إليه من نتائج لا ترتقي إلى الحد الأدنى من فداحة الجريمة المرتكبة بحق شباب كانوا يهتفون للوطن ويطالبون بحقوقهم الشرعية». كذلك، اعتبر ائتلاف «دولة القانون» الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي أن التقرير «مخيب للآمال ولم يكشف من وراء إطلاق النار على المتظاهرين».
وأضاف الائتلاف في بيان: «المؤسف أن التقرير المعد من اللجنة كان غامضاً وملتبساً لأنه لم يستجب لتطلعاتنا لمعرفة مرتكبي هذه الأعمال الفظيعة». وأبدى ائتلاف «الوطنية» الذي يتزعمه إياد علاوي، استغرابه من تقرير لجنة التحقيق بأحداث المظاهرات، معتبراً أنه «غير كافٍ ولا يتناسب مع حجم الأحداث»، ودعا إلى «محاكمة علنية بحق المتورطين الذين وردت أسماؤهم أو من لم ترد في تقرير اللجنة».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.