«وي ورك» أرادت إنشاء مدينة فاضلة... لكن الرياح لم تواتها

مشروع «وي ليف» لم يتخطَ حدود أول موقعين وانهارت الجهود الرامية إلى فتح مواقع جديدة

كان يعتقد أن مشروع «وي ليف» في مانهاتن السفلى عام 2016 سيغير العالم في الوقت الذي يعيش ظروفاً صعبة هذه الأيام
كان يعتقد أن مشروع «وي ليف» في مانهاتن السفلى عام 2016 سيغير العالم في الوقت الذي يعيش ظروفاً صعبة هذه الأيام
TT

«وي ورك» أرادت إنشاء مدينة فاضلة... لكن الرياح لم تواتها

كان يعتقد أن مشروع «وي ليف» في مانهاتن السفلى عام 2016 سيغير العالم في الوقت الذي يعيش ظروفاً صعبة هذه الأيام
كان يعتقد أن مشروع «وي ليف» في مانهاتن السفلى عام 2016 سيغير العالم في الوقت الذي يعيش ظروفاً صعبة هذه الأيام

تعهدت شركة «وي ورك» العقارية الأميركية في البداية بإنشاء مدينة تحسّن بها طريقة عمل الناس، وبعد ذلك شرعت في تنفيذ مشروع «وي ليف» الذي يهدف إلى تغيير أسلوب معيشتهم. مشروع «وي ليف» هو مشروع سكني أنيق للمهنيين يستمتعون فيه بالبيرا المجانية، وبغرف الغسيل المزودة بالألعاب، بالإضافة إلى وجبات عشاء مجانية يوم الأحد، وهو المشروع المفترض أن يعمم بمختلف أنحاء العالم. لكن الواقع لم يشهد تحقيق أي من هذه الأهداف.
ما حدث هو أن مشروع «وي ليف» لم يتوسع ليتخطى حدود أول موقعين، وانهارت الجهود الرامية إلى فتح مواقع جديدة، بالإضافة إلى الإيجارات طويلة الأجل، فإن مشروع «وي ليف» بات يقدم غرفاً سكنية في موقعيه الوحيدين في نيويورك وفرجينيا، للإقامة الليلية فيما يشبه الفنادق.
تقوم السلطات بمدينة نيويورك بالتحقيق فيما إذا كانت الوحدات التي بنيت لكي تستخدم بغرض الإقامة الدائمة قد جرى الإعلان عنها بصفتها غرفاً فندقية بمشروع «وي ليف» بمانهاتن السفلى، وهي المنطقة التي وصفت ذات مرة على أنها مدينة سكنية فاضلة ذات مساحة معيشة مشتركة توفر وجبات غذاء جماعي ولقاءات اجتماعية.
وبفضل الرؤية الكاريزمية لأحد مؤسسيها، آدم نيومان، فقد خططت شركة «وي ورك» لنمو كبير أدهش المستثمرين، ودفع الشركة إلى تقييم المشروع بمبلغ 47 مليار دولار، وهو رقم ضخم لأي مشروع في بداية تشغيله. لكن هذا كله انهار في الأسابيع الأخيرة، حيث كشف اندفاعها للاكتتاب العام عن خسائر كبيرة دون وجود أي مؤشرات على تحقيق أرباح في أي وقت قريب.
يتمثل نشاط شركة «وي ورك» الرئيسي في تأجير مساحات مكتبية مصممة بشكل جذاب، لكنها توقعت في البداية أن يصبح مشروع «وي ليف» جزءاً لا يتجزأ من مستقبل الشركة، وأن يحقق مليارات الدولارات من العائدات السنوية، وأن يتوسع ليشمل أكبر مدن أميركا، لكن مشروع «وي ليف» بات انعكاساً لحال الشركة كلها الذي يمكن تلخيصه في الوعود الكبيرة والنتائج الباهتة.
وقالت المتحدثة باسم شركة «وي ورك»، جوين روكو، في بيان إن الشركة لا تزال ملتزمة بمشروع «وي ليف»، مضيفة «سنواصل العمل في مواقع (وي ليف) الحالية لنقدم تجربة معيشية استثنائية لأعضائنا في نيويورك وشمال فرجينيا».
وقد أعلنت الشركة، أن شركة أخرى تابعة، وهي مدرسة «وي غرو» ستغلق أبوابها العام المقبل، وهي المدرسة، التي افتتحت عام 2018 في حي تشيلسي بمانهاتن، برئاسة ريبيكا نيومان، زوجة نيومان.
وشأن أخواتها من الشركات الأخرى، فقد تعهد مشروع «وي غرو» بإحداث ثورة في مجالها بإنشاء مدرسة ابتدائية استثنائية وتعهدت بأن «ترفع مستوى الوعي الجماعي للعالم من خلال توسيع نطاق السعادة وإطلاق العنان للقوى الخارقة الكامنة داخل كل إنسان». ويشمل اليوم الدراسي الموضوعات الأكاديمية التقليدية، بالإضافة إلى تعليم اليوغا، ويقدم وجبات الغداء التي جرى إعدادها في كافتيريا خالية من اللحوم.
تبلغ الرسوم الدراسية للعام الحالي بمدرسة «وي غرو» التي تضم نحو 100 طالب 36 ألف دولار للأطفال في عمر 3 سنوات. وجرى افتتاح أول موقع لمشروع «وي ليف السكني» في مبنى إداري سابق مكون من 27 طابقاً في وول ستريت في ربيع عام 2016 مع المقيمين الذين وقّعوا عقود إيجار سنوية. واعتبرت الشركة المبنى أنه أرخص وأكثر ملاءمة من الخيارات الأخرى في الحي المالي بالنظر إلى وسائل الراحة المجانية وتكاليف المرافق التي تم تضمينها في الإيجار.
وقال زاك هيل (33 عاماً)، الذي انتقل إلى هناك عام 2016، إن أول المستأجرين في وحدات المبنى البالغ عددها 207 وحدات من الشباب العاملين والكثير منهم يعملون لدى شركات ناشئة.
لكن منذ نحو عام بدأت طبيعة المبنى في التغير. فقد بدأت الغرف في الظهور في مواقع حجز الفنادق، بما في ذلك مواقع «Airbnb «و«Orbitz» وبدأت الشقق الصغيرة التي تحتوي على سرير واحد قابل للطي تعرض بسعر 330 دولاراً في الليلة. وشوهدت العاملات وهن يدفعن عربات التنظيف فيما كان الضيوف يسحبون الأمتعة في المداخل، وجرت إضافة مكتب أمامي وطاولة بلاستيكية قابلة للطي مُغطاة بقطعة قماش سوداء المدخل «اللوبي». أصبح الأشخاص الذين يستخدمون المصاعد مزيجاً من السكان الذين يعرفون بعضهم بعضاً والسياح الذين يقيمون فترات الليل فقط. وقال هيل الذي يدفع 3000 دولار شهرياً لشقة من غرفة نوم واحدة، «من ضمن المشكلات المتعلقة بالطريقة التي تسوق بها هذه المساحة هي أنهم يتحدثون عنها كعيش مشترك».
لا يزال مشروع «وي ليف» السكني يقدم الكثير من الامتيازات للمقيمين مثل وجبة الغداء يوم الاثنين وفكرة «ساعة سعيدة» الترفيهية أيام الثلاثاء، ومؤخراً استضاف المبنى أمسية قدم خلالها النبيذ، وقدم حصصاً للأطفال لتعلم الرسم.
في الليالي الأخرى يجري إحضار الـ«دي جي» والسقاة إلى نادٍ بالطابق السفلي، حيث توجد حانة تحت الأرض مع أرائك مخملية ذات ألواح من خشب الجوز، حيث قُدمت عروض لمغني الراب غوتشي ماني ودي جي مارك رونسون.
ليس من الواضح كم من الوحدات المبنية والبالغ عددها 207 وحدات قد جرى تسويقها بصفتها غرفاً فندقية، فقد جرى فتح مشروع «وي ليف» وفقاً للشروط التي سمحت لها باستخدام ما يصل إلى 125 وحدة كإيجارات قصيرة الأجل، مثل غرف الفنادق، وفقاً لسجلات المدينة. ولم ترد المتحدثة باسم «وي ليف» على أسئلة حول معدل الشواغر في المبنى.
فتحت المدينة الكثير من التحقيقات في الشكاوى التي تفيد بأن بعض الشقق قد تم تحويلها بشكل غير قانوني إلى غرف فندقية. وقال روبرت باتشيلدر (33 عاماً)، الذي انتقل إلى مبنى «وي ليف» في أبريل (نيسان)، إن الجيران أخبروه بأن المكان قد شهد تغيرات في نماذج السكان على مر السنين، مضيفاً إنه قد قيل له إن المكان «كان أفضل قبل أن يصبح فندقاً، كان أشبه بالمجتمع الواحد». استطرد «إن مجرد تحويل المكان إلى فندق يجعل الناس يبتعدون عن بعضهم بعضاً».
قال الزوجان، أرزو هاسيجا ونيخيل كوكريجا، اللذان كانا على وشك المغادرة صباح الثلاثاء الماضي، إنهما حجزا شقة من غرفة نوم واحدة عن طريق موقع التسويق الإلكتروني «Airbnb» للمبيت بمدينة نيويورك لحضور حفل عيد ميلاد أحد الأصدقاء. وأفادت هاسيجا (26 عاماً)، أن المكان «كان لطيفاً لليلتين. لكني أحب المساحات الكبيرة؛ لذلك لا أعتقد أنني سأعيش في مكان ما مثل هذا».
لكن هذه ليست قصة الحياة التي تصورها نيومان. ووفق العرض التقديمي للمستثمرين جرى عام 2014، توقعت الشركة نمواً هائلاً في مشروع «وي ليف» خلال السنوات الأربع المقبلة، وأنه بحلول عام 2018 سيكون هناك 34000 مستأجر في «وي ليف» أو «أعضاء» جدد يحققون عائدات تفوق 600 مليون دولار - نحو ربع إيرادات الشركة الأم المتوقعة.
تضمن العرض التقييمي أكبر 25 مدينة في الولايات المتحدة، ورأى أنه إذا تمكنت «وي ليف» من اجتذاب واحد في المائة فقط من المهنيين الشباب الذين تلقوا تعليماً جامعياً إلى المدينة، فسيكون بإمكان الشركة جني ما يقرب من 2.2 مليار دولار سنوياً عائدات.
في الهند، قال أحد المطورين العقاريين، إنه دخل سوق العيش المشترك دون الحاجة إلى مشروع «وي ليف» شريكاً. وقد أعلنت الشركة عن خططها لافتتاح موقع ثالث لمشروع «وي ليف» في مبنى جديد على وشك الانتهاء في سياتل الأميركية، غير أن المتحدثة باسم مشروع «وي ورك» وكذلك المطورون المشاركون في المشروع لم يردوا على أسئلة حول ما إذا كان من المقرر افتتاحه في العام المقبل.
في الحقيقة، تضمن ملف شركة «وي ورك» الذي تألف من 383 صفحة الذي أعدته الشركة لتقديمه إلى الاكتتاب العام أسئلة دون إجابات عن جدوى المشروعات المساعدة مثل «وي ليف»، و«وي غرو»، وقالت الشركة إنها «قد لا تجني إيرادات أو تدفقات نقدية كبيرة وقد لا تكون قادرة على تحقيق ربحية في المستقبل المنظور».
مع عزل نيومان، أحد مؤسسي الشركة، خسر مشروع «وي ليف» أكبر نصير متحمس له. وعلى مر السنين، كان يروي نيومان كيف تصور لأول مرة فكرة العيش المشترك عندما كان طالباً في كلية إدارة الأعمال في كلية «باروخ» في أوائل العقد الأول من القرن العشرين.
وقال سكوت جالواي، المحلل التجاري وأستاذ التسويق في كلية «شتيرن» لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك، إن فرص «وي ليف» الآن للبقاء ضئيلة رغم عروضها الحماسية في البداية. وقال غالاوي: «أراهن أن موقع (وي ليف) رائع للجميع باستثناء المساهمين وباستثنائنا نحن. كان هناك نقص كبير تام في الضوابط الداخلية. أين كانت الأسئلة الأساسية لمجلس الإدارة مثل (لماذا قمنا بمشروع وي ليف؟)».
إن حالة عدم اليقين بشأن «وي ليف» جاءت مع ازدهار وتوسيع شركات العيش المشترك الأخرى. إن شركة «ذا كوبيكتيف» ومقرها لندن تخطط لبناء مبنى للعيش المشترك في بروكلين، في حين أن هناك شركة أخرى باسم «كومون» لديها أكثر من 12 ألف سرير قيد التطوير في مدن متعددة، بما في ذلك مبنى مكون من 600 وحدة في ميامي.
وقال براد هارجريفز، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «كومون»، إن «هناك طلباً كبيراً. لقد تمثل التحدي دائماً في العرض (وليس في الطلب)»، خلال حفل افتتاح بمبني مشروع «وي ليف» في مانهاتن السفلى عام 2016، تحدث نيومان بحماس عن نموذج العيش المشترك. وأن مشروع «وي ليف» سوف يغير العالم، وذكر أن عائلته سوف تنتقل للعيش هناك، لكن زوجته التي كانت حاضرة حينها ردت قائلة: «لا». وكان من بين الحاضرين نيكولاس لولي، الذي كان يدير شركته الناشئة في ذلك الوقت وكان يعمل بموقع خارج مشروع «وي ورك» ودعاه أحد الموظفين حضور الحدث، وحضر وانتقل للعيش بالمشروع السكني.
قال لولي (28 عاماً)، «لقد قدموا لي عرضاً رائعاً». «كان السعر الذي عرضوه مقارنة بالمساحة التي حصلنا عليها أقل بكثير مما دفعناه في أي مكان آخر». انتقل لولي إلى شقة من غرفة نوم واحدة في يوليو (تموز) 2016، وقال إن الاختلافات بين مبنى «وي ليف» وأي مبنى سكني نموذجي في مدينة نيويورك كانت واضحة. الوحدة التي شاركها مع زوجته، مفروشة بالكامل بالديكورات الحديثة. وقال لولي إنها تحتوي أيضاً على غرفة نوم ثانية لا يحتاجون إليها، لذلك وافقت «وي ليف» على تحويلها إلى مساحة مكتبية.
لقد دفعوا دفعة مقدمة بقيمة أقل من شهر كوديعة تأمين، مقارنة بإيداع شهرين الذي كان شائعاً في الشقق في ذلك الوقت. يمكن دفع الإيجار الشهري من بطاقة الائتمان، وهو ما فعله لولي لجمع نقاط السفر. تم بالفعل إعداد شبكة «واي فاي» ووسائل الراحة التقنية الأخرى قبل انتقاله.
وقال لولي إنه كان يجري تقديم العشاء في ليالي الأحد، وغالباً ما تكون أطباق صينية أو إيطالية أو مكسيكية ليتمكن السكان من تناول الطعام في غرف الصالة بشكل جماعي. وأضاف لولي الذي يعيش الآن في ليما بيرو: «كان الجو رائعاً». «لكن كل هذه الأشياء تكلف المال».

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

عالم الاعمال «أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

أعلنت شركة «أنكس للتطوير»، التابعة لمجموعة «أنكس القابضة»، إطلاق مشروعها الجديد «إيفورا ريزيدنسز» الذي يقع في منطقة الفرجان.

الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (واس)

بفضل النمو السكاني... توقعات باستمرار ارتفاع الطلب على العقارات السعودية

تتوقع وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» للتصنيف الائتماني، أن يظل الطلب على العقارات السكنية في السعودية مرتفعاً، لا سيما في الرياض وجدة، وذلك بفضل النمو السكاني.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جناح سلطنة عمان في معرض «سيتي سكيب العالمي 2024» بالرياض (وزارة الإسكان العمانية)

سلطنة عمان تعرض مشروعات استثمارية في معرض «سيتي سكيب» بالرياض

عرضت سلطنة عمان خلال مشاركتها في أكبر معرض عقاري عالمي، «سيتي سكيب 2024» الذي يختتم أعماله الخميس في الرياض، مشروعاتها وفرصها الاستثمارية الحالية والمستقبلية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ارتفعت الإيجارات السكنية بنسبة 11 % في أكتوبر (واس)

التضخم في السعودية يسجل 1.9 % في أكتوبر على أساس سنوي

ارتفع معدل التضخم السنوي في السعودية إلى 1.9 في المائة خلال شهر أكتوبر على أساس سنوي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد زوار يطلعون على أحد مشاريع الشركة الوطنية للإسكان في معرض «سيتي سكيب العالمي» (الشرق الأوسط)

«سيتي سكيب»... تحالفات محلية ودولية لرفع كفاءة العقار بالسعودية

شهد معرض «سيتي سكيب العالمي»، المقام حالياً في الرياض، عدداً من التحالفات المحلية والدولية ضمن الشركات المجتازة لبرنامج «الدعم والتمكين للتطوير العقاري».

بندر مسلم (الرياض)

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
TT

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس

بعد الانتشار المتزايد لفيروس «كورونا المستجد» في معظم أنحاء العالم، يحذّر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول ومن بينها إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وهو ما امتد بدوره إلى قطاع العقارات في مصر، حيث تشهد السوق العقارية في البلاد حالياً تراجعاً في نسب المبيعات، بالإضافة إلى إلغاء فعاليات ومؤتمرات تسويقية عقارية.
ويؤكد مستثمرون عقاريون مصريون من بينهم المهندس ممدوح بدر الدين، رئيس مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن «القطاعات الاقتصادية تشهد تباطؤاً وجموداً حاداً في الآونة الأخيرة، وهذا سيكون له تبعاته على سوق العقار»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تخرج مصر من الأزمة سريعاً، وبأقل الخسائر نتيجة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أخيراً للحد من انتشار المرض».
وشهدت سوق مبيعات العقارات في مصر «تراجعاً نسبياً منذ بداية أزمة كورونا»، وفق الخبير والمسوق العقاري محمود سامي، الذي قدّر «نسبة التراجع في مستويات البيع والشراء، بنسبة تتراوح من 20 إلى 30%، في بداية الأزمة، لتصل إلى 50% مع نهاية الأسبوع الماضي، مع اتخاذ مصر وعدد من الدول العربية إجراءات احترازية جريئة للحد من انتشار المرض».
ورغم أن مؤشرات الطلب على شراء العقارات التي تقاس وفق حجم الطلب على المواقع الإلكترونية المخصصة لبيع وشراء العقارات، لم تعكس هذا التراجع في شهر فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لمؤشر موقع «عقار ماب» المتخصص في السوق العقارية، بعدما سجل ثبات مستوى الطلب على العقارات في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير الماضيين، لكن المؤشر أوضح أنه «كان هناك تزايد في الطلب في النصف الأول من شهر فبراير، إلا أن هذا التزايد تراجع في الأسبوعين الأخيرين ليستقر المؤشر عند نفس معدل الشهر السابق»، ولا توجد إحصائيات واضحة عن شهر مارس (آذار) الجاري، والذي تفاقمت فيه أزمة «كورونا».
وعكس ما يؤكده المسوق العقاري محمود سامي، من وجود تراجع في نسب مبيعات العقارات في مصر، يقول الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، أن «السوق العقارية في مصر لم تتأثر حتى الآن بأزمة (كورونا)»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ارتباط بين فيروس (كورونا) والعقارات، فمن يريد شراء شقة سيفعل ذلك»، مشيراً إلى أن «السوق العقارية المصرية تعاني من حالة ركود بدأت منذ نحو أربعة أشهر، وتظهر ملامحها في العروض التسويقية التي تقدمها شركات العقارات، ومن بينها زيادة عمولة المسوقين العقاريين، والإعلان عن تسهيلات في السداد تصل إلى عشر سنوات من دون مقدم، والدفعة الأولى بعد التسلم»، لافتاً إلى أن «حالة الركود هذه سببها الرئيسي زيادة المعروض، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه».
ورغم أن العاملين في التسويق العقاري لا ينكرون وجود حالة ركود في السوق، فإنهم يرون أن المسألة تزايدت مع الخوف من انتشار «كورونا»، حتى حدث «انكماش في السوق العقارية»، على حد تعبير سامي الذي أوضح أن «شركات التسويق العقاري تأقلمت مع حالة الركود، ونفّذت عمليات إعادة هيكلة وتقليص لعدد الموظفين والمقرات»، مضيفاً: «ما نشهده الآن مختلف، فهناك حالة شلل لم نشهدها من قبل إلا مع ثورتي 30 يونيو (حزيران) 2013، و25 يناير 2011. وإن كان ما نشهده حالياً أكثر حدة، فهناك إلغاء لحجوزات ومواعيد معاينات للوحدات العقارية، وتأجيل لقرارات الشراء بشكل عام حتى انتهاء الأزمة واتضاح الرؤية».
ولا يقتصر تأثير انتشار «كورونا» على حركة البيع والشراء في قطاع العقارات، بل من المتوقع أن «ينعكس التأثير على اقتصاد الشركات العقارية واستثماراتها» حسب بدر الدين، الذي أشار إلى أن «قطاع النفط تأثر بصورة كبيرة خصوصاً بعد إصرار منظمة (أوبك) على عدم تقليل إنتاجها، ليهبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً، ما سبب خسائر للمستثمرين والصناديق العالمية، وترتبت على ذلك انخفاضات في أسعار مواد البناء وبالتالي فإن أي مستثمر لديه مخزون من هذه السلع، سيحقق خسائر بلا شك».
وتماشياً مع قرارات الحكومة المصرية إلغاء التجمعات، تم تأجيل مؤتمر ومعرض «سيتي سكيب مصر للتسويق العقاري»، الذي يعده الخبراء أحد أكبر معارض التسويق العقاري في مصر، والذي كان من المقرر عقده في منتصف الشهر الجاري، لتكتفي الشركات العقارية بالعروض التسويقية التي تقدمها وتعلن عنها إلكترونياً أو تلفزيونياً.
والتأجيل يحمي شركات العقارات من خسائر متوقعة، نظراً لصعوبة حضور العملاء، مما سيؤثر بشكل سلبي على صورة القطاع العقاري، حسب بدر الدين.
ويخشى العاملون في السوق العقارية من استمرار الأزمة فترة طويلة، وهو ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع، قد تضطر الشركات إلى عمليات إعادة هيكلة وتخفيض عمالة -على حد تعبير سامي- الذي قال إن «الشركات تأقلمت مع انخفاض المبيعات خلال الشهور الماضية، لكن لو استمر الوضع الحالي لمدة شهر، فالمسألة ستكون صعبة وقد تؤدي إلى إغلاق شركات وتسريح موظفين، حيث ستحتاج كل شركة إلى تخفيض نفقاتها بنسبة 40% على الأقل».
ورغم تأكيدات عبد العظيم أنه لا يوجد تأثير لأزمة «كورونا» على السوق العقارية حتى الآن، فإنه يقول: «إذا تفاقمت أزمة (كورونا) فستكون لها تأثيرات على جوانب الحياة كافة، ومنها العقارات»، وهو ما يؤكده بدر الدين بقوله إن «العالم كله سيشهد تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي».