طرابلس تستعيد وحدتها الوطنية وتنتفض على زعاماتها

لبنانيات ضمن المتصظاهرين في طرابلس أمس (أ.ف.ب)
لبنانيات ضمن المتصظاهرين في طرابلس أمس (أ.ف.ب)
TT

طرابلس تستعيد وحدتها الوطنية وتنتفض على زعاماتها

لبنانيات ضمن المتصظاهرين في طرابلس أمس (أ.ف.ب)
لبنانيات ضمن المتصظاهرين في طرابلس أمس (أ.ف.ب)

شكّلت المظاهرات الحاشدة التي شهدتها مدينة طرابلس، علامة فارقة في التحركات الشعبية المستمرّة في لبنان منذ خمسة أيام، وحملت رسالتين، الأولى تهدف إلى استعادة المدينة هويتها الوطنية القائمة على التنوع والعيش الواحد بين المسلمين والمسيحيين، والثانية من أجل توحد أبنائها وراء مطلب رفع الحرمان والتهميش عن مدينتهم، والانقلاب على ممثليهم في الحكومة والبرلمان الذين لم يقدّموا لعاصمة لبنان الثانية سوى الوعود.
ولم تتغيّر الصورة في طرابلس أمس عن باقي الأيام، إذ استمرّ توافد آلاف الشباب إلى ساحة النور وسط شلل عمّ المدينة، وانضمام الآلاف إليها من مناطق زغرتا وبشري والكورة وهي مناطق ذات غالبية مسيحية، لإطفاء طابع وحدة المسلمين والمسيحيين على هذا التحرّك الواسع.
وجاءت التحركات وسط إجراءات أمنية فرضها الجيش وقوى الأمن الداخلي للحفاظ على سلامة المتظاهرين، وأكدت مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط»، أن القوى الأمنية «وضعت مكعبات إسمنتية على الطرق الفرعية المؤدية إلى موقع التجمّع في ساحة النور، لمنع وصول السيارات والدراجات النارية إلى الساحة». وأكدت أن «المحال التجارية والمؤسسات الخاصة فتحت أبوابها بشكل عادي يوم أمس، إلا أن المدينة كانت شبه مشلولة وحركة السيارات شبه معدومة».
وفيما يلتزم وزراء ونواب طرابلس الصمت والترقب، أيّد بعضهم انتفاضة الناس ودعوا مناصريهم للانضمام إليها، وأعلن النائب فيصل كرامي، دعمه الكامل للمظاهرات التي تشهدها طرابلس وكلّ لبنان. وأكد كرامي لـ«الشرق الأوسط»، أن «المشهد في طرابلس له معنيان، الأول أنه يدحض كلّ الشائعات التي طالت طرابلس، وأساءت لهويتها الوطنية الجامعة، والثاني يعبّر عن معاناة أبناء المدينة وتهميشهم وحرمانهم على مدى عقود طويلة». وقال: «انتفاضة الناس جاءت عفوية وخالية من أي تدخلات خارجية أو داخلية، وعلى هذا الأساس نحن نقف إلى جانب الناس ومطالبهم، وطلبت من عائلتي وأنصاري وأصدقائي أن يكونوا بين الناس، ويتضامنوا مع وجعهم».
ورغم اختلاف القراءات السياسية لأبعاد التحرّك، وخروج أبناء طرابلس من عباءات زعاماتها السياسية، أكد الوزير السابق رشيد درباس في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن طرابلس «استطاعت أن تستعيد دورها كقصبة لكل مناطق الشمال، كما استعادت حيويتها وتنوعها رغم كلّ القمع والحرمان والإهمال الذي أصابها في السنوات الماضية»، معترفاً بأن «جزءاً من التحرك والنقمة موجهة إلى زعامات طرابلس التقليدية وممثليها في السلطة». وقال درباس: «يكفي المشهد الوطني في ساحة النور، وتفاعل جميع الشباب مع كلمتين ألقاهما رجلا دين مسيحيان في الحشود، عبرتا عن رأي أبناء طرابلس وكل اللبنانيين».
وثمة تخوّف من استغلال التحرّك السلمي من قبل المتضررين منه، وتحويله عن مساره الحقيقي، ورأى النائب كرامي وهو ابن مدينة طرابلس، أن «انتفاضة عاصمة الشمال فاجأت لبنان وكلّ العالم»، متمنياً «ألا تذهب جهود هؤلاء الشباب سدى، وألّا تدخل أي جهة سياسية لاستغلال هذه المظاهرات وتشويه رسالتها»، داعياً المسؤولين إلى سماع صوت الشعب، وأن تستقيل الحكومة التي باتت عبئاً على كلّ اللبنانيين. وعن رأيه في رفض أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله استقالة الحكومة، قال كرامي إنه «كان ولا يزال يقف إلى جانب المقاومة في وجه إسرائيل، منذ العام 1992 وحتى الآن». وتابع: «لكني غير مقتنع ببعض أطروحات الحزب في الشأن الداخلي، وغير مقتنع بعد بالقدرة على تشكيل حكومة جديدة إذا ما استقالت الحكومة الحالية».
من جهته، أوضح الوزير السابق أشرف ريفي، أن «طرابلس تعبّر اليوم عن وجهها الحقيقي والوطني، وأنها مدينة العيش الواحد، وتدحض المزاعم التي تقول إنها خارجة عن القانون»، معتبراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «اندفاعة عشرات الآلاف من شباب طرابلس إلى الساحات، تعبر عن حركة شعبية صادقة، يقودها أبناء المدينة، وتدلّ عن مدى الاحتقان من أداء الزعماء والسياسيين». وقال ريفي: «كلّ ما يتطلبه بناء طرابلس إقامة دولة حقيقية، وكسر دويلة (حزب الله) وإلغاؤها»، مؤكداً أن «هذه الانتفاضة مستمرة بزخم كبير إلى أن تحقق هدفها، ولن تقبل بحلّ ترقيعي، بل مطلوب حلّ جذري ونهائي في كلّ لبنان».



اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
TT

اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)

استبعدت الحكومة اليمنية تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم، داعية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح الجماعة، كما حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية التهاون مع الانقلابيين، وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق «الحديدة».

التصريحات اليمنية جاءت في بيان الحكومة خلال أحدث اجتماع لمجلس الأمن في شأن اليمن؛ إذ أكد المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أن السلام في بلاده «لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلّى عن خيار الحرب، ويؤمن بالحقوق والمواطنة المتساوية، ويتخلّى عن العنف بوصفه وسيلة لفرض أجنداته السياسية، ويضع مصالح الشعب اليمني فوق كل اعتبار».

وحمّلت الحكومة اليمنية الحوثيين المسؤولية عن عدم تحقيق السلام، واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، وعدم رغبتهم في السلام وانخراطهم بجدية مع هذه الجهود، مع الاستمرار في تعنتهم وتصعيدهم العسكري في مختلف الجبهات وحربهم الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب.

وأكد السعدي، في البيان اليمني، التزام الحكومة بمسار السلام الشامل والعادل والمستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار «2216».

عنصر حوثي يحمل صاروخاً وهمياً خلال حشد في صنعاء (رويترز)

وجدّد المندوب اليمني دعم الحكومة لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، وكل المبادرات والمقترحات الهادفة لتسوية الأزمة، وثمّن عالياً الجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان لإحياء العملية السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق الحل السياسي، وإنهاء الصراع، واستعادة الأمن والاستقرار.

تهديد الملاحة

وفيما يتعلق بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، أشار المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة إلى أن ذلك لم يعدّ يشكّل تهديداً لليمن واستقراره فحسب، بل يُمثّل تهديداً خطراً على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وحرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وهروباً من استحقاقات السلام.

وقال السعدي إن هذا التهديد ليس بالأمر الجديد، ولم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة تجاهل المجتمع الدولي لتحذيرات الحكومة اليمنية منذ سنوات من خطر تقويض الميليشيات الحوثية لاتفاق «استوكهولم»، بما في ذلك اتفاق الحديدة، واستمرار سيطرتها على المدينة وموانيها، واستخدامها منصةً لاستهداف طرق الملاحة الدولية والسفن التجارية، وإطلاق الصواريخ والمسيرات والألغام البحرية، وتهريب الأسلحة في انتهاك لتدابير الجزاءات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن «2140»، والقرارات اللاحقة ذات الصلة.

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» جراء هجمات حوثية (رويترز)

واتهم البيان اليمني الجماعة الحوثية، ومن خلفها النظام الإيراني، بالسعي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد خطوط الملاحة الدولية، وعصب الاقتصاد العالمي، وتقويض مبادرات وجهود التهدئة، وإفشال الحلول السلمية للأزمة اليمنية، وتدمير مقدرات الشعب اليمني، وإطالة أمد الحرب، ومفاقمة الأزمة الإنسانية، وعرقلة إحراز أي تقدم في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

وقال السعدي: «على إيران رفع يدها عن اليمن، واحترام سيادته وهويته، وتمكين أبنائه من بناء دولتهم وصنع مستقبلهم الأفضل الذي يستحقونه جميعاً»، ووصف استمرار طهران في إمداد الميليشيات الحوثية بالخبراء والتدريب والأسلحة، بما في ذلك، الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بأنه «يمثل انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرارين (2216) و(2140)، واستخفافاً بجهود المجتمع الدولي».