نظام ما بعد 2003 العراقي «يترنح»... وتكهنات بتغييره

قبيل مظاهرات حاشدة مرتقبة الجمعة

مظاهرة حاشدة في بغداد مطلع الشهر الجاري احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية (أ.ب)
مظاهرة حاشدة في بغداد مطلع الشهر الجاري احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية (أ.ب)
TT

نظام ما بعد 2003 العراقي «يترنح»... وتكهنات بتغييره

مظاهرة حاشدة في بغداد مطلع الشهر الجاري احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية (أ.ب)
مظاهرة حاشدة في بغداد مطلع الشهر الجاري احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية (أ.ب)

يترقب العراقيون، على المستويين الرسمي والشعبي، بحذر وقلق شديدين، ما يمكن أن تسفر عنه مظاهرات الجمعة المقبل التي يتوقع أن يلتحق بها آلاف وربما ملايين العراقيين، نظراً لعمليات التحشيد واسعة النطاق التي يقوم بها ناشطون لحثّ الناس على الخروج، إضافة إلى دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أنصاره إلى الالتحاق والمشاركة فيها بقوة.
ورغم أن مآلات الأمور لا تبدو واضحة تماماً، سواء على مستوى السلطة وبعض قواها التي تتحدث عن مؤامرات خارجية يتعرض لها النظام، أو على مستوى جماعات الحراك الشعبي التي ترفض تلك الاتهامات وتحمل القوى السياسية مسؤولية ما وصلت إليه البلاد من تدهور... فإن الجانبين؛ السلطة وجماعات الاحتجاج، يسيران في خطين متوازيين في مسعى للوصول إلى نقطة الالتقاء أو الحسم المحتملة. فالحكومة بكل أجنحتها والجهات الداعمة لها تحثّ السير سريعاً لتدارك الأمور وإصلاح ما يمكن إصلاحه من تصدعات أصابت العملية السياسية خلال الستة عشر عاماً الأخيرة، على أمل تلافي انهيارها الوشيك، من خلال التأثير على حركة الاحتجاج وإقناعها ولو بجزء يسير مما تطالب به، فيما بركان الحركة الاحتجاجية آخذ في التطور ويوشك على الانفجار بمطالب واسعة؛ أهونها ربما، إقالة حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الحالية التي تحملها حركة الاحتجاج مسؤولية مئات الدماء التي سالت وآلاف الأجساد التي جرحت في الموجة الأولى التي انطلقت مطلع الشهر الحالي. وثمة كلام واسع عن عزم حركة الاحتجاج على البقاء في الشوارع وتدشين حركة اعتصام واسعة الجمعة حتى إسقاط الحكومة وإجراء التغيرات المطلوبة التي تتعلق بأصل النظام السياسي وطبيعته.
ورغم التسريبات شبه المؤكدة التي تذهب إلى أن استقالة أو إقالة رئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي باتت مسألة وقت لا أكثر ربما لا يتجاوز الأسبوع الواحد، فإن عملية الإزالة الجذرية للنظام السياسي الذي تأسس بعد 2003، على خلفية إطاحة نظام البعث وحكم الرئيس الراحل صدام حسين، ليست موضوع اتفاق عراقي شامل، خصوصاً مع الأخذ بعين الاعتبار عدم القبول بذلك من قوى السلطة النافذة والمهيمنة داخل المكون الشيعي التي بنت هذا النظام واستفادت منه استفادة قصوى، إلى جانب القوى السياسية في إقليم كردستان العراق التي ترفض هي الأخرى نوعاً كهذا من التحولات الجذرية، خصوصاً مع المكاسب الواسعة التي حصلت عليها بوجود هذا النظام. وهناك أيضاً، بعض القطاعات داخل المكون السني التي خدمها النظام، ولا يمكن لأحد كذلك تجاهل التأثيرات الإقليمية والدولية الحاسمة التي كانت العامل الأساسي في تأسيس نظام ما بعد 2003، ودعمه وحراسته. غير أن ذلك كله لا يمنع من وجود اتجاهات شعبية واسعة تؤيد قضية الإزاحة الجذرية لهذا النظام وإحلال نظام آخر محله يكون قادراً على إدارة البلاد بعيداً عن العنف والفساد وحكم الميليشيات وما يوصم به النظام الحالي من خضوع يعد مهيناً لنفوذ دول إقليمية ودولية.
ويرى جاسم الحلفي، القيادي في الحزب الشيوعي العراقي وتحالف «سائرون» المدعوم من مقتدى الصدر، أن «النظام السياسي بمنهج المحاصصة الذي أنتج الفساد الواسع ولم ينجح في تقديم أي مكسب وطني، أوصل البلاد إلى طريق مسدودة ولا أمل له في تخطي هذا المأزق». ويضيف الحلفي لـ«الشرق الأوسط»: «ذلك كله حدث بعد استحواذ زعماء الطوائف والمحاصصة السياسية على البلاد، وتحالفهم مع طغمة فساد عششت في مفاصل الدولة، وقيامهم بتشريع قوانين تؤبد بقاءهم في السلطة، وباتوا أقلية معزولة عن الشعب لا تكترث لمصالحه ولا تراعي مصالح البلاد وقرارها السياسي المستقل بحيث صارت عرضة للتدخلات الإقليمية والدولية الفاضحة».
ومع إدامة زخم المظاهرات الاحتجاجية؛ توقع الحلفي «تغيير النظام السياسي، عبر إقالة الحكومة الحالية، وإحلال محلها حكومة انتقالية بصلاحيات تشريعية محددة مهمتها إعادة بناء دولة القانون والمواطن والمؤسسات، مع بقاء مؤسسة رئاسة الجمهورية والبرلمان». وتوقع «حرمان جميع الشخصيات السياسية التي شغلت مناصب حكومية بعد 2003، من المشاركة في الحكومة الجديدة، وألا يسمح لشخصيات الحكومة الجديدة بالمشاركة في الانتخابات المقبلة». وأشار إلى أن من أولويات الحكومة المقبلة «إصلاح النظام الاقتصادي وردم الهوة بين الأثرياء من الساسة وأتباعهم والفقراء، والقضاء على السلاح المنفلت خارج سيطرة الدولة، وتكليف الجيش بمهمة حماية الحدود، والشرطة للأمن الداخلي، وهناك أيضاً إصلاحات تتعلق بالجوانب الثقافية والاجتماعية والإعلامية، كذلك ينبغي أن يكون من أوليات الحكومة الانتقالية الاهتمام بالمطالب الملحة للمتظاهرين».
من جهته، يقول مدير «مركز التفكير السياسي» إحسان الشمري، إنه «رغم إصرار حركة الاحتجاج على إطاحة النظام، فإن هذا الأمر مرتبط ربما بحماسة وغضب ناجمين عن الاستياء من الطبقة السياسية الحالية، ومن الصعب إسقاط النظام السياسي». ويرى في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «أي تغيير ومهما كان شكله سيعتمد بالدرجة الأساس على استمرار الاحتجاجات وتطورها».
وتوقع الشمري أن «تسفر الاحتجاجات عن إعادة تشكيل المعادلة السياسية الحالية، عبر إجراء انتخابات مبكرة هي أحد مطالب المحتجين، وهذا أيضاً مرتبط باستمرار الضغط الجماهيري». ويشير إلى أن «القوى السياسية ستقبل في مراحل لاحقة بموضوع الانتخابات المبكرة، لأن ذلك سيتيح لها إعادة تموضعها والعودة من جديد إلى الواجهة السياسية».
إلى ذلك، يرى الباحث السياسي العراقي المقيم في الولايات المتحدة، حارث حسن، أن «أهم ما تقدمه الاحتجاجات في العراق ولبنان ليس البديل السياسي والاقتصادي الواضح، فهذا أمر مبكر في هذه المرحلة من الصراع السياسي الاجتماعي، بل هو قدرتها على احتلال الفضاء العام وإنتاج لغة جديدة وهوية بديلة لـ(نحن) خارجة عن منطق نظام الإقطاعيات السياسية». ويقول حسن عبر صفحته على «فيسبوك» إن «هذه الـ(نحن) فيها الكثير من الشعبوية والتبسيط، باعتبار أنها فكرة الشعب المظلوم كله بمواجهة آخر ظالم، لكنها تتجاوز وتفكك الهويات التي يصنعها نظام الإقطاعيات والطوائف والإثنيات».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.