رحيل هارولد بلوم... آخر حراس الحصن الشكسبيري

خلف نحو أربعين كتاباً اعتُمد الكثير منها في المناهج الأكاديمية الأدبية

هارولد بلوم
هارولد بلوم
TT

رحيل هارولد بلوم... آخر حراس الحصن الشكسبيري

هارولد بلوم
هارولد بلوم

رحل مؤخراً عن عالمنا الناقد الأدبي العالمي البروفسور (هارولد بلوم Harold Bloom)، المولود عام 1930. والذي يُعدُّ آخر جيل النقّاد الكلاسيكيين الذين نذروا أنفسهم ليكونوا حرّاساً قيمين على ذخائر المملكة الشكسبيرية بكلّ الأسماء الأدبية الكلاسيكية التي تحتمي بمظلتها الشاسعة ابتداءً من شكسبير نفسه (الذي يراه بلوم زيوس الأدب العالمي) وتشوسر والدكتور جونسون وحتى كافكا وبيكيت في العقود القليلة الماضية.
تميّز بلوم - بين المعالم الرئيسية التي وسمت حياته - بكفاحه العزوم الذي بلغ مبلغ الحرب الأدبية من أجل تثبيت ركائز ما صار يسمى المُعتمد الأدبي Literary Canon في الأدب الغربي، وهذه كناية رمزية - برغم حمولتها اللاهوتية الصارخة - عن الأعمال الأدبية التي يراها بعض النقّاد خليقة بالانضمام إلى سجلّ المصنفات الأدبية العظيمة التي تستحقّ الخلود الأبدي لقدرتها على مجاوزة محدوديات الزمان والمكان والبيئة اعتماداً على قيمتها الجمالية فحسب بعيداً عن المؤثرات الأخرى كيفما كانت (دينية، سياسية، اجتماعية...). وبهذا يرى بلوم في النتاج الأدبي العظيم نوعاً من الصنعة الفردية الخالصة المحكومة باعتبارات جمالية تسعى لبلوغ الخلود الإنساني متجاوزة كلّ المقيدات الزمنية. ربما يكون بلوم بهذه الشاكلة قريباً من الناقد الإنجليزي فرانسيس ليفز Francis Leavis؛ لكنه يتمايز عنه بنقده الشديد للمدرسة النقدية التي جاء بها (تي. إس. إليوت) والتي ترى في الأدب (الشعر بخاصة) نوعاً من الممارسة البشرية التي تكثّف التجربة الدينية وتعبّر عنها بطرق أخرى وإن تماثلت معها من حيث الإحساس الخاشع والنشوة السايكولوجية التي تجتاح النفس المسكونة برغبة جعل التجربة الأدبية نمطاً من الممارسة الكونية الشاملة المماثلة للنشوات التصوفية.
عُرِف عن بلوم أنه ناقد أدبي وأستاذ جامعي غزير الإنتاج منذ صدور كتابه الأول المعنون (صناعة أسطورة شيلي) عام 1959؛ إذ قلّما مرّ عام دون أن يشهد صدور كتاب أو اثنين له، وتشمل قائمة الكتب التي أصدرها بلوم نحواً من أربعين كتاباً يُضافُ لها المئات من الكتب الصغيرة التي عمل محرّراً لها أو شارك في تحريرها. ثمة إشارة ينبغي تأكيدها هنا، وهي أنّ الكثير من كتب بلوم اعتمدت في المناهج الدراسية الأدبية في الكثير من الجامعات الأميركية والعالمية، وفضلاً عن هذا فقد تصدّر الكثير منها قائمة أفضل الكتب مبيعاً؛ الأمر الذي قلّما نشهد مثيلاً له لدى ناقد أدبي آخر.
وقف بلوم طيلة حياته الأكاديمية التي عمل فيها أستاذاً للأدب والدراسات الإنسانية في جامعة ييل العريقة منافحاً عن القيمة الجمالية المطلقة في الأدب بوجه النقّاد الذين وصفهم بأنهم ينافحون عن (مدرسة الامتعاض) في النقد الأدبي، وهو يقصد بهذا التوصيف المدرسة النقدية التي ضمّت جميع الكتّاب الذين أعلوا شأن الدراسات الخاصة بالتعددية الثقافية، والنسوية، والماركسية، والبنيوية الجديدة؛ فقد رأى في هذه التوجّهات الحديثة خيانة للأغراض الجمالية التي ينبغي أن يتوجّه إليها كلّ أدب حقيقي جدير بالدخول في حظيرة المُعتمد الأدبي.
ثمة كتابان للبروفسور بلوم حازا على الإطراء الأعظم والإجماع الأكبر على تفرّدهما بين مؤلفات الناقد اللامع، وهذان الكتابان هما: المُعتمد الأدبي: «الكتب ومدرسة العصور» (نُشِر عام 1994)، و«كيف نقرأ ولماذا» (نُشِر عام 2000)، وقد عمل المركز القومي للترجمة في جمهورية مصر العربية على ترجمة هذا الكتاب ونشره عام 2010.
وصف بلوم نفسه بأنه «وحشُ قراءة» يستطيع قراءة واستيعاب كتاب بأربعمائة صفحة في ساعة واحدة!، ويبدو أن هذا الوصف الذاتي لا ينطوي على شيء من الغرائبية أو المفارقة؛ فقد سبق للبروفسور ريتشارد بيرنشتاين أستاذ الفلسفة في جامعة ييل وزميل بلوم أن قال إنّ مشاهدة بلوم وهو منغمر بالقراءة تجربة تبعث على الرعب! وإذا كان أمر بلوم على هذه الشاكلة فليس غريباً إذن أن يودّ مضاهاته بالدكتور صموئيل جونسون، الناقد الأدبي الموسوعي ذائع الشهرة في القرن الثامن عشر.
ناقش بلوم التأثير الأدبي في كتاب مهمّ له أصبح انعطافة مفصلية في تأريخه الأكاديمي والنقدي، وقد نشر الكتاب عام 1973 بعنوان (قلق التأثير The Anxiety of Influence) وتمتّ ترجمته إلى ما يقارب خمساً وأربعين لغة، ووظّف بلوم في هذا الكتاب النظرية الفرويدية عبر تمثيله للخلق الأدبي بصراع أوديبي يكافح فيه الأدباء الصغار التقاليد الأدبية الراسخة ويتطلّعون إلى دفقات من الأصالة المتفجرة التي تميّز الأعمال الأدبية العظيمة عن سواها. لسنا في حاجة للتأكيد هنا أنّ هذه الرؤية التي يعتمدها بلوم بشأن الخلق الأدبي تتقاطع بحدّة مع رؤية مدرسة النقد الجديد التي هيمنت على الأدب الأميركي في منتصف القرن العشرين - تلك المدرسة التي نحّت جانباً السياق التأريخي ومقاصد الكاتب مقابل اعتبار الأدب سلسلة من النصوص التي يتوجب تحليلها عن قرب في الجوانب الخاصة بالمعنى المتضمّن في اللغة والبُنى الهيكلية. أكّد بلوم دوماً أنّ العمل الأدبي ليس مُصنّفاً شبيهاً بوثيقة اجتماعية تتوجب قراءتها بدفعٍ من حمولتها السياسية أو التأريخية؛ بل ينبغي قراءتها بدفعٍ من المتعة الجمالية الخالصة. إلى جانب المتعة الجمالية أعلى بلوم من شأن الغرائبية الغامضة التي ينطوي عليها كلّ عمل أدبي يستحقّ أن يوسم بالأصالة الأدبية.
يفرِدُ بلوم في خاتمة كتابه (المُعتمد الأدبي)، ملحقاً يضمُّ أعمال 850 كاتباً رأى فيهم بلوم القدرة على الاستمرارية والتأثير في الأجيال القادمة. جاء شكسبير في رأس القائمة، ثمّ أعقبه أفلاطون وبروست (ليس ثمة ترتيب زمني في الأسماء، بل جاء الترتيب وفقاً لزخم التأثير كما يراه بلوم)، وثمة أسماء أخرى مثل: إيفو أندريتش، الكاتب اليوغسلافي الذي نال جائزة نوبل في الأدب عام 1961، وطه حسين، الكاتب والمثقف المصري ذائع الصيت. ليس غريباً أن نتوقّع صدور الكثير من الاستجابات المتباينة إزاء هذا الملحق من قبل الكتّاب والنقّاد الأدبيين على مستوى العالم بأكمله؛ فقد سعوا لتفكيك الشفرات الإبداعية التي اعتمدها بلوم في قائمته - تلك الشفرات التي انطوت على الكثير من الخيارات التمييزية الكيفية.
لا أرى بأساً في خاتمة مقالتي هذه أن أورد شيئاً من رؤيتي الشخصية تجاه هارولد بلوم ومعتمده الأدبي فضلاً عن رؤيته الخاصة للفاعلية الأدبية الإبداعية. أرى أنّ هارولد بلوم يتشارك ناقداً ومفكّراً أدبياً آخر هو رينيه ويليك في نظرته إلى الأدب باعتباره مملكة خاصة مسوّرة محكومة بقوانينها الخاصة، ولو قرأنا سلسلة كتبه الستة التي نُشِرت بعنوان (تأريخ النقد الحديث) لشهدنا تحشيداً مكثفاً من الأسماء والوقائع التي تشي بأن الأدب فاعلية محكومة باعتبارات جمالية وشخصية خالصة فحسب.
إنّ نموذج المشتغل الأدبي ذي المواصفات الشكسبيرية لم يعد صالحاً ليكون النموذج المبتغى في عصر الثورات العلمية والتقنية، ولم تعُد الثقافة تمتلك دلالاتها المرجعية بمقدار التمرّس في الدراسات الإغريقية واللاتينية والتواريخ الوثائقية الضخمة وابتداع معتمدات أدبية كيفية تعمل على أسس تمييزية بصرف النظر عن نبالة مقاصدها. هل كان البروفسور ليفز الذي أوردتُ ذكره أعلاه محقاً في قصر الشعر الحقيقي على ثلاثة أسماء: ت. إس. إليوت، وجيرارد مانلي هوبكنز، وويليام بتلر ييتس؟ وما المسوّغات التي يمكن أن يقدّمها البروفسور بلوم لاستبعاد أسماء أدبية على شاكلة إيان ماكيوان من معتمده الأدبي؟
هناك ما تنبغي الإشارة إليه في هذا الشأن: لم يعُد من اعتبار يذكر للرطانات اللغوية والفكرية المتعجرفة التي تدّعي السعي وراء الأفكار الكبيرة والنزعة الجمالية الخالصة؛ بل صار المقياس الحاسم هو التأثير الإجرائي في طبيعة الحياة فضلاً عن الاستجابة الفعالة إزاء المتغيرات الثورية الفاعلة فيها، وفي الوقت ذاته لا يسعنا أن نتوقّع سهولة قبول نقّاد كلاسيكيين - على شاكلة البروفسور بلوم - الانخراط الفاعل في عصر الثقافة المعاصرة؛ فلكلّ عصر مريدوه المنافحون عن سطوتهم الفكرية والاعتبارية فيه. إنّ هؤلاء النقّاد كائنات مسكونة بأثقال نوستالجية تنوء بها كواهلهم وليس يسيراً عليهم التخلي عن مواقع يرونها راسخة لهم.
لم يعُد أقطاب الإبداع الأدبي في عالم اليوم كائنات تتلمّس الخطى الشكسبيرية بقدر ما تلتقط ترجيعات الثورة العلمية والتقنية، ولا أحسب أنّ المعتمد الأدبي للبروفسور بلوم قادرا على حصر الإبداع الأدبي في زوايا ضيقة تجاوزتها الحقائق الفاعلة على الأرض.

- كاتبة وروائية ومترجمة عراقية مقيمة في الأردن



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.