الجامعة الملّية الهندية.. مؤسسة إسلامية ترحب بـ«الآخر» بصدر رحب

أسست في غمار مكافحة الاستعمار «ثقافيا».. ووعد غاندي بـ«التسول» من أجل تمويلها

شعار الجامعة الملّية الإسلامية في الهند («الشرق الأوسط»)
شعار الجامعة الملّية الإسلامية في الهند («الشرق الأوسط»)
TT

الجامعة الملّية الهندية.. مؤسسة إسلامية ترحب بـ«الآخر» بصدر رحب

شعار الجامعة الملّية الإسلامية في الهند («الشرق الأوسط»)
شعار الجامعة الملّية الإسلامية في الهند («الشرق الأوسط»)

كانت الجامعة الملّية الإسلامية الهندية في عام 1994 هي أول جامعة إسلامية مركزية في هذا البلد تحتفظ بـ50 في المائة من مقاعدها لصالح الطلاب المسلمين. وتعد الجامعة من أكثر الوجهات التعليمية المرغوبة بين المتعلمين من كل أرجاء الهند. وعلى الرغم من أن الجامعة الملّية الإسلامية تصف ذاتها بالمؤسسة الإسلامية، فإنها تسمح بقبول المواطنين الأجانب من المسلمين ومن غير المسلمين على حد سواء. ويأتي الطلاب الأجانب في الغالب من 38 دولة تتضمن الشرق الأوسط، وأفريقيا، ووسط وجنوب آسيا.

* الدورات والمناهج
تقدم الجامعة الملّية الإسلامية برامج التخرج والدراسات العليا في الكثير من المجالات الدراسية، وهي على النحو التالي، العلوم الإنسانية، والعلوم، والهندسة، والقانون، والإعلام، وخلافه. وتوفر الجامعة برامج الدوام الكامل والدوام الجزئي من خلال الكثير من الكليات والأقسام. وتجري الجامعة الملّية الإسلامية اختبار قبول، ومقابلة شخصية، ومناقشة جماعية، وغير ذلك من إجراءات القبول في مختلف البرامج الدراسية لديها. ويصدر عقب ذلك إخطار موحد ومشترك عن مكتب القبول في الجامعة فيما يخص القبول في كل الدورات والمناهج في كل عام. وتبدأ الدراسة الأكاديمية في شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب).

* المفهوم
كان ميلاد الجامعة الملّية الإسلامية علامة فارقة في حد ذاته في التاريخ الثقافي الهندي. فقد اشترك اتجاهان مهيمنان وساهما سويا في إنشاء الجامعة تحت الحكم البريطاني الذي دام لأكثر من مائة عام في الهند. أحدهما كان النشاط المعادي للاستعمار، والآخر كان الطموح المناصر للاستقلال الذي شعر به القطاع السياسي الراديكالي بين فئة المسلمين الهنود من المتعلمين والمثقفين تعليما غربيا.
وفي المناخ السياسي السائد في عام 1920، وهو عصر الأفكار الثورية، وكان العصر ذاته الذي تأسست فيه الكثير من المعاهد التعليمية الهندية إثر احترام دعوة المهاتما غاندي في نبذ ومقاطعة جميع المؤسسات البريطانية. واستجابة لدعوة غاندي لمقاطعة كل المؤسسات التعليمية البريطانية المدعومة أو الخاضعة لإشراف النظام الاستعماري البريطاني، وضعت مجموعة من المعلمين والطلاب المسلمين الوطنيين حجر الأساس للجامعة الملّية الإسلامية في عام 1920.
وكان من أبرز أعضاء تلك الحركة مولانا محمود حسن، ومولانا محمد علي، وحكيم أجمل خان، والدكتور أحمد أنصاري، وعبد المجيد خواجة. وقد انتخب السيد حكيم أجمل خان كأول مستشار للجامعة الجديدة وصار السيد محمد علي جوهر أول نائب لمستشار الجامعة.
وفجأة، دخلت الجامعة الجديدة في أزمة كبيرة، حيث بدأ الأعضاء البارزون في الابتعاد عنها. وصار الانهيار التام - فعليا - من الاحتمالات وشيكة الحدوث. ولم يكن هناك مثل أصدق وصفا لحال الجامعة من هذه المقولة: «حينما يزداد الأمر سوءا، فعلى الأقوياء بذل المزيد من الجهود». كانت تلوح في الأفق أزمة كبيرة، وقد عزز المهاتما غاندي من معنويات الجامعة الوليدة حين قال: «يجب على الجامعة المسير. وإذا ما خفتم على التمويل، فسوف أخرج بوعاء التسول بنفسي». واتبعت الجامعة برنامج غاندي في البناء اعتمادا على الذات. وعلى الرغم من أن اتصالات غاندي قد وفرت المساعدة المالية للجامعة، فإن خطر مساعدة مؤسسة تعليمية مدعومة من الكونغرس تحت الحكم البريطاني قد أثنت الكثير من المحسنين المستعدين للتبرع للجامعة. وقد عد المسلمون الأصوليون كذلك الجامعة الجديدة كتهديد لجامعة عليكرة الإسلامية، والتي تعرف باسم «أكسفورد المسلمين». خلال تلك الأيام العصيبة، كان السيد حكيم أجمل خان هو من يغطي معظم نفقات الجامعة من جيبه الخاص. وقام الدكتور أحمد أنصاري والسيد عبد المجيد خواجة بجولة في داخل وخارج الهند، موضحين أهمية الجامعة الجديدة وجمعوا الأموال اللازمة لتلك المؤسسة النبيلة. وقد جنّب ذلك المجهود الجماعي الانهيار الذي بدا حينها وشيكا.
وفي عام 1925، وبعد مداولات طويلة، قررت مجموعة تتكون من 3 طلاب يدرسون في ألمانيا، وهم الدكتور ذاكر حسين (والذي صار رئيس الهند فيما بعد)، والدكتور عابد حسين، والدكتور محمد مجيب، القيام بخدمة الجامعة.
وقد توفي السيد حكيم أجمل خان في عام 1928. وجاءت وفاته كبداية للأزمة المالية الثانية التي شهدتها الجامعة، حيث أصبح حكيم صاحب ذاته هو الذي يفي بمعظم الاحتياجات المالية للجامعة. وفي تلك المرة تعهد جمع من المعلمين في الجامعة بقيادة السيد ذاكر حسين بالعمل لصالحها براتب 150 روبية لمدة 20 عاما. وتذكر السيد ذاكر حسين في وقت لاحق تلك الأيام بمزيد من التفاؤل غير القابل للانهزام في وجه الفساد «عندما كان لديهم شوق للبناء وليس معهم ما يبنون به شيئا»، واصفا إياها بأيام السعادة.
في عام 1935، كانت الجامعة الملّية الإسلامية تعمل حتى ذلك الحين من المواقع المؤقتة لها في كارول باغ، حتى تمكنت دلهي من تأمين الأموال لبناء موقعها الحالي في جاميا نجار. ودفن الدكتور ذاكر حسين في حرم الجامعة وضريحه معروف ومفتوح للجميع.
يقول البروفسور إس إم أخطر، عميد الجامعة الملّية الإسلامية «كُلف المهندس المعماري الألماني كارل هاينز بالعمل في ذلك المشروع مع تعليمات واضحة بأنه غير مسموح بأي شكل من الأشكال إدراج عناصر العمارة البريطانية أو المغولية في تصميم الجامعة، وذلك اتساقا مع الموقف المناهض للإمبريالية والذي اتخذه الآباء المؤسسون للجامعة منذ البداية. كذلك، أراد مؤسسو الجامعة الابتعاد قدر الإمكان وبمنتهى الوضوح عن الصورة النمطية للعمارة الإسلامية، وذلك أيضا اتساقا مع أفكارهم الليبرالية والثورية».
يمنحك المسير في حرم الجامعة إدراكا للنظرة العالمية اليسارية التي استشرفتها الجامعة يوما ما، وربما لا تزال. وتحمل الكثير من مراكز وقاعات وحدائق وبوابات، بل وممرات الجامعة أسماء الكثير من الشخصيات. فهناك مجمع نعوم تشومسكي، وقاعة إدوارد سعيد الكبيرة، وقاعة ياسر عرفات الصغيرة، وحتى قاعة كيه إم أشرف المصغرة، والتي تحمل اسم المؤرخ الماركسي. بالإضافة إلى ذلك، أطلق اسم خالدة أديب، الروائية النسوية التركية والتي ظلت في الجامعة الملّية الإسلامية في عام 1935، على قاعة البنات بالجامعة. ويقول البروفسور حسن: «إن تلك الأسماء تعكس الطابع العالمي للجامعة الملّية الإسلامية».

* الجامعة الملّية الإسلامية محطة جذب للأجانب
انتشرت سمعة الجامعة الملّية الإسلامية كحركة تعليمية مبتكرة بين كبار الشخصيات من الدول الأجنبية والذين بدأوا في زيارة الجامعة. ومن بينهم: حسين رؤوف بيه (1933)، والدكتور بهجت وهبي من القاهرة (1934)، والسيدة خالدة أديب من تركيا (1935). وبدأ الأجانب، الذين تأثروا بالجامعة، بالعمل فيها بالفعل، حيث خدمت السيدة الألمانية جيردا فيليبسبورن (والمعروفة شعبيا هناك باسم آبا جان) بالخدمة في الجامعة الملّية الإسلامية لسنوات كثيرة ودفنت هناك عقب وفاتها.
وزارت شخصيات أجنبية بارزة كثيرة الجامعة الملّية الإسلامية خلال زيارتها إلى مدينة نيودلهي. ومن بين أولئك الأشخاص الذين زاروا الجامعة كان المارشال تيتو (1954)، والملك ظهير خان ملك أفغانستان (1955)، والأمير فيصل ولي عهد المملكة العربية السعودية آنذاك، والملك رضا شاه بهلوي ملك إيران (1956)، والأمير مكرم شاه (1960). وفي أوائل عام 2006 قام عاهل المملكة العربية السعودية الملك عبد الله بن عبد العزيز بزيارة تاريخية إلى الجامعة وتبرع بمبلغ 30 مليون دولار من أجل بناء مكتبة في الجامعة.

* مكتبة الدكتور ذاكر حسين
لدى الجامعة الملّية الإسلامية الكثير من المكتبات الملحقة بمختلف الكليات. وتعد المكتبة المركزية المعروفة باسم مكتبة الدكتور ذاكر حسين واحدة من مراكز الفعاليات المهمة في الجامعة، وهي أفضل مكان لتبادل وتقاسم المعرفة في الحرم الجامعي. وهي تضم مجموعة من القطع الأثرية تتكون من 400 ألف قطعة، بما في ذلك الكتب، والميكروفيلم، والمجلدات الدورية، والمخطوطات، والكتب النادرة.

* الجامعة الملّية الإسلامية اليوم
تعد الجامعة من الناحية التاريخية من المؤسسات الوطنية الأكثر أهمية في الهند في الوقت الحالي. وربما لا توجد مؤسسة هندية أخرى اضطرت لمواجهة الكثير من المعارضة السياسية خلال مراحل بنائها من دون تمييع أهدافها. حتى الدرجات العلمية التي منحتها الجامعة لم تكن تعد صالحة من الناحية الدراسية إبان الحكم البريطاني. وتعد قصة نموها من مؤسسة صغيرة في الهند ما قبل الاستقلال إلى جامعة مركزية يقع مقرها في العاصمة نيودلهي، وتقدم التعليم المتكامل من رياض الأطفال وحتى الأبحاث في المجالات التخصصية، من ملاحم التفاني والقناعة ورؤية الناس الذين عملوا في مواجهة كل العقبات ورأوها تنمو خطوة بخطوة.
الجامعة الملّية الإسلامية من الجامعات السكنية التي توفر مرافق الإعاشة لكل من الطلاب والطالبات. وتجري إجراءات القبول في نزل الجامعة على أساس الجدارة. وتحتوي كافة نزل الجامعة على مرافق من مطاعم، ورعاية طبية، واتصالات، وخلافه. وتعتني الجامعة بالتنمية الشاملة للمتعلمين، وبالتالي فهي توفر المرافق الرياضية والألعاب، وغير ذلك من الأنشطة. وهناك الكثير من المناقشات، والمسابقات، ومنافسات الهوايات التي تعقد من وقت لآخر. وتوفر الجامعة كذلك مرافق الإعاشة للأساتذة وأعضاء هيئة التدريس.

* الهيكل الأكاديمي
تضم الجامعة الملّية الإسلامية 9 كليات، بها 11 ألف طالب، و1500 من أعضاء هيئة التدريس، حيث تقدم من خلال تلك الكليات برامج أكاديمية ودراسات عليا: كلية الهندسة والتكنولوجيا، وكلية التربية، وكلية الدراسات الإنسانية واللغات (وتقدم الكلية برامج اللغة العربية، والدراسات الإسلامية، واللغات الفارسية والتركية، والآداب في درجة الدكتوراه، والماجستير - ما قبل الدكتوراه)، ودرجة الدراسات العليا، ودرجة التخرج، والدبلومات، ودورات الشهادات الدراسية، وكلية الحقوق، وكلية العلوم الطبيعية، وكلية العلوم الاجتماعية، وكلية الهندسة المعمارية والدراسات العمرانية، ومركز البحوث متعدد التخصصات في العلوم الأساسية.
بالإضافة إلى ذلك، لدى الجامعة الملّية الإسلامية 20 مركزا للتعليم والأبحاث، مثل مركز أبحاث الإعلام (MCRC)، وأكاديمية دراسات العالم الثالث (ATWS)، وخلافه. وتقدم الجامعة الملّية الإسلامية مختلف المناهج لدرجات التخرج والدراسات العليا في المعلومات والتكنولوجيا. وبصرف النظر عن ذلك، تمتلك الجامعة شبكة واسعة في الحرم الجامعي تربط بين عدد كبير من الأقسام والمكاتب. وذكر البروفسور طلعت أحمد، نائب مستشار الجامعة الملّية الإسلامية، أن الجامعة بصدد إنشاء كلية للطب ومستشفى، فضلا عن نظام ائتماني اختياري للدراسات متعدد التخصصات. ومع الدفعة المتجددة حيال البحث، قال نائب المستشار، إن الجامعة تقدمت كذلك في ترتيب «التايمز» لجامعات التعليم العالي في العالم.

* الانتساب والعضوية
اتحاد جامعات الكومنولث (ACU)، واتحاد الجامعات الهندية (AIU)، مجلس التعليم عن بعد (DEC)، اتحاد جامعات العالم الإسلامي (FUIW).
وتوفر الجامعة الملّية الإسلامية التعليم من مستوى الحضانة وحتى مستوى التعليم الثانوي للكبار. وهي تمتلك حضانة للأطفال، ومدرسة متوسطة، ومدرسة للتعليم الثانوي.



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.


جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة
TT

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

تم تصنيف جامعة ياغيلونيا في مدينة كراكوف البولندية كأفضل مؤسسة تعليمية جامعية في البلاد، إلى جانب كونها واحدة من أعرق الجامعات في العالم. بدأت قصتها عام 1364 عندما نجح الملك كازيمير الأعظم بعد سنوات طويلة في إقناع البابا أوربان الخامس بمنح تصريح لإنشاء مؤسسة للتعليم الجامعي في مدينة كراكوف، قام الملك بتمويلها بعائدات مناجم فياليتشكا الملحية القريبة.
بعد ثلاث سنوات كان الجرس يدق في أرجاء المؤسسة معلناً عن بدء الدروس والتي كانت في الفلسفة والقانون والطب. وبدأت الجامعة، التي كان أول اسم يطلق عليها هو أكاديمية كراكوف، في الازدهار والنجاح خلال القرن التالي عندما بدأت في تدريس الرياضيات واللاهوت والفلك، حيث جذبت تلك المواد الباحثين والدارسين البارزين من مختلف أنحاء أوروبا. وتطلب توسعها بخطى سريعة إنشاء حرم جامعي أكبر. وقد التحق نيكولاس كوبرنيكوس، الذي أحدث بعد ذلك ثورة في فهم الكون، بالجامعة منذ عام 1491 حتى 1495.
مع ذلك، لم يستمر ما حققته الجامعة من نجاح وازدهار لمدة طويلة كما يحدث طوال تاريخ بولندا؛ ففي عام 1939 احتل النازيون مدينة كراكوف وألقوا القبض على الأساتذة بالجامعة وقاموا بنقلهم إلى معسكري التعذيب زاكزينهاوسين، وداخاو؛ ولم يعد الكثيرون، لكن من فعلوا ساعدوا في تأسيس جامعة مناهضة سرية ظلت تعمل حتى نهاية الحرب. كذلك اضطلعت جامعة ياغيلونيا بدور في الاحتجاجات المناهضة للنظام الشمولي في الستينات والثمانينات، واستعادت حالياً مكانتها المرموقة كمؤسسة لتدريب وتعليم النخبة المتعلمة المثقفة في بولندا.
ساعد انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004 في زيادة موارد الجامعة، وفتح أقسام جديدة، وإنشاء مرافق أفضل منها ما يسمى بـ«الحرم الجامعي الثالث» أو «الحرم الجامعي للذكرى الـ600» في منطقة بيخوفيسه. وبلغ عدد الملتحقين بالجامعة في 87 برنامجا دراسيا خلال العام الدراسي 2015-2016 47.494 طالباً.
وطوال قرون التحق خلالها عدد كبير من الطلبة بالجامعة، كان التحاق أول طالبة بالجامعة يمثل حدثاً بارزاً، حيث قامت فتاة تدعى نوفويكا، بالتسجيل في الجامعة قبل السماح للفتيات بالالتحاق بالجامعة بنحو 500 عام، وكان ذلك عام 1897، وتمكنت من فعل ذلك بالتنكر في زي شاب، وكانت الفترة التي قضتها في الدراسة بالجامعة تسبق الفترة التي قضاها زميل آخر لحق بها بعد نحو قرن، وكان من أشهر خريجي الجامعة، وهو نيكولاس كوبرنيكوس، الذي انضم إلى مجموعة عام 1492، وربما يشتهر كوبرنيكوس، الذي يعد مؤسس علم الفلك الحديث، بكونه أول من يؤكد أن الأرض تدور حول الشمس، وهو استنتاج توصل إليه أثناء دراسته في الجامعة، ولم ينشره إلا قبل وفاته ببضعة أشهر خوفاً من الإعدام حرقاً على العمود. من الطلبة الآخرين المميزين كارول فويتيالا، والذي يعرف باسم البابا يوحنا بولس الثاني، الذي درس في قسم فقه اللغة التاريخي والمقارن بالجامعة.


«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
TT

«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»

يقضي الباحثون في العالم العربي أوقاتاً من البحث المضني عن المراجع الإلكترونية التي تساعدهم في تحقيق أغراضهم البحثية. ويدرك هذه المشقة الباحثون الساعون للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه، فإذا لم يكن لديه إمكانية الدخول إلى قواعد البيانات العلمية العالمية عبر إحدى المكتبات الكبرى، التي عادة لا تتاح كاملة أيضاً، فإن عملية البحث سوف تكلفه آلاف الدولارات لمتابعة والوصول لأحدث الأوراق العلمية المتصلة بمجال بحثه، أو أن مسح التراث العلمي سيتوقف لديه على المراجع الورقية.
بينما يحظى الباحثون في مجال البحوث التربوية بوجود «شمعة»، وهي شبكة المعلومات العربية التربوية (www.shamaa.org) التي توفر لهم أحدث البحوث والدوريات المحكمة من مختلف الجامعات العربية، وبثلاث لغات، هي: العربية، والفرنسية، والإنجليزية مجاناً.
تأسست «شمعة» عام 2007 في بيروت كقاعدة معلومات إلكترونية، لا تبغي الربح، توثق الدراسات التربوية الصادرة في البلدان العربية في مجمل ميادين التربية، من كتب ومقالات وتقارير ورسائل جامعية (الماجستير والدكتوراه) وتتيحها مجاناً للباحثين والمهتمين بالدراسات التربوية. تتميز «شمعة» بواجهة إلكترونية غاية في التنظيم والدقة، حيث يمكنك البحث عن مقال أو أطروحة أو كتاب أو فصل أو عدد أو تقرير. فضلاً عن تبويب وفهرسة رائعة، إذ تشتمل اليوم على أكثر من 36000 ألف دراسة، موزعة بنسبة 87 في المائة دراسات عربية، و11 في المائة دراسات بالإنجليزية و2 في المائة بالفرنسية، وهي دراسات عن العالم العربي من 135 جامعة حول العالم، فيما يخص الشأن التربوي والتعليم، إضافة لأقسام خاصة بتنفيذ مشاريع في التربية كورش تدريبية ومؤتمرات.
لا تتبع «شمعة» أي جهة حكومية، بل تخضع لإشراف مجلس أمناء عربي مؤلف من شخصيات عربية مرموقة من ميادين مختلفة، وبخاصة من الحقل التربوي. وهم: د. حسن علي الإبراهيم (رئيساً)، وسلوى السنيورة بعاصيري كرئيسة للجنة التنفيذية، وبسمة شباني (أمينة السر)، والدكتور عدنان الأمين (أمين الصندوق) مستشار التعليم العالي في مكتب اليونيسكو، وهو أول من أطلق فكرة إنشاء «شمعة» ورئيسها لمدة 9 سنوات.
تستمر «شمعة» بخدمة البحث التربوي بفضل كل من يدعمها من أفراد ومؤسّسات ومتطوعين، حيث تحتفل بالذكرى العاشرة لانطلاقتها (2007 - 2017)، وهي تعمل حاليا على إصدار كتيب يروي مسيرة العشر سنوات الأولى. وقد وصل عدد زائريها إلى نحو 35 ألف زائر شهرياً، بعد أن كانوا نحو ألفي زائر فقط في عام 2008.
تواصلت «الشرق الأوسط» مع المديرة التنفيذية لبوابة «شمعة» ببيروت د. ريتا معلوف، للوقوف على حجم مشاركات الباحثين العرب، وهل يقومون بمدّ البوابة بعدد جيّد من الأبحاث والدراسات، أم لا تزال المعدلات أقل من التوقعات؟ فأجابت: «تغطّي (شمعة) الدراسات التربوية الصّادرة في 17 دولة عربيّة بنسب متفاوتة. ولا شك أن حجم مشاركات الباحثين العرب بمد (شمعة) بالدراسات قد ارتفع مع الوقت، خصوصاً مع توّفر وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي سهّلت لهم عملية المشاركة».
وحول طرق تزويد «شمعة» بالأبحاث والدراسات، أوضحت معلوف أن ذلك يتم من خلال عدّة طرق، وهي: «توقيع اتفاقات شراكة مع كليات التربية في الجامعات العربية والمجلات التربوية المحكمة ومراكز الأبحاث التي تعنى بالتربية والتعليم، كما تتيح اتفاقية تعاون مع مركز المعلومات للموارد التربوية (إريك) (ERIC) تزويد (شمعة) بالدراسات الصادرة باللغة الإنجليزية من الدول العربية أو من باحثين عرب. ونعتبر أن الشراكة مع (إريك) هي خطوة كبيرة ومن أهم الإنجازات كمؤسسة عربية، وأيضاً من خلال اشتراكات بالمجلات الورقية التربوية المحكمة العربية، أو عبر الدراسات المتاحة إلكترونياً على شبكة الإنترنت بالمجان أي عبر مصادر الوصول الحر للمعلومات (Open Access)».
وتضيف: «الجدير بالذكر أيضاً أن (شمعة) وقعت اتفاقية من مستوى عالمي مع شركة (EBSCO Discovery Service EDS) التي تعتبر من أهم موزعي قواعد المعلومات في العالم العربي والغربي».
وتوضح معلوف أنه «يمكن تزويد (شمعة) بالدراسات مباشرة من الباحث عبر استمارة متوافرة على موقع (شمعة)، حيث يقوم الفريق التقني من التأكد من توافقها مع معايير القبول في (شمعة) قبل إدراجها في قاعدة المعلومات».
وحول ما إذا كان الباحثون العرب لديهم ثقافة التعاون الأكاديمي، أم أن الخوف من السرقات العلمية يشكل حاجزاً أمام نمو المجتمع البحثي العلمي العربي، قالت د. ريتا معلوف: «رغم أن مشاركة نتائج الأبحاث مع الآخرين ما زالت تخيف بعض الباحثين العرب، إلا أنه نلمس تقدماً ملحوظاً في هذا الموضوع، خصوصاً أن عدد الدراسات المتوافرة إلكترونياً على شبكة الإنترنت في السنين الأخيرة ارتفع كثيراً مقارنة مع بدايات (شمعة) في 2007، إذ تبلغ حالياً نسبة الدراسات المتوافرة مع نصوصها الكاملة 61 في المائة في (شمعة). فكلما تدنّى مستوى الخوف لدى الباحثين، كلما ارتفعت نسبة الدراسات والأبحاث الإلكترونيّة. وكلما ارتفعت نسبة الدراسات الإلكترونية على شبكة الإنترنت، كلما انخفضت نسبة السرقة الأدبية. تحرص (شمعة) على نشر هذا الوعي من خلال البرامج التدريبية التي تطورّها وورش العمل التي تنظمها لطلاب الماستر والدكتوراه في كليات التربية، والتي تبيّن فيها أهمية مشاركة الأبحاث والدراسات العلمية مع الآخرين».
وحول أهداف «شمعة» في العشر سنوات المقبلة، تؤكد د. ريتا معلوف: «(شمعة) هي القاعدة المعلومات العربية التربوية الأولى المجانية التي توّثق الإنتاج الفكري التربوي في أو عن البلدان العربية. ومؤخراً بدأت (شمعة) تلعب دوراً مهماً في تحسين نوعية الأبحاث التربوية في العالم العربي من خلال النشاطات والمشاريع البحثية التي تنفذها. وبالتالي، لم تعدّ تكتفي بأن تكون فقط مرجعيّة يعتمدها الباحثون التربويون وكلّ من يهتمّ في المجال التربوي عبر تجميع الدراسات وإتاحتها لهم إلكترونيّاً؛ بل تتطلّع لتطوير الأبحاث التربوية العلمية، وذلك لبناء مجتمع تربوي عربي لا يقلّ أهمية عن المجتمعات الأجنبية».