مارتن براستغوي... ملك نجوم ميشلان

طاهٍ برتبة سفير لإقليم الباسك الإسباني

الشيف مارتن براستغوي الحائز ثلاث نجوم ميشلان
الشيف مارتن براستغوي الحائز ثلاث نجوم ميشلان
TT

مارتن براستغوي... ملك نجوم ميشلان

الشيف مارتن براستغوي الحائز ثلاث نجوم ميشلان
الشيف مارتن براستغوي الحائز ثلاث نجوم ميشلان

تعد أي محادثة تُجرى مع الشيف الإسباني الشهير مارتن براستغوي (Martin Berasategui) بمثابة رحلة حقيقية إلى المذاق الرائع الذي يسهل ترجمته إلى نكهات سان سيباستيان فائقة التميز من إقليم الباسك الإسباني، التي تسمى مدينة «دونوسيتا» باللغة المحلية هناك. وهي المنطقة المفعمة بكثير من النكهات الخاصة، ضمن عروض الطعام الإسبانية الاستثنائية الجميلة.
كانت المقابلة ودية طيبة لطيفة للغاية. والشيف من أهل البلاد، وهو يصف جملة تجاربه وتفاصيلها بكل مشاعره وكيانه، مما نقلني بلا تردد مني إلى السوق المحلية في سان سيباستيان الذي مر الشيف الشهير عليه في صباح ذلك اليوم، بغية الحصول على أفضل المكونات وأكثرها روعة، لاستعمالها في إعداد المأكولات المحلية، بوصفاتها التي تناقلتها الأجيال.
بدأ مارتن براستغوي مسيرته المهنية قبل 44 عاماً، وهو ليس مجرد طاهٍ للأطعمة، بل إنه أحد الطهاة المعدودين الحائزين على نجوم ميشلان، وذلك من خلال الموهبة الفذة، والابتكار الرائع، والشغف العميق بعمله، ولكن قبل كل شيء بسبب إيمانه الصادق بغريزته وذوقه الطبيعي.
ورغم شهرة المأكولات الإسبانية حول العالم، فلن يكون من الممكن التغافل عن تقاليد الطبخ المميزة في إقليم الباسك الإسباني، فهو من المكونات الأساسية في الحمض النووي للطهاة هناك. والمأكولات والأصناف المبتكرة، التي تعد عملاً فنياً مفعماً بالألوان في المقام الأول، لا يمكن إدراكها أو تقديرها من دون فهم وإدراك طبيعة إقليم سان سيباستيان أولاً.
«أعتقد أن الطبيعة هي أفضل الكتب المؤلفة عن إقليم سان سيباستيان حتى الآن. وإنني أقدر المكان الذي شهد مولدي ونشأتي تقديراً عظيماً، وأحاول تلمس الخيوط كافة التي تتجمع بين يدي في المطاعم التي مررت بها، مشاهداً الأساليب غير المكتوبة لفنون الطهي التي أترجمها إلى ممارسات فعلية ملموسة».
كانت رحلة حياته عبارة عن وثبات من التحول والابتكار. وكان قد بدأ منذ سن صغير للغاية، إذ لم يتجاوز 15 عاماً، في مطعم العائلة الذي يحمل اسم بوديغون اليخاندرو، ولا يزال يحمل ذكريات ذلك المطعم وتلك الأيام حية داخل وجدانه. وهو يتذكر أنه كانت هناك 23 سلمة في الداخل، فضلاً عن غرف تناول الطعام المختلفة، حيث كان الناس يأتون من مختلف المهن والحرف لتناول الطعام في هذا المطعم. ولقد تعلم هناك بلوغ حد الامتياز في النكهات، وتقدير أهمية إمدادات الطعام، من اللحوم إلى الأسماك والفاكهة والتوابل، تلك التي توفرها لهم أرضهم والطبيعة من حولهم.
وقد تلقى في سن مبكرة الأساليب والأسرار من الجزارين والصيادين والطهاة ذوي الشهرة في تلك المنطقة. ومنذ بلوغه سن 17 عاماً، كانت أيام العطلات الأسبوعية مخصصة لمطعم العائلة، حيث كان يتعلم المعجنات والآيس كريم والشوكولاته. كما كان متميزاً في ذلك كثيراً لأن معلمه الأول هو الشيف الفرنسي البارع جان بول هينار، ثم الشيف أندريه مانديون.
وظلت حياته المهنية عبارة عن بحث وسعي مستمر عن أفضل النكهات، كما يقول عن نفسه، وجوع دائم للتجربة والتفرد والتميز.
«عندما كنت طفلاً صغيراً، أردت أن أعمل طاهياً عندما أكبر، وكانت عندي شكوك قوية في قدرتي على تأمين معيشتي من ذلك. فلا بد من العمل والإتقان والإحساس بالسعادة في حياتك المهنية، ضمن إطار صارم من الانضباط. وعليك أن تملأ حياتك بالمشاريع، مع البحث المستمر عن كل ما هو جديد»؛ وذلك هو سر نجاحه الأكيد.
وعند سن 21 عاماً، اتخذ قراراً بأن يفتح أبواب حياته أمام النجاح الذي لا يمكن إيقافه. ولا يُصدق قدر التفاصيل الذي يصف به ذلك الشيف ذكرياته المحببة لهذه المهنة، لدرجة أنني انتقلت بنفسي إلى تلك الطاولة، حيث كان يجلس ويسرد اللحظة التي قررت فيها والدته وخالته، وكانتا تشرفان على إدارة مطعم العائلة الشهير، أن الوقت قد حان للتقاعد والاستراحة.
وبعد مرور 4 سنوات، حصل على أول نجمة من نجوم ميشلان: «كانت النجمة الوحيدة التي منحوها لشيف يعمل في مطعم بسيط في الطابق السفلي بأحد المباني؛ لقد تغيرات حياتي جراء ذلك. ومن هناك، تحولت حياتي إلى ما يشبه الحلم الجميل».
وعند الحديث عن تلك النجوم، يقول بلهجة متحمسة للغاية: «هناك أحاسيس لا يمكن التعويل عليها، بل يتعين عليك ملامستها ورؤيتها، ولكي تفعل ذلك لا بد أن تتطرق إلى ما بين لحمي وعظمي حتى تدرك بنفسك ما أشعر به تماماً».
كل من إبداعاته، وكثير منها يتأتى من الأساليب والمكونات التي لم أسمع بها من قبل، يحمل كثيراً من بصمات وسمات أسلوبه الفريد المميز. ويبدو أن ذلك الشيف يمنح نفسه بالكامل إلى شغفه بالطعام في كل يوم، وأطباقه الرائعة خير دليل على ذلك. ويقع مطعمه الذي يحمل اسمه في سان سيباستيان، حيث يقضي جزءاً كبيراً من العام، وهناك قائمة خاصة في المطعم، ولكنه يقول إن كثيرين من رواد المطعم يفضلون توصياته اليومية لطبق اليوم.
وعندما سألته عن مذاق الأرض هنا، لم يتردد الشيف مارتن براستغوي في الإجابة اللحظية «إنه السحر»، ثم يستطرد في وصف مكوناته المفضلة، والقطعة الخاصة التي يعشقها من سمك الهاك، المعروفة باسم «كوكوشاس دي ميرلوزا» باللغة الإسبانية، وأعترف بأنني لم أسمع عنها من قبل أبداً.
«إنها من المنتجات الإقليمية، وهي لا تؤكل إلا في هذا الجزء من العالم، وهي من عجائب الطبيعة هنا، ومن جواهر الطعام التي تلامس الذوق الرفيع في كل مرة تحظى بتناولها».
وتُجهز قطع سمط الهاك بإضافة زيت الزيتون والثوم والفلفل الحار الطازج والمقدونس المفروم، تلك التي تشكل في مجموعها الصلصة الطبيعية المصاحبة لتناول السمك.
وهو دائماً ما يتحدث عن الابتكار والأساليب المستحدثة الجديدة، رغم أنه يحمل تقاليد العائلة العريقة بين جنباته. وهو يقول عن ذلك: «لقد أنجزنا ومررنا بأشياء وأمور مذهلة في هذا المنزل. من رافيولي الحبار الطبيعي، إلى المحار مع عصائر الزيتون الأخضر، التي كنت أتبلها بالخس البحري الهش، وهلام الأسماك المصنوع من السمك المنقوع والمدخن في المنزل».
إن الحديث إلى مارتن براستغوي لبضع دقائق يعد بمثابة درس مستمر في فنون النكهات من بلاده، والفخر الذي يساوره أينما حل جراء ذلك. ومن ثم، تحظى فنون الطهي لديه بشهرة وسمعة عالمية، وهي ليست لأجل نجوم ميشلان الراقية فحسب.
وقد زار كثير من الناس إقليم الباسك بسبب ما عرفوه عن هذا المطعم، وصاحبه، وأساليب الطهي الرائعة هناك. ولذلك جرى تعيينه سفيراً لسان سيباستيان، كمنحة شرف وتكريم من المدينة وأهلها. وكان من جانبه قد أعد وصفة مبتكرة يمكن تحضيرها في كل منزل من منازل المدينة بكل سهولة.
ويملك براستغوي مطاعم في أكبر المدن الإسبانية، مثل مدريد وبرشلونة. وقبل 10 سنوات، كان يملك مطاعم في منطقة الشاطئ في المكسيك، وفي جمهورية الدومينيكان. وما بين ديسمبر (كانون الأول) ومارس (آذار) من كل عام، يقضي تلك الأيام في إعداد فنون الطهي والمأكولات في تلك الأماكن. وتستمر رحلة نجاحه في التطور بقدر نمو واتساع مشاريعه، إذ إن إبداعه لا يعرف التوقف أو الالتزام بالحدود.



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».