الحراك الشعبي يُحرج «التيار الوطني الحر»

جنود لبنانيون يحاولون فتح طريق أغلقها محتجون شمال بيروت أمس (أ.ف.ب)
جنود لبنانيون يحاولون فتح طريق أغلقها محتجون شمال بيروت أمس (أ.ف.ب)
TT

الحراك الشعبي يُحرج «التيار الوطني الحر»

جنود لبنانيون يحاولون فتح طريق أغلقها محتجون شمال بيروت أمس (أ.ف.ب)
جنود لبنانيون يحاولون فتح طريق أغلقها محتجون شمال بيروت أمس (أ.ف.ب)

يبدو «التيار الوطني الحر» أكثر القوى السياسية المُحرجة مما آلت إليه الأوضاع في الشارع اللبناني. فرغم أن معظم الفرقاء والأحزاب اللبنانية ممثلة اليوم في الحكومة، فإن استحواذ «التيار» على الأكثرية النيابية والوزارية وكذلك رئاسة الجمهورية، يجعل أي مطالبة بـ«إسقاط النظام» أو بثورة شعبية موجهة ضده بشكل مباشر.
وحاول رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل استيعاب التطورات، فاعتبر أن ما يحصل غير موجه ضدهم «إنما هو لصالح مطالبنا ومطالب الناس ولصالح البلد»، مشيراً إلى أنه «كان متوقعاً والآتي أعظم إن لم يتم الاستدراك». وقال في كلمة له بعد لقائه مع وفد من التكتل الذي يتزعمه بالرئيس ميشال عون: «ما نحن بصدده قد يكون فرصة كما يمكن أن يتحوّل إلى كارثة كبيرة ويدخلنا بالفوضى والفتنة». وفيما اتهم «بعض الداخل بامتطاء الموجة الشعبية الصادقة لتحقيق غاياته السياسية المعلنة من إسقاط العهد والحكومة والمجلس المنتخب بشكل تمثيلي صحيح»، عرض لخطة عمل ودعا إلى تنفيذها قبل إقرار الموازنة، تقوم على رفع السرية المصرفية، والتصدي للتهريب الشرعي وغير الشرعي والتهرب الضريبي وزيادة التصدير وتخفيض الاستيراد وإطلاق العمل بخطة «ماكينزي» و«سيدر» ووضع سياسة حكومية لإعادة النازحين.
واعتبر مصدر قيادي في التيار العوني أن هناك من يحرك الشارع اليوم وأنه يتم استغلال الناس الذين خرج قسم منهم ليعبر عن وجعه. وتساءل في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «ما هو أصلاً المطلب الموحد الذي يرفعونه؟». وأضاف: «أما انضمام (القوات) و(التقدمي الاشتراكي) إلى المتظاهرين فيندرج في إطار النكايات السياسية... ويبقى السؤال حول عدم قدرة الثنائي الشيعي على ضبط شارعه».
وفي المواقف المحدودة الصادرة عن مسؤولين في «الوطني الحر»، قال عضو تكتل «لبنان القوي» النائب زياد أسود: «سبق أن قلنا وكررنا: الضرائب لا تحل الأزمة. الحل باسترداد المال المنهوب وفتح السجون». وأضاف: «مكابرة وطائفية وتسلط وفجور. انتهت مرحلة وستأتي أخرى».
أما النائب سليم عون فتوجه إلى «الصادقين والذين يعبّرون بحق عن وجعهم»، قائلاً: «انتبهوا إلى من يستغل صرختكم، إلى من يحوّل تحرككم لتحقيق أهدافه وهي غير أهدافكم، وإلى أين ستصلون؟» مضيفاً: «أهدافكم تتحقق بدعمكم لفخامة الرئيس (ميشال عون) وبالوقوف إلى جانبه وليس باستهدافه والإساءة إليه».
من جهته، وجّه النائب شامل روكز نصيحة لرئيس الجمهورية ميشال عون فدعاه إلى تغيير الحكومة وتشكيل أخرى مصغرة، معتبراً أن من فشلوا يجب أن يدفعوا ثمن فشلهم.
وبينما يتحدث العونيون عن حملة منظمة تستهدف العهد لإفشاله، يتهم باقي الفرقاء الوزير باسيل بالخروج عن الإجماع الوطني واعتماد خطاب شعبوي يؤدي إلى توتير الأجواء وانهيار التفاهمات والتسويات ما يؤثر سلباً على الاستقرار الداخلي.
ويشير عضو تكتل «لبنان القوي» جورج عطا الله إلى أن هناك إرباكاً كبيراً في البلد وعرقلة لحكومة الوحدة الوطنية، معتبراً أنه كان من الأفضل قيام «حكومة أكثرية تحكم بعيداً عن مفهوم تدوير الزوايا الذي لا يأتي بنتيجة تذكر». ويرى عطا الله في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن هناك فريقاً سياسياً يطمح لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء من خلال «سعيه لاستمرار النهج القائم منذ أكثر من 30 عاماً على تقاسم ثروات البلد والمواقع في مؤسسات الدولة». ويستهجن عطا الله سعي بعضهم إلى «اختصار العهد بشخص رئيس الجمهورية»، مشدداً على أن «الحكم الفعلي بيد السلطة التنفيذية مجتمعة، وبالتالي إذا نجح العهد نجح كل من هم في منظومة الحكم وإذا فشل فشلوا أجمعين».
وإذا كان الكباش السياسي بين «الوطني الحر» وكل من «التقدمي الاشتراكي» و«القوات اللبنانية» مستمراً منذ فترة رغم الهدن الهشة، فإن العلاقة مع تيار «المستقبل» اهتزت بقوة مؤخراً على خلفية المواقف الأخيرة لباسيل سواء في جامعة الدول العربية؛ حيث دعا لعودة سوريا إليها أو في «ذكرى 13 تشرين» التي أعلن خلالها نيته التوجه إلى دمشق. وفي هذا الإطار، يؤكد مستشار رئيس الحكومة النائب السابق عمار حوري أن ما قاله باسيل لا يعبر عن موقف الحكومة وما ورد في بيانها الوزاري ويندرج في إطار «الكلام الشعبوي» الذي لا يُبنى عليه والذي لا يخدم الاستقرار السياسي.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.