الرئيس الفرنسي: ما تقوم به تركيا شمال شرقي سوريا «ضرب من الجنون»

قال إن «الغرب والأطلسي فقدا المصداقية في المنطقة ونريد الوصول إلى الاستقلالية الاستراتيجية لا أن نبقى تابعين»

TT

الرئيس الفرنسي: ما تقوم به تركيا شمال شرقي سوريا «ضرب من الجنون»

انتقد الرئيس الفرنسي بشدة العملية العسكرية التركية في شمال شرقي سوريا، وعدها «ضرباً من الجنون». ولم يتردد ماكرون في تحميل تركيا «المسؤولية الكبرى» في احتمال فرار المتطرفين المحتجزين لدى «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، أو انبعاث «داعش» مجدداً، وهي المبررات التي ساقتها باريس منذ البداية لرفض العملية التركية، والتنديد بها.
وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده في بروكسل، والذي نقله موقع قصر الإليزيه الإلكتروني، أشار إيمانويل ماكرون إلى التقدم الذي أحرزه الأوروبيون في الاتفاق على حظر مبيعات الأسلحة كافة إلى أنقره، وهو ما كان قد عجز عنه وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين الماضي، إضافة إلى «الإجماع» في إدانة الهجوم التركي، رغم ميل بعض دول أوروبا الشرقية إلى التساهل معه، ومن بينها المجر وبولندا، ومطالبة أنقرة بوضع حد فوري لهذا الهجوم.
وكشف ماكرون عن اجتماع رباعي «في الأسابيع المقبلة»، في لندن، سيضمه والمستشارة الألمانية ورئيس الوزراء البريطاني من جهة، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان من جهة أخرى، على الأرجح على هامش القمة الأطلسية التي تستضيفها العاصمة البريطانية. ومن المفترض التئام هذه القمة يومي 3 و4 ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وأكد الرئيس الفرنسي أن اللقاء المرتقب سيركز على العملية العسكرية التركية، ووضع الحلف الأطلسي تجاهها.
بيد أن الرئيس الفرنسي لم يرمِ المسؤولية على تركيا وحدها. فقد سبق لباريس أن انتقدت وبشدة، وعلى مختلف المستويات، قرار الرئيس الأميركي سحب قواته من شمال شرقي سوريا، والتخلي عن قوات «قسد» التي «كانت حليفة الأطلسي في الحرب على (داعش)». وبعكس تأكيدات الرئيس التركي الذي يرى في «قسد» تنظيماً إرهابياً، وامتداداً لحزب العمال الكردستاني، فقد وصف ماكرون مقاتلي هذه القوات بأنهم «مقاتلون من أجل الحرية». وبرأي الرئيس الفرنسي، فإن ما يحصل في شمال شرقي سوريا «خطأ جسيم ارتكبه الغرب والحلف الأطلسي في المنطقة»، وإن إحدى نتائجه ستكون «إضعاف مصداقيتنا في إيجاد شركاء في المنطقة يثقون بنا، ويقاتلون إلى جانبنا وهم متأكدون من حمايتنا الدائمة لهم».
وبنظر ماكرون، فإن الرابحين من التطورات التي شهدها شمال شرقي سوريا في الأيام الأخيرة هم ثلاثة: تركيا وروسيا وإيران. ويريد ماكرون الذي تواصل مع إردوغان أكثر من مرة من الاجتماع المقبل معه أن «يفهم ما تريده، وإلى أين هي ذاهبة».
والأمثولة الكبرى التي يستخلصها الرئيس الفرنسي هي الغياب الأوروبي في الشرق الأوسط، وهو «منطقة استراتيجية لأوروبا، وعلينا إعادة بناء قدرة عسكرية ذاتية هناك. لم يعد بوسع أوروبا أن تظل شريكاً صغيراً في الشرق الأوسط». ولذا، فإن ما يطمح إليه هو «بناء قدرات استراتيجية (أي عسكرية) تمكن أوروبا من أن تكون لها استقلاليتها الاستراتيجية، لا أن تبقى شريكاً تابعاً» للولايات المتحدة الأميركية.
وكشف ماكرون، أمس، أن ترمب لم يبلغه سلفاً بقراره سحب القوات الأميركية، بل أرسل له مجرد «تغريدة» لوضعه في الصورة. وقد فوجئت فرنسا بالقرار الأميركي، الأمر الذي دفعها إلى اتخاذ إجراءات سريعة خاصة بأمن المدنيين والعسكريين الفرنسيين الذين كانوا في منطقة سيطرة «قسد»، والطلب من العراق تسلم متطرفيها الموجودين في المعتقلات الكردية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.