خلافات تهدد بتأخير الموازنة اللبنانية

رغم ترجيح وزيري المال والإعلام احتمال إقرارها اليوم في مجلس الوزراء

جانب من اجتماع مجلس الوزراء أمس (دالاتي ونهرا)
جانب من اجتماع مجلس الوزراء أمس (دالاتي ونهرا)
TT

خلافات تهدد بتأخير الموازنة اللبنانية

جانب من اجتماع مجلس الوزراء أمس (دالاتي ونهرا)
جانب من اجتماع مجلس الوزراء أمس (دالاتي ونهرا)

تواجه الحكومة اللبنانية عقبات كبيرة قد تحول دون إقرار موازنة العام 2020 ضمن المهلة الدستورية التي تقتضي إصدارها بمرسوم قبل الثلاثاء المقبل وإحالتها على مجلس النواب لإقرارها.
ورغم التفاؤل الذي عبّر عنه وزير المال علي حسن خليل، وقوله إن الموازنة «في الشوط الإضافي الأخير، والأرجح أن تكون جلسة الجمعة (اليوم) الجلسة النهائية»، إلا أن الخلافات بين أعضاء اللجنة الوزارية المكلّفة دراسة المشروع لم تجد حلاً.
ولا تزال المواقف الاعتراضية تتسع داخل لجنة الموازنة، لا سيما من وزراء حزب «القوات اللبنانية» الذين يبدون معارضة شديدة لغياب الإصلاحات، ولحق بهم وزير «حزب الله» محمود قماطي الذي رفض فرض ضرائب جديدة.
وأمام هذا النقاش الحادّ، استبعد الخبير المالي والاقتصادي الدكتور مروان إسكندر أن تبصر الموازنة النور قريباً. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لو كانت هناك نيّة حقيقية للإصلاح لبدأوا بملف الكهرباء الذي يشكل 63 في المائة من عجز الخزينة».
وذكّر إسكندر بأن المبعوث الفرنسي لمتابعة تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر» السفير بيار دوكان، أبلغ المسؤولين بأن «الحل يبدأ بإصلاح قطاع الكهرباء، وإذا لم يتحقق ذلك عبثاً تحاولون الحصول على أموال سيدر». وأشار إلى أن «الخطة التي قدمتها وزيرة الطاقة (ندى البستاني) تقضي باستئجار أربع بواخر بكلفة 1.5 مليار دولار وعلى مدى ثلاث سنوات، فهل هكذا نحقق الإصلاحات؟». وشدد على أنه «لا انفراج اقتصاديا ومالياً في ظلّ حكم غير متناسق».
ويشكّل وزراء «القوات اللبنانية» رأس حربة في رفض معظم بنود موازنة 2020 التي تعتمد المعايير نفسها التي اعتمدت في موازنة العام 2019. وأشار عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب وهبة قاطيشا إلى أن فريقه السياسي «يعارض الموازنة في الصيغة الموضوعة حالياً وسيصوّت ضدها في الحكومة وفي البرلمان». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا يمكن زيادة مداخيل الخزينة إذا كان الوعاء مثقوباً، وطالما الإيرادات تذهب في مزاريب الهدر والسرقة».
ودعا قاطيشا إلى «إقرار حزمة إصلاحات ضرورية، على رأسها وقف التهرب الجمركي، ووقف التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية، ومعالجة أزمة الكهرباء المستفحلة، والتوظيف الذي يستخدم كرشوة انتخابية». ولم ينف وجود خلاف حقيقي داخل اللجنة الوزارية المكلفة دراسة الموازنة. وقال إن «الخلاف الأول معنا حول الإصلاحات التي نطالب بها، والثاني بين المكونات السياسية الأخرى حول الضرائب المنوي فرضها».
ولم يقارب مشروع الموازنة الجديد كيفية معالجة التهرب الضريبي وحلّ معضلة الكهرباء. ولفت عضو كتلة «التحرير والتنمية» (كتلة حركة «أمل» التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه برّي)، أن «الموازنة الجديدة لا تبشّر بالخير، إذا كانت قائمة على فرض مزيد من الضرائب على اللبنانيين». وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أوصيا بعدم فرض ضرائب، لأن الاقتصاد اللبناني يعاني انكماشاً واختناقاً، يترافق مع نسبة الفوائد المرتفعة». وقال جابر وهو وزير سابق للاقتصاد إن «هناك مشكلة حقيقية في بنية الاقتصاد اللبناني، تستلزم قرارات جدية لمعالجتها، تبدأ بمعالجة الهدر الكبير في قطاع الكهرباء».
وسأل: «أي إصلاحات تعد بها الحكومة، وهي تطلب ما بين مليار ونصف المليار وملياري دولار لتمويل عجز الكهرباء سنوياً؟ ولماذا لا تأخذ بالعروض المقدمة من دول شقيقة، بينها مصر التي عرضت تزويد لبنان بالغاز المضغوط لمحطات الكهرباء بدل المازوت والفيول، وبما يوفر على الخزينة نصف مليار دولار سنوياً؟».
من جهته، أعلن نائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني في تصريح أن رافضي مشروع الموازنة «يرفضون إلغاء العقود غير القانونية للموظفين الذين أدخلوهم إلى المؤسسات العامة والهيئات ويتجرأون على اتهام غيرهم»، في إشارة إلى آلاف الوظائف التي حُملت على موازنة الدولة خلال موسم الانتخابات الماضية.
وقال حاصباني: «فليصدر مجلس الوزراء قراراً بإلغاء كل هذه العقود فور تحديد الأسماء من قبل ديوان المحاسبة ومن دون مماطلة». وأضاف: «نحن أثبتنا نيتنا ولم نجدد عقود مراقبي وزارة الصحة في 2018. وألغينا عقود موظفين في التنمية الإدارية فأرونا ماذا ستفعلون وكفوا عن تضليل الناس».
ورجح وزير الإعلام جمال الجراح أن تكون جلسة الحكومة اليوم هي الأخيرة للانتهاء من مشروع الموازنة، وذلك في ختام الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء أمس. وأعلن عن «إقرار معظم البنود المدرجة على جدول الأعمال، وأهمها إقرار استراتيجية الحدود التي تهدف إلى ضبط الحدود مع الدول المجاورة واستراتيجية الهواء التي تقدم بها وزير البيئة، وهذه مسألة مهمة بمعالجة الوضع البيئي».
وأعلن عن «تفويض وزير الاتصالات بتجديد الاتفاق مع شركة سيتا القبرصية لمد كابل بحري جديد مكان الكابل الموجود حالياً والذي يؤمن الإنترنت للبنان»، على أن يعيد إطلاقه في مناقصة جديدة لخط جديد بين قبرص ولبنان. ورداً على سؤال حول عدم البحث في الموازنة في جلسة أمس، أوضح: «إننا أخذنا وقتاً في إقرار بنود جدول الأعمال، وغداً هناك جلسة إن شاء الله للانتهاء من الموازنة».
وأكدت مصادر مطلعة أن خطة الحدود أقرت من دون اعتراض أي فريق، لكن سجالاً حصل بعد الجلسة بين وزير الدفاع إلياس بوصعب ووزير العمل في «القوات اللبنانية» كميل أبو سليمان على خلفيتها. إذ أعلن الأخير أن حزبه اعترض على خطة الحدود التي تقدم بها بوصعب لأنها «لا تتضمن استراتيجية كاملة لضبط المعابر غير الشرعية».
وردّ وزير الدفاع على وزير العمل قائلاً: «كنت أعتقد أن الوزير أبو سليمان لم يقرأ الخطة فحسب، إذ تبين أنه لم يعلم على ماذا اعترض أيضاً، فما طلبت تعديله وحصل هو استبدال عبارة (الدول المجاورة) الواردة في السطر الأول بالنص الأساسي المرفق، بعبارة (الدول الصديقة) كي لا تكون إسرائيل مشمولة بهذا الموضوع».
ورد أبو سليمان مرة ثانية على بوصعب، معلّقا على قوله إن وزراء «القوات اللبنانية» لم يكونوا على اطلاع على خطة الحدود، قائلاً: «أوضح للرأي العام أن الوزير بوصعب أدخل تعديلات على الخطة وتلاها شفهياً، منها أنه يعتبر سوريا دولة صديقة، ما أثار اعتراضنا وتم استبدال العبارة. ثم سألت الوزير بوصعب عما إذا كان يعتبر أن الخطة تتضمن استراتيجيته لضبط المعابر غير الشرعية، ففوجئنا بأنه أجاب بنعم، رغم أن الخطة بنظرنا غير كافية لضبط المعابر غير الشرعية».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».