تعبئة بعد ليلة من أعمال العنف في كاتالونيا

الحكومتان المركزية والإقليمية تطالبان بالتهدئة... لكن خلافاتهما مستمرة

تجمع طلابي في ميدان الجامعة بوسط برشلونة أمس دعماً للانفصال وضد قرار المحكمة بسجن القادة الانفصاليين (رويترز)
تجمع طلابي في ميدان الجامعة بوسط برشلونة أمس دعماً للانفصال وضد قرار المحكمة بسجن القادة الانفصاليين (رويترز)
TT

تعبئة بعد ليلة من أعمال العنف في كاتالونيا

تجمع طلابي في ميدان الجامعة بوسط برشلونة أمس دعماً للانفصال وضد قرار المحكمة بسجن القادة الانفصاليين (رويترز)
تجمع طلابي في ميدان الجامعة بوسط برشلونة أمس دعماً للانفصال وضد قرار المحكمة بسجن القادة الانفصاليين (رويترز)

منذ الحرب الأهلية الإسبانية التي انتهت في العام 1939 لم تشهد مدينة برشلونة مثل أعمال العنف التي اندلعت منذ ليل الاثنين الماضي في أعقاب قرار المحكمة العليا بسجن قيادات الحركة الانفصالية لفترات تتراوح بين تسع سنوات و13 سنة، والتي بلغت ذروتها مساء أوّل من أمس الأربعاء عندما كانت النيران تندلع في عشرات الأحياء والساحات العامة من العاصمة الكاتالونية بعد أن أقدمت جماعات من المتظاهرين على إحراق سيارات وحاويات في مواجهات عنيفة مع الشرطة وأجهزة مكافحة الشغب. وللمرة الأولى تحدثت شرطة المنطقة عن رشقها بزجاجات حارقة وبالحمض. وحاول متظاهرون من دون أن ينجحوا إصابة مروحية للشرطة بأسهم نارية. وأعلنت فرق الإنقاذ أن 96 شخصا جرحوا الأربعاء في أربع مدن في المنطقة، 58 منهم في برشلونة وحدها. وكان 125 شخصا جرحوا في المواجهات ليل الثلاثاء الأربعاء. وتحدثت وزارة الداخلية عن إصابة 46 من عناصر شرطة المنطقة والشرطة الوطنية، بعضهم إصاباتهم خطيرة، وتوقيف 33 شخصا بينهم 12 في برشلونة. وامتدت المواجهات إلى مدن أخرى بينها تاراغون وليدا. وواصل الانفصاليون أمس الخميس تعبئتهم لليوم الرابع على التوالي.
وبعد لقائه مع زعماء الأحزاب الرئيسية الثلاثة الممثلة في البرلمان، أكّد رئيس الحكومة بيدرو سانشيز أن الدولة سوف «تضمن حقوق الجميع في كاتالونيا بحزم واعتدال واتحاد جميع مؤسساتها». وطالب سانشيز القيادات الانفصالية أن تدين بشكل صريح وقاطع أعمال العنف، وحذّر قائلا: «ردّ الحكومة على التطورات في كاتالونيا سيتوقّف على موقف القيادات الانفصالية والقرارات التي تتخذها». وشدّد على ضرورة أن يبادر رئيس الحكومة الإقليمية جواكيم تورّا وجميع أعضاء حكومته، إلى إدانة العنف من غير تردد، لكنه دعا إلى الهدوء والتروّي إزاء الدعوات المطالبة باتخاذ إجراءات أمنية استثنائية وتفعيل المادة 155 من الدستور لتعليق الحكم الذاتي في كاتالونيا.
وقال سانشيز: «لن أسمح للعنف بأن يقضي على التعايش» فيما كانت أعمال العنف والتخريب تتوالى في معظم المدن الكاتالونية، من غير أن يصدر عن رئيس الحكومة الإقليمية أي موقف يدين هذه الأعمال رغم أن الذين يؤيدون اللجوء إلى العنف لا يزيد عددهم على 10 في المائة من سكان الإقليم وفقاً لاستطلاع أجرته الحكومة الإقليمية مؤخراً.
لكن بعد صدور تصريحات تدين أعمال العنف على لسان الكثير من أعضاء الحكومة الإقليمية، ومن بينها نائب الرئيس «بيري آراغونيس» الذي ينتمي إلى حزب اليسار الجمهوري، وجّه تورّا رسالة عبر التلفزيون قال فيها: «الحركة الانفصالية ليست حركة عنيفة. سبق لنا أن نبذنا العنف وما زلنا ندينه. ولا يمكن أن نسمح لجماعات من المندسّين والاستفزازيين بتشويه صورة الحركة الانفصالية وتدميرها، ولن نقع في هذا الفخّ».
وقال: «لا يمكن أن نسمح لأنفسنا بالتراجع خطوة إلى الوراء في الدفاع عن حقنا الثابت في تقرير المصير»، مؤكدا أن «الخوف والتهديدات لن تهزمنا». ووعد بالتوصل إلى الاستقلال خلال سنتين.
وكان تورّا قد قام بزيارة القياديين المعتقلين وصرّح قائلا إنهم يؤيدون التحركات الشعبية. لكن بعد ساعات قليلة صدر بيان عن هؤلاء القياديين يؤكدون فيه أن العنف لا يمثلهم، ودعوا إلى التهدئة والحفاظ على أمن المواطنين وسلامتهم وممتلكاتهم. وتفيد مصادر قريبة من القوى الانفصالية بأن ثمّة «معركة أخرى ضارية داخل الحكومة الإقليمية» التي تطالب غالبية أعضائها بوضع حد لتصعيد أعمال العنف، لكن من غير أن يجرؤ أحد حتى الآن على معارضة الرئيس بصورة علنية، خاصة في هذه الظروف التي تحول دون مقاربة هادئة للوضع المرشّح للخروج عن السيطرة في أي لحظة.
وبعكس ما شهدته برشلونة وكاتالونيا في خريف العام 2017 خلال الاستفتاء الانفصالي، تنشط الشرطة الإقليمية هذه المرة في مواجهة المتظاهرين بحزم وتنسيق كامل مع الأجهزة الأمنية المركزية. وقال وزير الداخلية الإقليمي، في ردّه على الانتقادات التي وجّهت إلى الشرطة الإقليمية بسبب قسوتها في التعامل مع المتظاهرين «من غير المسموح أن تتكرر الأحداث التي شهدناها في الأيام الماضية: أكثر من 250 حريقا وحواجز لقطع الطرقات والمواصلات العامة وإصابة أكثر من 200 شخص بجراح»، وأكّد أن الأجهزة الأمنية ستعود إلى التدخّل بنفس القسوة إذا تجاوز المتظاهرون الخطوط الحمراء. وفي الوقت الذي تتباين مواقف القوى الانفصالية من التحركات الشعبية وأعمال العنف الواسعة التي ترافقها، لم تتمكّن الحكومة المركزية من توحيد موقف مواقف الأحزاب الدستورية الرئيسية الأربعة، أي الحزب الاشتراكي الحاكم والحزب الشعبي وحزب «مواطنون» وحزب «بوديموس»، بعد الاجتماعات المنفردة التي عقدها رؤساء هذه الأحزاب مع رئيس الحكومة. وتريد المعارضة أن يستعيد السيطرة على قوات الأمن التي كلفت بها سلطات المنطقة وحتى تعليق الحكم الذاتي لكاتالونيا كما فعلت مدريد بعد المحاولة الانفصالية.
وسيترأس سانشيز الذي أرسل تعزيزات إلى المنطقة الغنية الواقعة في شمال شرقي إسبانيا، اجتماعا للجنة متابعة الوضع قبل أن يتوجه إلى بروكسل لحضور القمة الأوروبية حول بريكست. وقالت أنا باستور القيادية في الحزب الشعبي اليميني الخميس إن سانشيز والاشتراكيين «تجاوزتهم الأحداث ولا يريدون اتخاذ قرارات». الحزب الشعبي وحزب «مواطنون» يطالبان سانشيز باتخاذ إجراءات أمنية استثنائية والتمهيد لتفعيل المادة 155 من الدستور وتعليق الحكم الذاتي في إقليم كاتالونيا، فيما أعلن زعيم حزب «بوديموس» اليساري دعمه غير المشروط لسانشيز بعد أن كان قد أعلن منذ يومين أنه لن يؤيده إلا إذا قرر فتح باب الحوار مع الأحزاب الانفصالية.
وبات من الواضح، بعد دخول الأزمة الكاتالونية نفقاً مفتوحاً على كل الاحتمالات، أن الحملة التي كانت الأحزاب السياسية تستعد لإطلاقها استعداداً للانتخابات العامة في العاشر من الشهر المقبل، باتت مرهونة بشكل كلّي بتطورات الوضع على الجبهة الانفصالية التي قد يدفع الحزب الاشتراكي الحاكم ثمناً باهظاً لأي خطأ يرتكبه في التعاطي معها. وكاتالونيا منقسمة حول قضية الاستقلال. فحسب آخر استطلاع للرأي نشرته حكومة المنطقة في يوليو (تموز)، يؤيد 44 في المائة من الكاتالونيين استقلال منطقتهم مقابل 48.3 في المائة يعارضون ذلك.



مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.