رغم كل العون الذي قدمته في تيسير أعمال اتحاد الرغبي ومعاونتها الأخيرة للعداء إليود كيبتشوغ، يبقى السؤال: ما التأثير الذي يمكن أن تخلفه تكنولوجيا الليزر على عفوية الفعاليات الرياضية؟
وأثناء تحقق الظاهرة التاريخية المتمثلة في فوز سيمون بايلز بلقب عالمي خامس لها في الجمباز، الأسبوع الماضي، فعلت بايلز حركات دقيقة بجسدها يصعب على العين البشرية التقاطها في التو. ومع هذا، لم يكن هناك أدنى قلق من تفويت فرصة الاستمتاع بمشاهدة أي منها لأن عدسات الليزر موجودة.
أما السبب فهو أن كل حركة صدرت عنها، وكذلك عن منافسيها الـ546 جرى رصدها وتسجيلها من قبل أجهزة استشعار ثلاثية الأبعاد تعمل بالليزر مخبأة داخل صناديق تحيط بأرض استاد شتوتغارت. تولت شركة «فوجيتسو» تطوير هذه الأجهزة المعتمدة في مركزها على نظام ذكاء صناعي. يجري جمع قياسات أجساد المتسابقين من المتنافسين ـ في حالة القليلين الذين رفضوا الاستجابة، جرى الاعتماد على صيغة معيارية ـ وجرى رصد حركاتهم لتحديد الوضع والزاوية والسرعة، ومعالجة المعلومات على نحو فوري ونقلها إلى الحكام في صورة رسومات غرافيك باعتبارها تحليلا واضحا وفوريا لكل أداء. وربما تعتقد أن هذا كفيل بتسوية أي مشكلات، ذلك أنه سيعني غياب المشكلات المرتبطة بالرؤية مثلما حدث مع الحكم المنتمي لبيلاروسيا الذي فضل المتسابقة الروسية، كما لن تكون هناك ادعاءات بتعمد الحكام الصينيين تقليل تقييم الفريق الأميركي، أو العكس ـ نظرياً، على الأقل.
من الناحية العملية، سيسهم النظام الجديد ـ الذي ربما يجري استخدامه في دورة ألعاب طوكيو الأولمبية، العام المقبل ـ بالتأكيد في تحسين قدرة الحكام على الحصول على تقديرات دقيقة. ويحمل النظام إمكانات واعدة تؤهله لأن يكون أداة تدريبية مفيدة في أيدي المدربين، وقد يصبح مصدراً إضافياً للمعلومات والترفيه للمشاهدين. ومع هذا، قال مدرب جمباز إيطالي في تصريحات لصحيفة «نيويورك تايمز»: «لا يمكن للكومبيوتر إدراك الجانب الفني أو المشاعر التي تحملها حركات اللاعبين. بإمكان الكومبيوتر رؤية كل الزوايا على نحو أفضل من الحكام بالتأكيد، لكن يستحيل عليه تقييم الجانب الفني».
في الرياضات التي لا تمثل الجوانب الفنية بها أهمية، يبدو المستقبل من نصيب الأجهزة المعتمدة على عدسات أشعة الليزر. وقد حصل العالم على لمحة سريعة من ذلك المستقبل عندما كسر العداء إليود كيبتشوغ زمن ساعتين في مسافة الماراثون، بينما انطلقت أمامه مجموعة من العداءين المساعدين وانطلقت أشعة الليزر الخضراء على الطريق في فيينا من سيارة رياضية جرى تكييفها خصيصاً بحيث يمكن قياس سرعتها بأجزاء من 0.1 كيلومتر في الساعة.
وتضاءل الإعجاب تجاه الإنجاز الهائل الذي حققه كيبتشوغ بعض الشيء عندما انتشرت معلومة أنه كان يرتدي نسخة جديدة للغاية من حذاء «فابورفلاي» من إنتاج «نايكي» لم تخضع لتفحص وموافقة الكيان المنظم للماراثون. وقد أوضح ذلك أن قدمي كيبتشوغ خلال السباق كانتا تنتميان ليس إلى حقل الرياضة، بقدر ما كانتا تنتميان إلى حقل الأداء البشري المعزز باستخدام العلم. أما تقييم القيمة الحقيقية لهذا الإنجاز الرياضي لدى اقتطاعه بعيداً عن مجال المنافسات المرتبطة بقواعد محددة، فأمر يختلف من شخص لآخر.
ويحسب أيضا لشركة «إينيوس» البريطانية العملاقة للصناعات البتروكيماوية، ذات الحضور المتنامي في عالم الرياضة، دورها في إنجاز كيبتشوغ التاريخي، لأنها هي من نظمت الحدث من ألفه إلى يائه، واستعانت بالليزر وكل الوسائل التكنولوجية.
لا شيء يوقف الملياردير البريطاني جيم راتكليف، من ألعاب القوى إلى الدراجات الهوائية مرورا بكرة القدم، والأرجح أن انتصار كيبتشوغ لن يوقف اندفاع مشواره الطويل مع محاولات تحطيم الأرقام القياسية.
بعد ثوان من اجتيازه خط الوصول في فيينا، وجد كيبتشوغ الذي ارتدى قميصا حمل شعار «إينيوس» مع ابتسامة عريضة، راتكليف يحتضنه بعد قدومه شخصيا إلى العاصمة النمساوية للإشراف على إنجاز قطعه مسافة 42 كيلومترا و195 مترا بزمن ساعة و59 دقيقة و40 ثانية.
إلا أن أجهزة استشعار الليزر كانت لتلعب دوراً مفيداً للغاية بالتأكيد، الأسبوع الماضي، عندما استمر لاعبو خط الدفاع في منتخب ويلز في إطلاق تمريرات أمامية في محاولة لتسجيل هدف خلال مباراة في إطار بطولة كأس العالم للرغبي أمام أوروغواي في كوماموتو. في نهاية الأمر، لم تكلفهم مثل هذه الخروقات للقاعدة الأساسية الأولى للعبة، الفوز ونجحوا في الصعود إلى دور ربع النهائي. ومع هذا، تبقى الحقيقة أن أداءهم كان مثيراً للإحباط ويعكس شعورا واضحا باللامبالاة. ولم يكن هذا أمراً مثيراً للدهشة على نحو كامل بالنظر إلى أنه مر وقت ليس بالقصير منذ المرة الأخيرة التي ركز خلالها المدربون تفكيرهم على تحقيق قدر أكبر من اللياقة البدنية في صفوف اللاعبين وتعزيز تفكيرهم التكتيكي، على نحو دفعهم للعب بشكل هجومي من أجل خلق فجوات أو الدخول في مواجهة مع دفاع الخصم في أسرع وقت ممكن.
المعروف أنه منذ سنوات قليلة، اشتعل جدال حول ما يشكل تمريرة هجومية وبذلت محاولات علمية كثيرة شجاعة، لكنها لم تكن حاسمة. ومع اللجوء إلى تقنية حكم الفيديو، زادت سهولة رصد التجاوزات، لكن في مجال كرة القدم دفعت تقنية حكم الفيديو المساعد الحكم الموجود داخل الملعب لإبداء قدر أكبر من التردد إزاء اتخاذ القرارات، وذلك لعلمه أن التكنولوجيا المساعدة سوف تعفيه من عبء إصدار قرار قاطع.
من ناحية أخرى، ومع مرور خمس دقائق من مواجهة ويلز وكرواتيا، سجل هالام أموس ثالث هدف له يتعرض للإلغاء. وبعد إلغاء الهدفين الأولين له بعد اللجوء إلى حكم الفيديو، ألغي الهدف الثالث لعجزه عن التشبث بالكرة أثناء سقوطه بجوار علم الزاوية الخاص بالضربات الركنية. في الواقع، كان ينبغي إلغاء الهدف بالفعل بسبب التمريرة الرابعة التي سبقت سقوطه الأخير. إلا أن هذا الأمر لم يطرح من الأساس. الغريب أن أنغوس غاردنر دعا حكم الفيديو لحسم أمر المخالفة الثانية، وليس الأولى.
من يدري، ربما في يوم ما سيجري قياس أداء لاعبي الرغبي الدوليين على ذات النحو الذي خضع له لاعبو الجمباز في شتوتغارت، وذلك من خلال تعقب أدائهم بأجهزة ليزر فورية قائمة على طول خطوط التماس. أيضاً، سيجري متابعة الكرة، وسيتمكن حكم الفيديو من رؤية ما إذا كانت الكرة مضت نحو الأمام أثناء انتقالها من مجموعة من الأيدي إلى أخرى. ومن شأن ذلك إسراع وتيرة عملية تتسم أحياناً ببطء قاتل ولا تنجح في كل الأوقات في إصدار حكم لا خلاف عليه. كما أن المشاهدين في المنازل سيكون بمقدورهم اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانوا يرغبون في مشاهدة مباراة ما مع عرض أشعة الليزر والبيانات الأخرى، أو بشكل طبيعي.
المؤكد أن الجميع يرغبون في الحصول على قرارات دقيقة، وهناك جمهور متشوق بالتأكيد للاطلاع على تحليلات أكثر تفصيلاً. ومع ذلك، لو حسم الاختيار لصالح هذا المسار الرياضي الخاضع لشاشات التلفزيون، لا أحد يعلم إلى أين سنصل في النهاية، وكيف سيكون تأثير ذلك على نوبات الجدال ومشاعر الإثارة والترقب التي تشكل جزءا أساسيا من عالم الرياضة اليوم.
عدسات الليزر ودورها الحاسم في الرياضة
سجلت الإنجاز الخارق للعداء كيبتشوغ وفوز الظاهرة التاريخية بايلز في الجمباز
عدسات الليزر ودورها الحاسم في الرياضة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة