تحليل إخباري: ترمب ماضٍ في سياسة الانسحاب من سوريا لتوريط الآخرين

TT

تحليل إخباري: ترمب ماضٍ في سياسة الانسحاب من سوريا لتوريط الآخرين

هل أوقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب نظيره التركي رجب طيب إردوغان في فخ سياسي، قد تكون نتائجه السلبية على تركيا أكبر بكثير من المكاسب التي اعتقد إردوغان أنه سيحققها جراء هجومه على شمال سوريا؟
سؤال يطرح بقوة في واشنطن بعد سلسلة المواقف المتناقضة التي أطلقها ترمب عبر «تويتر»، حول قراره بالانسحاب من شمال شرقي سوريا الذي جاء إثر مكالمة هاتفية مع إردوغان في السادس من الشهر الحالي. وإذ اعتبر ضوءاً أخضر للعملية العسكرية التركية ضد الأكراد، والتهويل بفرض عقوبات قاسية على تركيا، بدا أن الرئيس الأميركي يتلاعب بأصدقائه وحلفائه، ويمهد لسياسات ولمرحلة جديدة، لم يخف ترمب رغبته في إحداثها في الملف السوري والمنطقة برمتها.
هناك من يقول إن الانسحاب الأميركي قد يكون هدية لروسيا التي يرغب ترمب في تمكينها من إدارة هذا الملف، لكنه يغرق اللاعبين الآخرين، وعلى رأسهم تركيا في وحول متحركة، لم تحسب حسابها القيادة التركية بشكل جيد.
ترمب ظهر في قراراته الأخيرة التي أعلن بموجبها أنه سيفرض عقوبات قاسية على تركيا، وكأنه يستجيب للضغوط التي اندلعت حتى من أقرب حلفائه السياسيين سواء في الكونغرس الأميركي أو من حلفاء واشنطن الخارجيين، الذين وصفوا قرار الانسحاب «بالمتهور والخطر». غير أن الكثير من السياسيين والعسكريين الأميركيين والمراقبين والمسؤولين السابقين، اعتبروا أن تصريحاته ومواقفه لا يمكن الاطمئنان إلى ثباتها.
تغريداته الأولى اعتبرت إشارة للرئيس التركي لبدء عمليته العسكرية، عندما أعلن بداية قراره سحب 50 جندياً أميركياً من بلدتي راس العين وتل أبيض. وما لبثت تغريداته أن تغيرت ليتحدث عن الحروب العبثية والصراعات التاريخية بين الأتراك والأكراد، وأزمات المنطقة التي لا تنتهي.
ثم اتبعها بتغريدات أعاد التأكيد فيها على التحالف مع القوات الكردية وبأن واشنطن لن تتخلى عنهم، ليعود مرة أخرى ويؤكد أن قرار الانسحاب من سوريا ليس جزئياً، بل سيشمل كل منطقة عمليات القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا.
وعلى الرغم من اعتراضات الحلفاء والمعارضين، فإن ترمب تمسك بقرار الانسحاب، الذي بدا أنه ينسقه بشكل كامل مع البنتاغون، رغم تصريحات قادته التي شهدت تغييراً هي الأخرى بين ليلة وضحاها، بعدما خضعت تلك القيادة لتغييرات جوهرية، أثمرت عن قيادة سلسة تخضع بشكل كامل لقرارات ترمب. ترمب اتهم في تغريدة له صباح الاثنين: «الأشخاص الذين أوصلونا إلى الفوضى في الشرق الأوسط هم أنفسهم الأشخاص الذين يرغبون في البقاء هناك!» ليتبعها بتغريدة أخرى يتهم فيها الأكراد بأنهم قد يكونون هم الذين يطلقون سراح مقاتلي «داعش» من أجل إجبار الولايات المتحدة على تغيير موقفها. وقال: «قد يكون الأكراد يطلقون سراح بعضهم لتوريطنا. لكن يمكن لتركيا والدول الأوروبية، حيث جاء أغلبهم، إعادة اعتقالهم بسهولة، لكن عليهم التحرك بسرعة». ورفض ترمب اتهامه بأن قرار سحب القوات الأميركية قد يكون السبب في هرب سجناء تنظيم «داعش» وعودتهم إلى أوروبا، وقال في تغريدة: «أوروبا كان لديها الفرصة لاسترداد مقاتلي (داعش)، لكنها لا تريد تحمل التكلفة... دعوا الولايات المتحدة تدفع».
من جهة أخرى، تساءل ترمب عما إذا كان البعض يريد منه مقاتلة حليف في الناتو. وقال في تغريدة أخرى «عقوبات كبيرة على تركيا قادمة! هل يعتقد الناس حقاً أننا يجب أن نخوض حرباً مع تركيا العضوة في حلف الناتو؟ الحروب لن تنتهي أبداً!». وأضاف ترمب «الولايات المتحدة تحتجز الآن أسوأ عناصر (داعش). يجب ألا تسمح لهم تركيا والأكراد بالهرب. كان ينبغي على أوروبا إعادتهم بعد طلبات كثيرة. يجب عليهم فعل ذلك الآن. لن يأتوا أبداً إلى الولايات المتحدة أو سيسمح لهم بالدخول إليها!».
وقبل إصدار بيانه الذي أعلن فيه السماح لوزارتي التجارة والخزانة فرض عقوبات على تركيا، أطلق سلسلة تغريدات بدت وكأنها بطاقة اعتراف بإمكانية السماح لروسيا ولنظام الرئيس السوري بشار الأسد، لملء الفراغ والتحالف مع الأكراد لمواجهة تركيا.
وقال في تغريدة يوم الاثنين: «بعد هزيمة خلافة (داعش) بنسبة 100 في المائة، قمت بإخراج قواتنا إلى حد كبير من سوريا... لندع سوريا والأسد يحميان الأكراد ويحاربون تركيا من أجل أرضهم. قلت للجنرالات لماذا يجب أن نقاتل من أجل سوريا والأسد لحماية أرض عدونا؟ كل من يريد مساعدة سوريا لحماية الأكراد هو أمر جيد بالنسبة لي، سواء كان روسيا أو الصين أو نابليون بونابرت. آمل أن يفعلوا كل شيء رائع، فنحن على بعد 7 آلاف ميل!».
غير أن تجاهل تركيا تلك العقوبات واستمرارها في هجومها ودخول قوات النظام المدعومة من روسيا إلى بعض المناطق التي انسحب منها الأميركيون، وخصوصاً مدينة منبج، يظهر أن ترمب أبقى الباب مفتوحاً أمام تداعيات سياسية وعسكرية إضافية، خصوصاً أن «عقوباته» التي لم تشمل المصارف التركية، بدت أضعف من أن يكون لها أثر، وتوحي بأنها خطوات تجميلية لتحميل الآخرين مسؤولية الفوضى المقبلة.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.