باريس قلقة من فرار المتطرفين وتحمل واشنطن وأنقرة المسؤولية

TT

باريس قلقة من فرار المتطرفين وتحمل واشنطن وأنقرة المسؤولية

رمت باريس القفازات التي كانت تتعامل بها مع الولايات المتحدة الأميركية وقررت التخلي عن اللغة الدبلوماسية في توصيف سياسة واشنطن في سوريا وإزاء الأكراد وفي التعاطي مع تركيا. ولم يلجم رئيس الحكومة إدوار فيليب، الذي نادراً ما يخوض في ملف سياسة بلاده الخارجية، نفسه ولسانه؛ فشنّ هجوماً لاذعاً على الرئيس الأميركي وعلى تركيا، مركزاً على ما يشبه «الهوس» الفرنسي، أي انبعاث «داعش» وانهيار التحالف الذي حاربه منذ عام 2014.
وفي كلمة إلى النواب، أمس، وجّه إدوار فيليب أصابع الاتهام إلى واشنطن وأنقرة، محذراً من التبعات الخطيرة المترتبة على ما قاما به في الأيام الأخيرة: واشنطن التي سحبت قواتها المرابطة في الشمال الشرقي السوري من غير التشاور مع أحد، وأعطت بذلك الضوء الأخضر لتركيا لتنفيذ مخططاتها. وأنقرة التي أطلقت عمليتها العسكرية واسعة النطاق، وهما بذلك «تتحملان مسؤولية بالغة الخطورة». وقال فيليب، إن الإجراءات الأميركية - التركية ستؤدي لا محالة إلى عودة «داعش» إلى سوريا والعراق، معتبراً أن هذه العودة «حتمية» وأنها «سوف تدمر أمننا». ووصف فيليب القرارات التي صدرت عن العاصمتين بأنها جاءت «مدمرة». فهي من جهة مدمرة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» التي «ندين لها بالكثير في محاربة (داعش)». وهي من جهة أخرى مدمرة للمدنيين، فضلاً عن أنها تنسف الجهود الرامية إلى إعادة إطلاق المسار السياسي. والأهم من ذلك كله، بحسب فيليب، أنها أطاحت بجهود التحالف «في محاربة (داعش)» طيلة خمس سنوات، وبالتالي فإن «الفوضى» التي أخذت بالظهور «ستساعد «داعش» على الانبعاث مجدداً».
من جانبه، اعتبر وزير الخارجية أن تنظيم «داعش» «لم يمت» وأن مقاتليه إما يتخفون أو هم في المعتقلات؛ وهم بالتالي يتحينون الفرص للفرار والعودة إلى القتال. كذلك، شدد جان إيف لودريان على الكارثة الإنسانية التي تتسبب بها العملية العسكرية التركية التي تضاعف مآسي المدنيين. وفي حديث نشرته صحيفة «لو فيغارو» أمس، ركز لودريان على التغير «الجيوسياسي» المتأتي عن قرار الانسحاب الأميركي، وعن العملية التركية التي دفعت الأكراد إلى حضن النظام السوري. وبنظره، فإن الأولوية يجب أن تكون المحافظة على التحالف الدولي ومنع «داعش» من العودة إلى الساحة. كذلك، نبه لودريان إلى مسؤولية روسيا التي «ازدادت مسؤولياتها» التي يتعين عليها أن تندد بالهجوم التركي ما من شأنه إغراق المنطقة في حالة من الفوضى. ومجدداً طالب لودريان باجتماع للتحالف الدولي الذي يضم 80 دولة، بينها تركيا «لتوضيح الأمور» ومعرفة ما يريد ويخطط له كل طرف.
تعمل باريس على بلورة خطط وحلول للحؤول دون أن يفضي الوضع الحالي إلى توفير الفرصة للجهاديين للخروج من المعتقلات وإعادة تكوين خلاياهم وصفوفهم. لذا؛ أفاد لودريان بأنه سيتشاور مع المسؤولين العراقيين والأكراد حول كيفية تأمين آلاف من مقاتلي تنظيم «داعش» الأجانب المحتجزين في مخيمات وسجون سوريا. وقال لودريان لأعضاء البرلمان الفرنسي: «يمكنهم التحرك بسرعة إذا لم تكن على تلك المخيمات حراسة كافية. سأجتمع قريباً جداً مع زعماء عراقيين، ومنهم أكراد لضمان هذه الضرورة الملحة». وبعد أن كانت باريس متمسكة بمحاكمة جهادييها في الأماكن التي ارتكبوا فيها جرائمهم ورفض إعادتهم إلى فرنسا رغم الضغوط الأميركية والكردية، فإنها تستدير مجدداً نحو العراق لمعرفة ما يمكن فعله، علماً بأن العراق تسلم 11 جهادياً فرنسياً وحاكمهم وصدرت بحقهم أحكام بالإعدام، وهو الأمر الذي ترفضه باريس. ولم يعرف بعد ما إذا كانت الحرب الدائرة في الشمال الشرقي السوري ستدفع المسؤولين الفرنسيين إلى اتباع مقاربة مختلفة واستعادة جهادييها الذين يقدرون بنحو 140 رجلاً، إضافة إلى مئات عدة من الأطفال والنساء.
يبقى أن فرنسا تجد نفسها مضطرة بفعل الانسحاب الأميركي إلى ترحيل مدنييها، وخصوصاً نحو 260 من قواتها الخاصة الذين كانوا يعملون إلى جانب «قسد» ويركزون على محاربة الإرهاب وملاحقة الجهاديين. وقال رئيس الحكومة، أمس، إن «هدف باريس العمل على ضمان أمن هؤلاء» دون مزيد من الإيضاحات. وفي اليومين الأخيرين قامت وزيرة الدفاع فلورانس بارلي بإجراء اتصالات مع نظيريها الأميركي والتركي حول هذا الملف الذي يثير القلق في الأوساط الحكومية.



«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
TT

«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)

استهلت الجماعة الحوثية السنة الميلادية الجديدة بإطلاق حملات جباية استهدفت التجار وأصحاب ورؤوس الأموال في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، بغية إجبارهم على دفع الأموال لتمويل احتفالات الجماعة بما تسميه «جمعة رجب».

وتزعم الجماعة الحوثية أن دخول اليمنيين في الإسلام يصادف أول جمعة من شهر رجب الهجري، ويستغلون المناسبة لربطها بضرورة الولاء لزعيمهم عبد الملك الحوثي تحت ادعاء أن نسبه يمتد إلى علي بن أبي طالب الذي أدخل اليمنيين في الإسلام قبل أكثر من 14 قرناً هجرياً. وفق زعمهم.

وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن مشرفين حوثيين برفقة عربات ومسلحين يتبعون عدة مكاتب تنفيذية تابعة للجماعة، نفذوا حملات واسعة ضد متاجر ومؤسسات تجارية في عدة مديريات في المدينة، وأجبروا ملاكها على دفع جبايات، بينما أغلقوا عدداً من المتاجر التي رفض ملاكها التبرع.

وأكدت المصادر أن الانقلابيين شرعوا في توسيع أنشطتهم الاستهدافية في تحصيل الإتاوات أكثر مما كان عليه قبل أشهر ماضية، حيث لم تستثنِ الجماعة حتى صغار التجار والباعة المتجولين والسكان الأشد فقراً.

الانقلابيون سيطروا بالقوة على مبنى الغرفة التجارية في صنعاء (إعلام محلي)

وفي ظل تجاهل الجماعة المستمر لفقر السكان في مناطق سيطرتها، أقرت ما تسمى اللجنة العليا للاحتفالات والمناسبات في اجتماع لها بصنعاء، إطلاق برنامج الفعاليات المصاحب لما يُسمى ذكرى «جمعة رجب»، بالتوازي مع بدء شنّ حملات جباية على التجار والسكان الذين يعانون من ظروف معيشية حرجة.

وهاجم بعض السكان في صنعاء كبار قادة الجماعة لجهة انشغالهم بابتكار مزيد من الفعاليات ذات المنحى الطائفي وتخصيص ميزانية ضخمة لأعمال الدعاية والإعلان، ومكافآت ونفقات لإقامة الندوات وتحركات مشرفيها أثناء حشد الجماهير إليها.

وكانت تقارير محلية اتهمت في وقت سابق قيادات حوثية بارزة في الجماعة يتصدرهم حمود عباد وخالد المداني بجباية مليارات الريالات اليمنية من موارد المؤسسات الحكومية الخاضعة لسلطات الجماعة في صنعاء، لافتة إلى أن معظم المبالغ لم يتم توريدها إلى حسابات بنكية.

تعميم صوري

في حين زعمت وسائل إعلام حوثية أن تعميماً أصدره القيادي في الجماعة حمود عباد المعين أميناً للعاصمة المختطفة، يقضي بمنع إغلاق أي محل أو منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ ما سماها «الإجراءات القانونية»، نفى تجار وأصحاب مؤسسات تجارية بصنعاء توقّف عناصر الجماعة عن مداهمة متاجرهم وإغلاقها بعد رفضهم دفع جبايات.

تجمع للمارة في صنعاء أثناء محاولة اعتقال مالك أحد المطاعم (الشرق الأوسط)

وفي مسعى لتلميع صورتها عقب حملات التعسف كانت الجماعة أصدرت تعميماً يُلزِم قادتها في عموم المديريات والمكاتب التنفيذية في صنعاء بعدم إغلاق أي منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ «الإجراءات اللازمة».

وحض التعميم الانقلابي كل الجهات على «عمل برامج شهرية» لتنفيذ حملات نزول ميداني لاستهداف المتاجر، مرة واحدة كل شهر عوضاً عن تنفيذ حملات نزول يومية أو أسبوعية.

واعترفت الجماعة الحوثية بوجود شكاوى لتجار وملاك منشآت تجارية من قيام مكاتب تنفيذية في صنعاء بتحصيل مبالغ مالية غير قانونية منهم بالقوة، وبإغلاق مصادر عيشهم دون أي مسوغ قانوني.

توسيع الاستهداف

اشتكى تُجار في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من تصاعد كبير في حملات الاستهداف وفرض الإتاوات ضدهم عقب صدور تلك التعليمات التي يصفونها بـ«غير الإلزامية».

ويتهم عدد من التجار القياديَين حمود عباد وخالد المداني، والأخير هو مشرف الجماعة على المدينة، بتكثيف الأنشطة القمعية بحقهم وصغار الباعة وإرغامهم في كل حملة استهداف على دفع جبايات مالية مقابل السماح لهم بمزاولة أنشطتهم التجارية.

الحوثيون يستهدفون المتاجر والشركات لإجبارها على دفع الأموال (إعلام حوثي)

ويتحدث (أحمد.و)، مالك محل تجاري بصنعاء، عن استهداف متجره بسوق شعبي في حي السنينة بمديرية معين بصنعاء من قِبَل حملة حوثية فرضت عليه دفع مبلغ مالي بالقوة بحجة تمويل مناسبة «جمعة رجب».

وذكر أن عناصر الجماعة توعدته بالإغلاق والاعتقال في حال عدم تفاعله مع مطالبها غير القانونية.

وتحدث أحمد لـ«الشرق الأوسط»، عن إغلاق عدد من المتاجر في الحي الذي يعمل فيه من قِبَل مسلحي الجماعة الذين قال إنهم اعتقلوا بعض ملاك المحلات قبل أن يتم الإفراج عنهم بعد أن رضخوا لدفع الجبايات.