خطط مصرية لبناء نصف مليون وحدة سكنية سنوياً

نفذت 326 ألفاً العام الماضي باستثمارات تجاوزت 100 مليار جنيه

مصر أنشأت آلاف الوحدات العقارية بمنظومة الإسكان الاجتماعي (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مصر أنشأت آلاف الوحدات العقارية بمنظومة الإسكان الاجتماعي (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

خطط مصرية لبناء نصف مليون وحدة سكنية سنوياً

مصر أنشأت آلاف الوحدات العقارية بمنظومة الإسكان الاجتماعي (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مصر أنشأت آلاف الوحدات العقارية بمنظومة الإسكان الاجتماعي (تصوير: عبد الفتاح فرج)

تسعى مصر لزيادة نسبة بناء الوحدات السكنية، خلال الفترة المقبلة، لتصل إلى نصف مليون وحدة سنوياً، فرغم اهتمام الدولة المصرية بالمشروعات العقارية، باعتبارها قاطرة التنمية، ووجود الكثير من المشروعات التي يتم إنشاؤها في مختلف المحافظات المصرية، فإنها لم تستطع حتى الآن تنفيذ الحد الأدنى المطلوب سنوياً من الوحدات السكنية، الذي يصل إلى 500 ألف وحدة سكنية سنوياً، حسب التقديرات الرسمية، وتقديرات المطورين والخبراء العقاريين؛ حيث كشف الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري أخيراً، أن عام 2018 شهد إنشاء 326 ألف وحدة سكنية باستثمارات بلغت 106.9 مليار جنيه، بزيادة 2.9 في المائة عما تم إنشاؤه عام 2017، وهو 317.2 ألف وحدة باستثمارات بلغت 91.8 مليار جنيه.
وتسعى مصر، ممثلة في وزارة الإسكان، إلى زيادة عدد الوحدات السكنية المنفذة سنوياً، لتصل إلى نصف مليون وحدة، عبر مشروعات مختلفة من بينها «مشروع المليون وحدة سكنية» من الإسكان الاجتماعي، ومشروع «دار مصر»، و«سكن مصر» للإسكان المتوسط، إضافة إلى مشروعات أخرى لدعم محدودي الدخل.
سهر الدماطي، الخبيرة الاقتصادية والمصرية، أكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن «مصر تحتاج إلى 500 ألف وحدة سكنية سنوياً، بينها 350 ألفاً للإسكان الاجتماعي والمتوسط، و150 ألفاً للإسكان الفاخر»، مشيرة إلى أن «الدولة لديها خطط للوفاء بالاحتياجات السكنية للمواطنين».
وأوضحت أن «الدولة ممثلة في وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية تسير بخطى واضحة لتنفيذ مخطط متكامل للإسكان الاجتماعي والمتوسط، من خلال مشروع المليون وحدة سكنية الذي تم إنجاز نحو 630 ألف وحدة منه حتى الآن، إضافة إلى مشروعات أخرى للإسكان الاجتماعي يجري تنفيذها»، مشيرة إلى أنه «تم إنفاق أكثر من 20 مليار جينه على هذه المشروعات السكنية»، ولفتت إلى «مبادرة البنك المركزي لدعم تمويل الوحدات السكنية لمحدودي الدخل، بتسهيلات تصل إلى 20 عاماً».
ومشروع المليون وحدة سكنية تم طرحه للمرة الأولى في أول فبراير (شباط) 2011، كبديل لمشروع الرئيس الأسبق حسني مبارك للإسكان القومي، وتعرقل تنفيذه بسبب اضطراب الأوضاع في ذلك الوقت، ليعاد طرح المشروع من جديد في عام 2014. وتنفذ وزارة الإسكان مجموعة من المشروعات لخدمة محدودي الدخل في عدد من المدن الجديدة، يتم الإعلان عن فتح باب الحجز لها بصفة دورية، وتحت مسميات مختلفة مثل «دار مصر»، و«سكن مصر»، و«الإسكان الاجتماعي».
وأشار الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، إلى أن عدد الوحدات السكنية المنفذة في إطار مشروع المليون وحدة سكنية من الإسكان الاجتماعي، بلغ 82.1 ألف وحدة سكنية عام 2018، نفذت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة 69.7 ألف وحدة بنسبة 84.9 في المائة، بينما نفذت مديريات الإسكان 10.1 ألف وحدة بنسبة 12.3 في المائة، ونفذ الجهاز المركزي للتعمير 2.3 ألف وحدة بنسبة 2.8 في المائة، وسجلت محافظة الجيزة أكبر عدد من الوحدات السكنية ضمن هذا المشروع، بعدد 27.3 ألف وحدة، أي 33.3 في المائة، بينما سجلت محافظة الوادي الجديد أقل عدد ضمن المشروع بإجمالي 48 وحدة، أي 0.1 في المائة.
من جانبها، قالت مي عبد الحميد، رئيس مجلس إدارة صندوق التمويل العقاري والمدير التنفيذي لصندوق تمويل الإسكان الاجتماعي، في تصريحات صحافية، إن «فلسفة البناء في مصر تعتمد على توسيع رقعة البناء، لتوفير 500 ألف وحدة سكنية سنوياً تناسب جميع مستويات الدخل».
الخبير الاقتصادي الدكتور تامر ممتاز، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «المسألة مرتبطة بحجم الطلب، ونوعية الاستهلاك»، مشيراً إلى أن «هناك نوعين من الاستهلاك في القطاع العقاري، بهدف الاستثمار، أو بهدف السكن».
وأضاف ممتاز أن «العبء الأكبر يقع على الدولة لتوفير الإسكان الاجتماعي الخاص بمحدود الدخل، الذي يقدم وحدات سكنية بتسهيلات للمواطن، بعد دراسة حالته الاقتصادية»، مشيراً إلى أن «الدولة نفذت مؤخراً عدداً كبيراً من الإسكان الاجتماعي يعد العدد الأكبر على مدار التاريخ المصري، وتتوسع الآن لتنفيذ مشروعات مختلفة بهدف سد الاحتياج».
وأوضح أن «عدد الوحدات التي تم تنفيذها مرتبط بحجم الطلب، الذي تقدره وزارة الإسكان وفقاً لحجم طلبات الحجز التي تصلها في هذا الشأن»، مشيراً إلى أن «هناك طلباً على الوحدات السكنية، لكن ليس في الأماكن البعيدة والمدن الجديدة، وهنا ينبغي دراسة الوضع الاجتماعي للناس، واحتياجاتهم الفعلية للوحدات السكنية وأماكنها».
ويحتل الإسكان الاقتصادي المرتبة الأولى في عدد الوحدات السكنية التي تم إنشاؤها بمجموع 169.8 ألف وحدة، أي نحو 52.0 في المائة، يليه الإسكان المتوسط، بعدد 118.5 ألف وحدة، أي 36.3 في المائة، والإسكان فوق المتوسط بمجموع 31 ألف وحدة، ونسبة 9.5 في المائة، ثم الإسكان الفاخر بعدد 7 آلاف وحدة بنسبة 2.1 في المائة، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
ويشارك القطاع الخاص والقطاع الحكومي تنفيذ الوحدات السكنية بمختلف أنواعها، ووفقاً للجهاز المركزي للإحصاء، فإن القطاع الخاص قد نفذ النسبة الأكبر من الوحدات السكنية خلال العام الماضي، حيث نفذ القطاع الخاص 221.2 ألف وحدة عام 2018، بنسبة 67.8 في المائة، من إجمالي عدد الوحدات المنفذة خلال العام، مقابل 216.6 ألف وحدة عام 2017 بزيادة قدرها 2.1 في المائة، واحتل الإسكان المتوسط المرتبة الأولى في نوعية الوحدات التي نفذها القطاع الخاص، بإجمالي 103.4 ألف وحدة، أي 46.8 في المائة، تلاه الإسكان الاقتصادي بعدد 80.4 ألف وحدة، أي 36.3 في المائة، ثم الإسكان فوق المتوسط بعدد 30.4 ألف وحدة، أي 13.8 في المائة، والإسكان الفاخر بعدد 7 آلاف وحدة بنسبة 3.1 في المائة.
وعن دور القطاع الخاص، قال الدماطي إن «القطاع الخاص ينفذ نوعاً مختلفاً من الوحدات، ومشاركته في بناء الإسكان الخاص بمحدودي الدخل، ربما تتطلب تدخل الحكومة كشريك بالأرض مثلاً لتثبيت سعر الوحدة، أو دخوله كمقاول للتنفيذ من الباطن».
لكن ممتاز يرى أن «مشاركة القطاع الخاص في تنفيذ وحدات الإسكان المتوسط مرتبطة بحجم الطلب، فالطلب أكبر على هذا النوع من الوحدات، والمطور الخاص يقارن دائماً بين التكلفة وحجم الطلب».



الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة
TT

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

يَعدّ المصريون الاستثمار العقاري من بين أكثر أنواع الاستثمار أمناً وعائداً، مع الأسعار المتزايدة يوماً بعد يوم للوحدات السكنية والتجارية في مختلف الأحياء المصرية، بناءً على تغيّرات السوق، وارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء، ورغم أن هذه المتغيرات تحدد سعر المتر السكني والتجاري، فإن بعض الوحدات السكنية قد تشذّ عن القاعدة، ويخرج سعرها عن المألوف لوقوعها في حي راقٍ شهير وسط القاهرة وتطل على النيل، أو حتى في عمارة سكنية شهيرة.
وبتصفح إعلانات بيع الوحدات السكنية على المواقع الإلكترونية والتطبيقات المخصصة لذلك قد يصطدم المشاهد برقم غريب يتجاوز الأسعار المتعارف عليها في الحي بشكلٍ كبير جداً، لتقفز من وحدات سكنية سعرها 3 ملايين جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 15.6 جنيه مصري)، إلى أخرى مجاورة لها بأربعين مليوناً، هذه الإعلانات التي يصفها متابعون بأنها «غريبة جداً» على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط أسئلة منطقية عن السبب الرئيسي وراء هذه الأسعار، التي تؤكد تفوق أسعار بيع بعض الشقق السكنية على أسعار فيلات بالمدن الجديدة.
على كورنيش النيل، تطل واحدة من أشهر العمارات السكنية بحي الزمالك وسط القاهرة، تحديداً في عمارة «ليبون» التي سكنها عدد من فناني مصر المشهورين في الماضي، تُعرض شقة مساحتها 300 متر للبيع بمبلغ 40 مليون جنيه، أي نحو 2.5 مليون دولار، رغم أن متوسط سعر المتر السكني في الحي يبلغ 23 ألف جنيه، وفقاً لموقع «عقار ماب» المتخصص في بيع وشراء الوحدات السكنية في مصر.
ولا يشتري الناس بهذه الأسعار مجرد شقة، بل يشترون ثقافة حي وجيراناً وتأميناً وخدمات، حسب حسين شعبان، مدير إحدى شركات التسويق العقاري بحي الزمالك، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «عمارة ليبون واحدة من أعرق العمارات في مصر، وأعلاها سعراً، والشقة المعروضة للبيع كانت تسكنها الفنانة الراحلة سامية جمال»، مؤكداً أن «هذه الإعلانات تستهدف المشتري العربي أو الأجنبي الذي يبحث عن عقار مؤمّن، وجيراناً متميزين، وثقافة حي تسمح له بالحياة كأنه في أوروبا، فسعر الشقة ربما يكون مماثلاً لسعر فيلا في أفضل التجمعات السكنية وأرقاها في مصر، لكنه يبحث عن شقة بمواصفات خاصة».
وفي عام 2017 أثار إعلان عن شقة بجوار فندق «أم كلثوم» بالزمالك، الجدل، بعد عرضها للبيع بمبلغ 3 ملايين دولار، وتبين فيما بعد أن الشقة ملك للسياسي المصري أيمن نور، لكن شعبان بدوره يؤكد أن «الناس لا تهتم بمن هو مالك الشقة في السابق، بل تهتم بالخدمات والجيران، وهذا هو ما يحدد سعر الشقة».
ويعد حي الزمالك بوسط القاهرة واحداً من أشهر الأحياء السكنية وأعلاها سعرها، حيث توجد به مقرات لعدد كبير من السفارات، مما يجعله مكاناً لسكن الأجانب، وينقسم الحي إلى قسمين (بحري وقبلي) يفصلهما محور (26 يوليو)، ويعد الجانب القلبي هو «الأكثر تميزاً والأعلى سعراً، لأنه مقر معظم السفارات»، وفقاً لإيهاب المصري، مدير مبيعات عقارية، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «ارتفاع الأسعار في الزمالك مرتبط بنقص المعروض في ظل ازدياد الطلب، مع وجود أجانب يدفعون بالعملات الأجنبية، وهم هنا لا يشترون مجرد إطلالة على النيل، بل يشترون خدمات وتأميناً عالي المستوى».
وعلى موقع «أوليكس» المخصص لبيع وتأجير العقارات والأدوات المنزلية، تجد شقة دوبليكس بمساحة 240 متراً في الزمالك مكونة من 4 غرف، معروضة للبيع بمبلغ 42 مليون جنيه، وشقة أخرى للبيع أمام نادي الجزيرة مساحة 400 متر بمبلغ 40 مليون جنيه.
ورغم ذلك فإن أسعار بعض الوحدات المعروضة للبيع قد تبدو مبالغاً فيها، حسب المصري، الذي يقول إن «السعر المعلن عنه غير حقيقي، فلا توجد شقة تباع في عمارة (ليبون) بمبلغ 40 مليون جنيه، وعند تنفيذ البيع قد لا يتجاوز السعر الثلاثين مليوناً، وهو سعر الوحدة السكنية في عمارة (العبد) المطلة على نادي الجزيرة والتي تعد أغلى عقارات الزمالك».
والشريحة المستهدفة بهذه الأسعار هي شريحة مختلفة تماماً عن الشريحة التي يستهدفها الإسكان الاجتماعي، فهي شريحة تبحث عن أسلوب حياة وإمكانيات معينة، كما يقول الخبير العقاري تامر ممتاز، لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن «التعامل مع مثل هذه الوحدات لا بد أن يكون كالتعامل مع السلع الخاصة، التي تقدم ميزات قد لا تكون موجودة في سلع أخرى، من بينها الخدمات والتأمين».
وتتفاوت أسعار الوحدات السكنية في حي الزمالك بشكل كبير، ويقدر موقع «بروبرتي فايندر»، المتخصص في بيع وتأجير العقارات، متوسط سعر الشقة في منطقة أبو الفدا المطلة على نيل الزمالك بمبلغ 7 ملايين جنيه مصري، بينما يبلغ متوسط سعر الشقة في شارع «حسن صبري» نحو 10 ملايين جنيه، ويتباين السعر في شارع الجبلاية بالجانب القبلي من الحي، ليبدأ من 4.5 مليون جنيه ويصل إلى 36 مليون جنيه.
منطقة جاردن سيتي تتمتع أيضاً بارتفاع أسعار وحداتها، وإن لم يصل السعر إلى مثيله في الزمالك، حيث توجد شقق مساحتها لا تتجاوز 135 متراً معروضة للبيع بمبلغ 23 مليون جنيه، ويبلغ متوسط سعر المتر في جاردن سيتي نحو 15 ألف جنيه، وفقاً لـ«عقار ماب».
وتحتل الشقق السكنية الفندقية بـ«فورسيزونز» على كورنيش النيل بالجيزة، المرتبة الأولى في الأسعار، حيث يبلغ سعر الشقة نحو 4.5 مليون دولار، حسب تأكيدات شعبان والمصري، وكانت إحدى شقق «فورسيزونز» قد أثارت الجدل عندما عُرضت للبيع عام 2018 بمبلغ 40 مليون دولار، وبُرر ارتفاع السعر وقتها بأن مساحتها 1600 متر، وتطل على النيل وعلى حديقة الحيوانات، وبها حمام سباحة خاص، إضافة إلى الشخصيات العربية المرموقة التي تسكن «فورسيزونز».
وتحدد أسعار هذا النوع من العقارات بمقدار الخدمات والخصوصية التي يوفّرها، وفقاً لممتاز، الذي يؤكد أن «العقار في مصر يعد مخزناً للقيمة، ولذلك تكون مجالاً للاستثمار، فالمشتري يبحث عن عقار سيرتفع سعره أو يتضاعف في المستقبل، ومن المؤكد أنه كلما زادت الخدمات، فإن احتمالات زيادة الأسعار ستكون أكبر، خصوصاً في ظل وجود نوع من المستهلكين يبحثون عن مميزات خاصة، لا تتوافر إلا في عدد محدود من الوحدات السكنية».