هل عالمنا هو الأفضل؟... الخلاف الفكري بين ليبنز وفولتير

ليبنز - فولتير
ليبنز - فولتير
TT

هل عالمنا هو الأفضل؟... الخلاف الفكري بين ليبنز وفولتير

ليبنز - فولتير
ليبنز - فولتير

هل نقبل واقعنا أم نرفضه لصالح ما يجب أن يكون الأفضل؟ إنه السؤال الذي يمكن الإجابة عنه بأشكال مختلفة في كافة مناحي الحياة سواء على مستوى الفرد أو الجماعة، وإجابته تعد الأساس الذي يُبنى عليه إما القبول بالواقع والخنوع للظروف القائمة وإما رفضها والعمل على التغيير، إنه في واقع الأمر مفترق الطرق الفكري والذي تناوله كثير من المفكرين والفلاسفة وعلى رأسهم الفيلسوف الألماني ليبنز في القرن السابع عشر في محاولته للتوفيق بين الدين والعقل، فقد رأى أن الإنسانية تسير في تقدم مضطرد إلى الأفضل، فكان يرى أن عالمنا هو أفضل عالم متاح، مؤكداً أن الكمال للبارئ سبحانه ومن ثم فإننا كمخلوقات غير كاملين بطبيعة الحال لذا يظهر الشر والجهل والخطايا، والإنسان في رحلته الإنسانية العامة يقوم بتصحيح هذه الأخطاء تدريجياً مع الوقت.
ولكن الكاتب الفرنسي فولتير كان له رأيه المختلف تماماً، فلقد كان هذا السؤال هو المحور الرئيسي لروايته القصيرة «كانديد Candide»، والتي تعرض فيها لرحلات ومغامرات الشاب «كانديد» منذ أن طُرد من حياة الرفاهية في القصر لعلاقته بابنة خاله فانضمامه لجيش بروسيا ثم هروبه منه إلى البرتغال، حيث رأى مأساة الزلزال الشهير هناك آنذاك والآلام المختلفة التي خلفها، وهروبه إلى أميركا اللاتينية حيث تعددت سفرياته وخبراته مع المجتمعات المختلفة ولعل أهمها في مدينة «الدورادو» أو المدينة المثالية والتي لا عنف فيها وكل أمورها تدار بعقلانية شديدة فعلاقة الملك بالرعية مثالية إلى أقصى الحدود، ولكنه يتركها ويعود لأوروبا مع محبوبته إلى أن انتهى به المقام على البوسفور بعد أن طاف حول العالم ورأى المآسي الإنسانية والشر والعنف والقتل والرق إلخ.
حقيقة الأمر أنه لن يخفى على قارئ الرواية المقاصد الأساسية للكاتب، فلقد شن هجومه العنيف على كل شيء في القارة الأوروبية من دين إلى دولة إلى ساسة إلى الظروف الاجتماعية إلخ... ولكن ما يهم إبرازه هنا هو شخصية المُعلم المحافظ «لكانديد» وهو بانغلوس، فكلما بدأ بطل الرواية في استكشاف العالم والمآسي المرتبطة به خرج علينا المُعلم بجملته الفكرية والفلسفية الشهيرة والتي تناثرت في كل أنحاء الرواية «إنه العالم الأفضل من كل الخيارات الممكنة»، فبانغلوس يمثل في واقع الأمر رمزاً للهجوم على فكر ليبنز.
وبعيداً عن السجال الفكري بين ليبنز وفولتير فإن جملة بانغلوس هي جملة عابرة في حياتنا قد لا نلتفت إلى عمقها، فمن منا لم يقل هذا الجملة بأشكال مختلفة؟ فالتقدم البشري في شتى مناحي الحياة يجعلنا في مناسبات كثيرة نؤمن بأنه أفضل عالم متاح خاصة إذا ما قارناه بالماضي، فالعالم اليوم قد يكون أفضل مما كان من قبل، وبعد قرابة أربعة قرون من صدور الرواية، فإننا نجد أنفسنا أمام نفس الحوار الفكري، فهل نحن نعيش في أفضل عالم متاح؟ وهنا سنختلف، فبينما يرى فريق منا أننا نعيش في عالم مليء بالشر والمصائب والتي إن تحسنت في بعض جوانبها عبر الزمن والتقدم، إلا أن العالم يظل أقل مما يجب أن يكون عليه، وأن قبولنا بهذه النظرة المتفائلة إنما هو قدر من الانتقاص لإنسانيتنا وتطلعاتنا لمستقبلنا البشري الجماعي أو الفردي، فالقرن العشرون شهد أكبر مجازر الإنسانية ممثلة في الحروب عبر التاريخ، والأمراض ما زالت تفتك بنا، وتقديرات الكثير من المفكرين تشير إلى أن الفقر في زيادة مضطردة برغم تطبيق آليات السوق في أغلبية من بقاع العالم، والتناقض الآيديولوجي يفتك بنا، وأصحاب هذا الرأي يؤكدون أننا بالفعل في تقدم ولكنه غير كاف ولا ينسجم مع وتيرة النمو السكاني. بينما يدفع أصحاب الرأي الآخر بأن العالم اليوم أفضل مما كان عليه، فثورة العلم والاتصالات والطب وشتى مناحي الحياة وفرت للإنسان حياة بالتأكيد أفضل مما كان عليه من قبل، فالسلوك الإنساني اليوم أصبح أفضل والعالم يتجه نحو تقنين الخير بحيث لا نجعله مجرد رؤية إنسانية مجردة، والطب في تقدم يشفي الناس... فكيف لا نؤمن بمقولة بانغلوس؟
حقيقة الأمر أنني أجدني في حيرة من شأني مثل الكثيرين غيري الذين سيتفقون معي، فلو قبلنا هذه المقولة كدستور لحياتنا فإننا بلا شك سنكون مقصرين في حق مستقبلنا والأجيال القادمة، لأنها جملة تساهم في كبح جماح الطموح الإنساني ولن تفرز إلا الخنوع للواقع بل وفلسفته وتشريعه لنهيئ لأنفسنا قبوله. بالتالي فتقديري أن القبول الجزئي بهذه المقولة واجب يحتمه تقدم الإنسانية، ولكنه ليس قبولاً مطلقاً للجملة، فلا بد من ترك المجال للتقدم الإنساني بالقناعة الثابتة بأن المسيرة الإنسانية في الواقع قاصرة بكل تأكيد، فحاضرنا ليس بالضرورة أفضل مما نسجه سابقونا في بعض المناحي، فالإنسانية في رحلتها من بداية الخليقة حتى اليوم لم تكتمل، وهو ما دفع الكثيرين للبحث عن مفهوم «المدينة الفاضلة» من «أفلاطون» إلى روايات الخيال العلمي في عصرنا الحديث.
وهنا تحضرني مقولة صديق لاتيني كلما استفسرت عن أحواله كان يقول لي: «أنا اليوم أفضل من الأمس وأسوأ من الغد»، فعسى أن يكون مستقبلنا أفضل من حاضرنا.



هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
TT

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45، «تشريفاً تعتز به»، ومسؤولية في الوقت نفسه، مؤكدة أن «السينما العربية حققت حضوراً جيداً في المهرجانات الدولية». وأشارت، في حوارها مع «الشرق الأوسط»، إلى أنها تنحاز للأفلام التي تُعبر عن أصالة الفكرة وروح المغامرة، منوهة بعملها على فيلمها الطويل الأول منذ 3 سنوات، لكنها لا تتعجّل تصويره؛ كون الأفلام الطويلة تتطلّب وقتاً، ولا سيما الأفلام الأولى التي تحمل تحديات على صُعُد القصة والإنتاج والممثلين، مُشيدة بالخطوات التي قطعتها السينما السعودية عبر أفلام حقّقت صدى محلياً ودولياً على غرار «نورة» و«مندوب الليل».

بدأت هند الفهاد عملها عام 2012، فأخرجت 4 أفلام قصيرة شاركت في مهرجانات عدة وهي: «بسطة» الذي فاز بجائزة في «مهرجان دبي» 2015، و«مقعد خلفي»، و«ثلاث عرائس وطائرة ورقية»، و«المرخ الأخير» الذي جاء ضمن فيلم «بلوغ»، وتضمّن 5 أفلام قصيرة لـ5 مخرجات سعوديات، وشارك قبل 3 أعوام في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وبين حضورها المهرجان في أحد أفلامها قبل سنوات، ومشاركتها بلجنة تحكيم العام الحالي، ترى هند الفهاد فرقاً كبيراً، موضحة: «أن أكون مشاركة في فيلم ويعتريني القلق والترقب شيء، وأن أكون أحد الأعضاء الذين يُسمّون هذه المشروعات شيء آخر، هذا تشريف ومسؤولية، إذ أشاهد الأفلام بمنظور البحث عن الاختلاف والتميز وأساليب جديدة لصناع أفلام في تناول موضوعاتهم، وأجدني أنحاز للأفلام التي تعبّر عن أصالة الفكرة وتقدم حكاية لا تشبه أي حكاية، وتنطوي على قدر من المغامرة الفنية، هذه من الأشياء المحفزة في التحكيم، وقد ترأستُ قبل ذلك لجنة تحكيم أفلام الطلبة في مهرجان أفلام السعودية».

لا تتعجل الفهاد فيلمها الطويل الأول (الشرق الأوسط)

وعن رؤيتها للسينما العربية بعد مشاهدتها أحدث إنتاجاتها في «مهرجان القاهرة»، تقول هند الفهاد: «لا شك في أنها قطعت خطوات واسعة في السنوات الأخيرة بحضورها في المهرجانات الكبرى؛ لأن لدينا حكايات تخصّنا، وهناك مخرجون ومخرجات أثبتوا حضورهم القوي عبر أفكار وأساليب متباينة، وأنا أقول دائماً إن الفكرة ليست في القصة، وإنما في كيف تروي هذه القصة ليتفاعل معها الجمهور في كل مكان».

وتكشف المخرجة السعودية عن استعدادها لتصوير فيلمها الروائي الطويل الأول الذي تعمل عليه منذ سنوات، قائلة: «كتبته المخرجة هناء العمير، ووصلنا أخيراً لنسخة السيناريو المناسبة، لكن الأفلام الطويلة، ولا سيما الأولى تحتاج إلى وقت للتحضير، خصوصاً إذا كان في المشروع تحديات على صُعُد القصة والممثلين والإنتاج».

وتتابع هند: «لم أحدّد بعدُ توقيت التصوير. وعلى الرغم من أنه مشروعي الأساسي، لكن هناك مشروعات أخرى أشتغل عليها، وفي تعدّدها أضمن استمرارية العمل لأكون حاضرة في المجال، فقد تكون هناك فكرة رائعة، لكن حين تُكتب نكتشف أنه من الصعب تنفيذها، لأسباب عدة».

وعن نوعية الفيلم تقول: «اجتماعيّ دراميّ، تدور أحداثه في غير الزمن الحالي. وانتهت مرحلة تطوير النص لفيلمي القصير، ووصل إلى النسخة المناسبة، وأنا، الآن، أختار أبطاله، وهو يروي حكاية تبدو في ظاهرها بسيطة، وتحمل أوجهاً عدّة، فأنا لا أُعدّ الأفلام القصيرة مرحلة وانتهت، بل أحب العمل عليها بشغف كبير في ظل ما أريده، والمعطيات من حولي وكيف أتقاطع مع هذه الأشياء».

وحاز مشروع فيلمها الطويل «شرشف» على منحة إنتاج من معمل البحر الأحمر، وترى هند الفهاد أن التّحدي الحقيقي ليس في التمويل؛ لأن النص الجيد والسيناريو المكتمل يجلبان التمويل، مُشيدة بتعدّد جهات الدعم في المملكة من منطلق الاهتمام الجاد بالسينما السعودية لتأسيس بنية قوية لصناعة السينما أوجدت صناديق تمويل متعددة.

وعلى الرغم من عمل هند الفهاد مستشارة في تطوير المحتوى والنصوص الدرامية، فإنها تواصل بجدية الانضمام إلى ورش السيناريو؛ بهدف اكتساب مزيد من الخبرات التي تُضيف لها بصفتها صانعة أفلام، وفق تأكيدها.

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

بدأت هند الفهاد مشوارها قبل القفزة التي حققتها صناعة السينما السعودية. وعن ذلك تقول: «كنا نحلم بخطوة صغيرة فجاءنا بحرٌ من الطموحات، لذا نعيش لحظة عظيمة لتمكين المرأة ورعاية المواهب المحلية بشكل عام، وقد كنّا نتطلع لهذا التّحول، وأذكر في بداياتي أنه كان وجود السينما أَشبه بالحلم، لا شك في أن نقلة كبيرة تحقّقت، لكن لا تزال التجربة في طور التشكيل وتتطلّب وقتاً، ونحن مهتمون بتطوير المواهب من خلال مشاركتها في مشروعات عربية وعالمية لاكتساب الخبرات، وقد حقّقت أعمالٌ مهمة نجاحاً دولياً لافتاً على غرار (نورة) و(مندوب الليل)».

وتُعبر هند الفهاد عن طموحاتها قائلة: «أتطلع لأحكي قصصنا للعالم، فالسينما هي الصوت الذي يخترق جميع الحواجز».