هل تصبح الحشرات غذاء مرغوباً؟

أنواع منها توظف لتغذية الدواجن والأسماك

وجبات مشهية من الحشرات
وجبات مشهية من الحشرات
TT

هل تصبح الحشرات غذاء مرغوباً؟

وجبات مشهية من الحشرات
وجبات مشهية من الحشرات

يفكّر العلماء المختصون بدراسة الحشرات، جديّاً، في كيفية تحويل هذه الكائنات الصغيرة إلى غذاء جيّد ومرغوب.
تتحدّر كلمة «إنتومونفاجوس» (entomophagous) التي تعني «التغذي على الحشرات» من اللغتين اليونانية واللاتينية؛ «إنتومون» (entomon) أي «حشرة» و«فاغوس» (phagus) أي «تتغذّى على»... والبعض يرى في هذا المصطلح مستقبلاً للغذاء.

«غذاء حشري»
في عام 2013، نشرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة، تقريراً يسلّط الضوء على ضرورة السعي لاستبدال مصادر البروتينات التقليدية بالحشرات لتحقيق مستقبل مستدام. وساعد التقرير في إطلاق مجموعة كبيرة من الجهود التي تركّز على تحويل «الغذاء الحشري» إلى وجبة مستقبلية للبشر.
وفي عام 2018 نشر المشاركون في مؤتمر «أكل الحشرات - أثينا» Eating Insects Athens الذي عُقد في ولاية جورجيا الأميركية (نسبة إلى مدينة أثينا في الولاية) أبحاثاً في إصدار خاص من دورية the Annals of the Entomological Society of America لشهر سبتمبر الماضي، أظهرت أنّ المختصّين بعلم الحشرات يخصّصون اليوم كثيراً من الوقت للتفكير بكيفية تناول هذه الكائنات الصغيرة.
وتشير الأدلّة الواردة عن الحشرات في الدراسات، والمجموعة من عينات البراز المتحجّر، والمومياوات التي عُثر عليها في الكهوف في أميركا الشمالية، إلى جانب الإثباتات الداعمة التي وُجدت في القارّات الأخرى، إلى أنّ البشر يقدّرون الحشرات ويعتبرونها نوعاً من الغذاء منذ آلاف السنين.
واليوم، يتناول مليارات من الأشخاص أكثر من 1200 نوع من الحشرات حول العالم، حتى في الولايات المتحدة، يعشق شعب الكوتزاديكا أو ما يُعرف بـ«أكلة الذباب» الشرانق المالحة التي تعيش في بحيرة مونو في كاليفورنيا. ويتبع بعض المستهلكين هذه الصيحة أيضاً، ويشترون طحين صرصار الليل الشهير، وألواح البروتين التي تنتجها شركات كـ«تشابول» وتُباع في متاجر متخصّصة أو عبر موقع «أمازون». استوحت هذه الشركة اسمها من مرادف صرصار الليل لدى شعب الأزتيك، وتروّج نفسها للزبائن على أنّها تسعى لخفض استهلاك المواشي للمياه في الغرب الأميركي وللتعريف بالعلوم الغذائية لدى الشعوب الأصلية.

رهاب تناول الحشرات
تأقلم كثيرون منّا منذ الصغر على فكرة الخوف من الحشرات... أي أنّ تنمية شهيّة لتناولها لن يكون سهلاً أبداً. ترى العالمة ليسنيك أنه «لا بأس بشعوركم بالقرف من فكرة تناول الحشرات. الأمر طبيعي جدّاً، فأنتم لم تطلبوا أن تتمّ تربيتكم بهذه الطريقة».
مناصرو تناول الحشرات يفكّرون أن أقلمة الناس من جديد قد يساهم في تغيير مواقف الناس من الحشرات. ففي الماضي، كان الكرنب والسوشي، والكركند حتّى زيت الزيتون والطماطم تعتبر أطعمة منفرة وغير مألوفة في بعض الثقافات. لكنّ التغيير ممكن، فقد يساهم التثقيف والإقرار بهذه المشاعر السلبية تجاه تناول الحشرات، في دفع البالغين إلى الامتناع عن نقل هذا النفور إلى أولادهم.
ومنذ سنوات طويلة، تستخدم الولايات المتحدة الأميركية حشرة الذبابية الجندية black soldier flies المعروفة بتحويلها النفايات إلى بروتينات، لتغذية الدواجن ومزارع السمك.
وبهدف التوصّل إلى فهم أوضح حول كيفية زيادة إنتاج هذه الحشرات، عمد الباحثون إلى تفصيل أنظمة تكاثرها، من أشكال المسالك إلى طول ذيول حيواناتها المنويّة. واكتشفوا أن اليرقات التي تنشأ في كثافات منخفضة نسبياً تعتبر أكثر ميلاً للبقاء على قيد الحياة، وتنمو بوتيرة أسرع من غيرها، لتصبح أثقل وزناً في كلّ مرحلة من مراحل حياتها.
هذا النوع من الدراسات قد يشكّل نموذجاً لعملية الإنتاج الجماعي لحشرات أخرى مخصّصة للاستهلاك البشري، كصراصير الليل، التي كانت بعيدة جداً عن التكاثر بأعداد تتيح لها سدّ الحاجات الغذائية لجماعات كبيرة.
وقد ساهمت سنوات من البحوث الزراعية في وضع أطرٍ تنظيمية لضمان صحّة وسلامة الدواجن والبقر والخنزير، وتخفيض نسبة مخلّفاتها. لكن الأبحاث والقوانين المشابهة التي ستضع الأطر نفسها لاستهلاك الحشرات لا تزال بعيدة عن الواقع.
متى تكون الحشرات قذرة؟ عندما تكون الحشرة موجودة في طعامنا، تصنّفها إدارة الغذاء والدواء بالقذرة. لكن طالما أنّ الحشرات المصنّعة «خالية من القذارة، ومسببات الأمراض، والسموم»، فإن وزارة الزراعة الأميركية تعتبرها جيدة.

كريستوفر كولومبوس يستعبد آكلي الحشرات
> عندما عاد كريستوفر كولومبوس من أميركا، استخدم مع أفراد من بعثته، مسألة تناول السكّان الأصليين للحشرات كمثال على البربرية، وكتعليل لتجريد هؤلاء من إنسانيتهم واستعبادهم لاحقاً، بحسب ما أفادت جولي ليسنيك، عالمة الأنثروبولوجيا من جامعة «واين ستيت» ومعدّة كتاب «الحشرات القابلة للأكل والتطوّر البشري».
لكنّ الأمر لم يكن دائماً بهذا الشّكل، فقد أحبّ الفيلسوف الإغريقي أرسطو حشرة الزيز cicadas، بينما فضّل الكاتب الروماني بلينيوس الأكبر الخنفساء، ولم يختلف الاثنان عن غيرهم من أكلة الحشرات المنتمين إلى ثقافات أخرى، في قارّات أخرى.

- خدمة «نيويورك تايمز»



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً