طوني خليفة لـ «الشرق الأوسط»: الإعلام يعاني انحداراً ولا أحد يحترم شرف الخصومة

الإعلامي اللبناني رأى أن بعض المشاهدين يشجعون «الشتامين»

طوني خليفة لـ «الشرق الأوسط»: الإعلام يعاني انحداراً ولا أحد يحترم شرف الخصومة
TT

طوني خليفة لـ «الشرق الأوسط»: الإعلام يعاني انحداراً ولا أحد يحترم شرف الخصومة

طوني خليفة لـ «الشرق الأوسط»: الإعلام يعاني انحداراً ولا أحد يحترم شرف الخصومة

فتح الإعلامي اللبناني القدير طوني خليفة، خزائن تجربته الإعلامية في هذا الحوار مع «الشرق الأوسط»، وتحدث عن رؤيته للمشهد الإعلامي العربي حالياً، وتجربته في العمل بمصر والأردن، وأسلوبه الفني في الحوار مع ضيوفه، مشيراً إلى افتقاد المشهد الإعلامي العربي الراهن «اللياقة والحميمية في التخاطب مع المشاهد»، وغيرها من القضايا الشائكة. وهنا نص الحوار:
> من خلال خبرتك في العمل الإعلامي، ما الذي تغير في المشهد حالياً من وجهة نظرك؟
- ما تغير هو انحدار لغة التخاطب مع المشاهد، في البداية كانت هناك لياقة، عندما نريد طرح سؤال فيه إحراج أو كلمة جريئة مثلاً كنا نعمل لها ألف حساب، وردة الفعل عليها عند المتلقي أحياناً تكون قاسية وهجومية، وللأسف تجد بعض المشاهدين يحبون هذا النوع من الإعلام، يحبون مشاهدة الشتامين ويعتبرونه «مهضوماً وبيضحَّك».

> لماذا انحسرت تجربة الإعلاميين اللبنانيين في مصر أخيراً؟
- لا أعرف، أستطيع الحديث عن نفسي ولا أتطرق لغيري، لأني أعتبر نفسي أول الإعلاميين اللبنانيين الذين دخلوا مصر، وقتها كان هناك حذر شديد في التعامل مع شخص غير مصري على محطات مصرية لأكثر من اعتبار، تجربتي أعتبرها ناجحة جداً بفضل فريق عمل آزرني من داخل مصر بشكل كبير، خضنا تجارب بأصعب الأوقات التي مرت بمصر، أنا عملت بزمن الرئيس الأسبق مبارك وبزمن الثورة وزمن المجلس العسكري والإخوان وزمن ثورة 30 يونيو (حزيران)، ثم توقف عملي لأمور تتعلق بالمحطات بحد ذاتها، والذين وقّعوا معي عقوداً لم يلتزموا بها. وأقولها بصراحة، الشخص الوحيد الذي تعاملت معه من كل قلبي إعلامياً ووضعت روحي على كفي من أجل إنجاز عملي وهو التزم معي بكل تعهداته وتماه معي بجرأته وأفكاره كان طارق نور، مالك قنوات «القاهرة والناس»، عندما خرجت من مؤسسته وقعت برمال إعلامية متحركة لم أكن قد تعرفت عليها مسبقاً في مصر، أنا عملت 7 سنوات في مصر لم أصادف أشخاصاً يأخذون منك عملاً ولا يدفعون مقابلاً له، أو يوقّعون معك عقوداً بالتزامات كبيرة ثم لا يلتزمون معك، هم قلة، لكني تعرفت عليهم بعد خروجي من «القاهرة والناس».

> كيف ترى وتقيّم تجربتك الإعلامية الأخيرة في الأردن؟
- تجربتي بالأردن كانت رائعة جداً، شبيهة جداً بأول تجربة لي في مصر، هذا الشخص الذي يذهب لبلد لا يعرف عنه شيئاً ولا يعرف ناسه ولا ضيوفه، استقبلت فيها شخصيات سياسية كبيرة ورفيعة، لكنها كانت مجهولة بالنسبة لي، لكن الأسلوب نفسه الذي استعملته في مصر عدت لاستخدمه في الأردن، بأن آخذ من إجابة ضيفي سؤالاً جديداً، وهكذا، كان أسلوباً جديداً ومتميزاً في الأردن، ورغم أن القناة كانت جديدة، فإنها استطاعت تحقيق نجاح كبير.

> من الإعلامي الذي ما زلت تحب متابعته والتعلم منه؟
- لا أتابع أحداً، ليس غروراً أو فوقية، لكني لا أتابع أي برامج، حتى برامجي لا أشاهدها.

> لكنك جمعت مجموعة من الإعلاميين في منزلك أخيراً وكتبت أن اجتماعهم يعني أن ما زال بالوسط خير، هل تشك في وجود الخير في الوسط الإعلامي؟
- بالتأكيد، لا يوجد أحد في الوسط الإعلامي يحب أحداً، كن على ثقة بهذا الموضوع، كل واحد يدعي حب الآخر يجاهر بالكذب، لا يوجد ابن كار يحب ابن كاره، لا يوجد إعلامي يحب نجاح غيره أكثر منه، الإعلاميون مثل الفنانين مثل السياسيين مثل الرياضيين، اليوم كل شخص يريد أن يكون الرقم الصعب والرقم الأول، كلهم أمام الكاميرات يدّعون المحبة، لكن فعلاً في العمق لا يوجد أحد يحب الآخر، من يحبون بعضهم، هم من لا تتأثر نوعيات برامجهم ببعض، مثلاً في المنزل كان عندي مذيعو أخبار، مذيع لبرامج فنية، مذيع لبرنامج كوميدي يضحك، أنواع برامج لا تؤثر على بعضها؛ ولذلك فنحن أصدقاء، لكن نجمع ناساً من الفئة نفسها والتوجه البرامجي نفسه؟ انسَ، كلهم يضحكون في وشك ويطعنوك بالسكاكين في ظهرك.

> علقت على عدم انتشار خبر يتعلق بانتحار رجل بعد شجاره مع زوجته، وأيضاً كان لك تعليق شهير في برنامج «مذيع العرب» هاجمت فيه بعض الحملات النسوية، هل ترى أن الرجل العربي يتعرض لاضطهاد إعلامي مقصود؟
- هذا الموضوع دائماً يستفزني، أنا دائماً أدعو إلى «اللا عنف» من دون أن نضع بجانب الكلمة لا رجلاً ولا امرأة ولا طفلاً ولا عجوزاً، أنا أرفض العنف بكل أشكاله، إذا قلنا «لا للعنف ضد المرأة» فهل العنف ضد الرجل مسموح؟ العنف ضد الطفل مسموح؟ لا أفهم، القوانين الدولية تمنع العنف حتى ضد أسير الحرب. هذه الجمعيات التي تجاهر اليوم وكأن الرجل العربي جزار سفاح يعذب النساء، لا هذا غير مضبوط، نحن رجال ونعامل أمهاتنا ونساءنا وبناتنا بكل محبة واحترام ورقي، لو هناك شخص شاذ بتصرفاته اعتدى على امرأة فيجب أن يحاسب بالقانون، لكن هذه الجمعيات الممولة من الخارج صارت تدق على بيوت الناس لتقول للسيدات: «لو زوجك فعل كذا كلمينا وسنوكل لك محامياً ويطلقك، لا، لا يمكن أن نكمل بهذه الطريقة، نحن مجتمع عربي محكوم بالتقاليد والدين».

> ما هي أكبر معركة خضتها ولا تنساها؟
- معركة إثبات الوجود إعلامياً في مصر، أنا دخلت مصر وكان الكل يراهن أني سأفشل وأخرج من مصر ولن يتقبلني الشارع المصري، لم تكن معركة بقدر ما كانت ثقة زائدة بالنفس وبالجمهور المصري الذي كنت أعرف أنه سيتقبلني.

> وما هي الدمعة التي لو عاد بك الزمن ما كنت لتضغط على الضيف حتى تنزل؟
- مواقف كثيرة خضتها انهار فيها ضيوفي بالبكاء، يمكن أنا من أكثر الإعلاميين الذين بكى ضيوفهم، بكى سياسيون وفنانون وإعلاميون ورؤساء، كل واحد بظرف وحالة مؤثرة، وفي البدايات كنت أسعى للأسئلة التي تبكي الضيف حتى أحصل على «سكوب» مثل كل شاب غير ناضج ويبحث عن الشهرة، أما اليوم عندما يبكي الضيف مباشرة أخرج من الموضوع.

> يعتبرك البعض رائداً لمدرسة كبيرة في الإعلام وهي مدرسة «الهارد توك»، من تميز فيها حالياً؟
- هذه المدرسة بدأت فيها ببرنامج «ساعة بقرب الحبيب» سنة 2000 ثم «لمن يجرؤ فقط» كان القمة في هذا التصنيف، وكل برنامج معين يحقق نجاحاً كبيراً، ترى على الشاشات استنساخاً له، وهو ما حدث مع «لمن يجرؤ فقط»، هذا لا يخدم النوعية لأن الناس تمل منها، هذه المدرسة أهميتها في أن تعرف كيف تطرح السؤال بأعلى قدر من الجرأة من دون أن تقطع الشعرة التي تفصل بين الجرأة واللياقة والذكاء، وبين قلة الأدب والوقاحة والسوقية.

> هل يمكن أن تعود لتقديم برنامج «للنشر» من جديد؟
- أنا استرددت البرنامج بالفعل من ريما كركي، لكن غيرت اسمه، فأنا أوقفت البرنامج ورجعت فيه باسم «طوني خليفة» حتى لا يتم استنساخه ويصير منه نسخ مشوهة.



استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».