المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء في لبنان وُلد ميتاً

ظلت تشكيلته ناقصة بسبب عدم اختيار 8 قضاة لاستكمال أعضائه

TT

المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء في لبنان وُلد ميتاً

تأسس المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء في لبنان تنفيذاً لما جاء في وثيقة الاتفاق الوطني في الطائف للتمكن من محاسبة المسؤولين المحميين بالحصانة بموجب مناصبهم، في حال ارتكابهم مخالفات خلال ممارسة مهامهم الدستورية، وقدّمت الحكومة اللبنانية في أغسطس (آب) 1990 مشروع قانون أصول المحاكمات لدى المجلس الأعلى، الذي صدر بالقانون الرقم (13-90)، ليصبح المرجع الوحيد الذي يمكن أن يحاكم الرؤساء والوزراء. ويتألف من ثمانية قضاة وسبعة نواب.
وآلية عمل المجلس، المصنف هيئة برلمانية قضائية، تسمح بتوجيه بعض الملاحظات المتعلقة بتركيبته. وتبدو آلية المحاكمة من خلاله معقدة، ولا توحي بأي فعالية للمحاسبة بسبب الشروط التعجيزية لعمل المجلس من داخله.
ويقول العضو السابع في هذا المجلس، النائب في كتلة الكتائب إلياس حنكش، لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا المجلس وُلد ميتاً، ولم يفعل شيئاً منذ إنشائه. ويجب تغيير آلية عمله حتى يصبح منتجاً». ويشير إلى أن «استدعاء أي وزير أمام هذا المجلس يتطلب موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب. لذا نحن في الكتائب ندرس تعديل مواده وسنتقدم في الأسابيع القليلة المقبلة باقتراح لتعديل آلية عمله، بحيث لا تتجاوز موافقة النواب أكثر من 50% من أعضاء المجلس النيابي. رغم اقتناعنا بأنْ لا ضرورة لوجود هذا المجلس في وجود قضاء عادي مستقل».
ويضيف: «في البلاد المتحضرة لا محاكم استثنائية، إنما محاكم طبيعية، فالوزير والنائب هما مواطنان وليسا فوق المساءلة لأنّ الدستور اللبناني يقول إنّ اللبنانيين سواسية أمام القانون. في المقابل يقتصر دور المجالس العليا على الأمور الكبيرة كالخيانة العظمى وما شابه. وإذا بقي هذا المجلس فيجب أن يتخصص بأمور محددة. أما مسائل الفساد فلها القضاء العادي المختص. وإمكانية محاسبة المسؤولين تتوفر إذا توفرت الآلية وطُبق قانون الإثراء غير المشروع و(من أين لك هذا). وفي الوقت الحالي لا يستطيع أي متضرر من الفساد أن يكشف عن الأملاك المنقولة وغير المنقولة لأي مسؤول، فالمجلس الدستوري الذي يتسلم من كل نائب كشف حساب بأمواله في مظاريف مغلقة، لم يُفتح أي منها منذ تأسيسه بناءً على دعوى قضائية، لأن التقدم بشكوى في هذا المجال يستوجب دفع 25 مليون ليرة سلفاً. وإذا لم يثبت الفساد أو التصرف بالمال العام بما يخالف القانون يدفع المدعي غرامة قدرها 200 مليون ليرة. بالتالي القوانين الحالية المتعلقة بمحاسبة المسؤولين تصب في مصلحتهم. يجب أن تتغير عقلية المحاسبة. فالتعرض إلى الزعماء والمسؤولين لا يزال من المحرمات. والمؤسف أن الفساد موجود، إذ كيف تراكم الدين العام؟ أين ذهبت الأموال؟ هل يقتصر الأمر على سوء الإدارة أم أن هناك صفقات وتنفيعات. ولماذا تُحجب المعلومات لدى متابعة قضية ما؟ فنحن في حزب الكتائب رفعنا دعوى بشأن الفساد وعندما طالبنا بملاحقة الأموال التي خُصصت لموضوع الدعوى أوقفونا».
مارس المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء صلاحياته مرتين فقط، ولتصفية حسابات سياسية. الأولى كانت لمنع الرئيس أمين الجميّل من العودة إلى لبنان، وتخويفه من ملاحقة قضائية بذريعة صفقة طوافات «البوما» الفرنسية خلال عهده، وثبت للجنة تحقيق نيابية طوال سنتين (1993 - 1995) أنْ لا أدلة على تورّط الرئيس السابق للجمهورية في عمولة غير قانونية. والأخرى مع الوزير السابق للنفط شاهي برصوميان، بتهمة بيع رواسب نفطية لوحق بها أمام القضاء العادي عام 1999 قبل أن يستعيد مجلس النواب الملف ويضعه لديه برسم المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
ولا ينكر أي مسؤول أن المحاصصة بين القوى السياسية هي ما يتحكم باختيار الأعضاء السبعة من النواب المفترض أن يتمّ التوافق عليهم بين الكتل النيابيّة الأساسيّة، بالتالي فإن مرجعيتهم هي رؤساء كتلهم وليس النظام الداخلي للمجلس.
وفي مارس (آذار) الماضي، انتخب مجلس النواب اللبناني سبعة نواب يمثلون معظم الكتل النيابية لعضوية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وذلك بعد سنوات من تعطل دور ذلك المجلس، هم: جورج عقيص وعلي عمار وفيصل الصايغ وجورج عطا الله وسمير الجسر وهاغوب بقرادونيان وإلياس حنكش.
أما عن القضاة، فقد أرسل في حينه الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد، إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، لائحة بأسماء جميع القضاة رؤساء الغرف، كممثلين في المجلس. إلا أن بري طلب إليه الاختيار من بينهم ثمانية قضاة. ولم يتم الاختيار، لذا لا يزال استكمال أعضاء المجلس نائماً. ومن المتوقع أن يستكمل هذا الإجراء مع الرئيس الجديد لمجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود.
ويقول المدير العام الأسبق لوزارة العدل القاضي عمر الناطور، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء يجب أن يضم خيرة القضاة المتصفين بالنزاهة ووفق معايير مهنية دقيقة». وهو إذ لا ينكر الانتماءات السياسية لقضاة كما غيرهم من اللبنانيين، يشدد على أن «على القاضي أن يتحرر من هذا الانتماء ومن أي تبعية لمسؤول أو زعيم. لكن مثل هذا الأمر مفقود في لبنان».
وعن إمكان تشكيل مجلس أعلى له فعالية لمحاكمة الرؤساء والوزراء، يستبعد الناطور. ويقول إن «السياسة هي السبب، فهي منبع التدخلات مع ارتباط عدد من القضاة بمن يؤمّن لهم مصالحهم. حتى إن أنزه القضاة لا يمكنه أن يغيّر هذا الواقع. فالوضع سائب في المرحلة الحالية. وهناك من يعرقل عمل القضاة المشهود لهم بالنزاهة. لكن يبقى الأمل بالقضاء والرهان عليه لمحاسبة المرتكبين أياً كانوا».



غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

عنصر حوثي خلال تجمُّع في صنعاء يحمل مجسماً يحاكي طائرة من دون طيار (إ.ب.أ)
عنصر حوثي خلال تجمُّع في صنعاء يحمل مجسماً يحاكي طائرة من دون طيار (إ.ب.أ)
TT

غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

عنصر حوثي خلال تجمُّع في صنعاء يحمل مجسماً يحاكي طائرة من دون طيار (إ.ب.أ)
عنصر حوثي خلال تجمُّع في صنعاء يحمل مجسماً يحاكي طائرة من دون طيار (إ.ب.أ)

في الوقت الذي جدد فيه المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ مطالبته للحوثيين بإطلاق سراح الموظفين الأمميين فوراً، تواصلت، الثلاثاء، الضربات الغربية لليوم الرابع على مواقع الجماعة المدعومة من إيران مستهدفة محافظتي الحديدة والبيضاء.

جاءت هذه التطورات في وقت أفادت فيه هيئة بريطانية مختصة بالأمن البحري بأن سفينة أبلغت عن تعرُّضها لهجمات لم تصبها أثناء وجودها في جنوب البحر الأحمر، حيث يشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن منذ نحو عام تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

في هذا السياق، أفاد مكتب غروندبرغ في بيان، الثلاثاء، بأنه التقى في مسقط بكبار المسؤولين العُمانيين والمتحدث باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها محمد عبد السلام.

وبحسب البيان، ناقش المبعوث الأممي التدابير اللازمة لمعالجة الأزمة الاقتصادية في اليمن، وتحسين الظروف المعيشية، والاستجابة للتطورات الإقليمية. كما استكشفت المناقشات سبل تعزيز الالتزامات نحو عملية سياسية يمنية شاملة.

وفي اجتماع غروندبرغ مع المتحدث باسم الحوثيين، ذكر البيان أنه طالب أيضاً بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع موظفي الأمم المتحدة وغيرهم من المعتقلين تعسفياً.

ويأمل المبعوث الأممي أن تقود جهوده إلى تحقيق اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي ازدادت تعقيداً مع هجمات الحوثيين البحرية ضد السفن وتصعيدهم إقليمياً، وهو ما أدى إلى تجمد التوصل إلى اتفاق للسلام.

غارات غربية

ضمن العمليات التي تقودها واشنطن في اليمن منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي لإضعاف قدرات الحوثيين على مهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، أقرت الجماعة المدعومة من إيران بتلقيها، الثلاثاء، غارات لليوم الرابع على التوالي، وصفتها بـ«الأميركية البريطانية».

ونقل إعلام الحوثيين أن 3 غارات استهدفت منطقة الفازة التابعة لمديرية التحيتا الواقعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية التي تتخذ منها الجماعة منطلقاً لشن الهجمات البحرية، واستقبال الأسلحة الإيرانية المهربة.

واشنطن تقود تحالفاً لإضعاف قدرات الحوثيين على مهاجمة السفن (الجيش الأميركي)

وإذ لم تشر الجماعة إلى الأضرار الناجمة عن هذه الغارات، قالت إن غارة استهدفت سيارة في مديرية الصومعة في محافظة البيضاء، كما استهدفت غارتان نفذتهما طائرة أميركية من دون طيار أهدافاً في مديرية ذي ناعم والصومعة في المحافظة نفسها الواقعة إلى الجنوب الشرقي من صنعاء.

وكانت الجماعة اعترفت أنها تلقت، الاثنين، 7 غارات، وصفتها بـ«الأميركية والبريطانية»، استهدفت منطقة حرف سفيان شمال محافظة عمران، إلى جانب غارتين استهدفتا منطقة الرحبة في مديرية الصفراء التابعة لمحافظة صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

كما أقرت بتلقي 4 غارات استهدفت منطقة جربان في الضواحي الجنوبية لصنعاء، إلى جانب غارة استهدفت معسكر «الحفا» في صنعاء نفسها، وغارتين ضربتا منطقة حرف سفيان في محافظة عمران، يوم الأحد.

وبدأت الموجة الجديدة من الضربات الغربية المتتابعة، مساء السبت الماضي؛ إذ استهدفت 3 غارات معسكرات الجماعة ومستودعات أسلحتها في منطقتي النهدين والحفا في صنعاء.

صاروخ استعرضته الجماعة الحوثية في صنعاء (رويترز)

وفي حين بلغت الغارات الغربية التي استقبلها الحوثيون نحو 800 غارة، بدءاً من 12 يناير الماضي؛ لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية لأول مرة، في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في استهداف المواقع المحصّنة للجماعة في صنعاء وصعدة، في رسالة استعراضية فُهمت على أنها موجَّهة إلى إيران بالدرجة الأولى.

وتقول الحكومة اليمنية إن الضربات الغربية ضد الجماعة غير مجدية، وإن الحل الأنجع هو دعم القوات الشرعية لاستعادة الحديدة وموانئها، وصولاً إلى إنهاء الانقلاب الحوثي، واستعادة العاصمة المختطفة صنعاء.

هجوم دون أضرار

في سياق التصعيد الحوثي ضد السفن، قالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية إن سفينة على مسافة 70 ميلاً بحرياً جنوب غربي الحديدة باليمن أبلغت، الثلاثاء، عن انفجارات عدة في محيطها.

وبينما أضافت الهيئة أنه لم يتم الإبلاغ عن أي أضرار بالسفينة، وأن الطاقم بخير، لم تتبنَّ الجماعة الحوثية من جهتها المسؤولية عن هذه الهجمات على الفور.

يشار إلى أنه منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تبنّت الجماعة الحوثية قصف أكثر من 200 سفينة، وأدت الهجمات في البحر الأحمر إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

ويتهم مراقبون يمنيون الجماعة الحوثية بأنها وجدت في الحرب الإسرائيلية على غزة فرصة للهروب من استحقاقات السلام مع الحكومة اليمنية؛ إذ كان الطرفان قد وافقا، أواخر العام الماضي، على خريطة سلام توسطت فيها السعودية وعُمان، قبل أن تنخرط الجماعة في هجماتها ضد السفن، وتعلن انحيازها إلى المحور الإيراني.

وخلال الأشهر الماضية تبنّت الجماعة إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

من آثار الضربات الإسرائيلية على مدينة الحديدة اليمنية الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة؛ وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.