رحلة إلى مجاهل الذات في مزيج من الشعر والسرد

«كتاب الطريق» للسعودي أمجد المحسن

رحلة إلى مجاهل الذات في مزيج من الشعر والسرد
TT

رحلة إلى مجاهل الذات في مزيج من الشعر والسرد

رحلة إلى مجاهل الذات في مزيج من الشعر والسرد

سيفاجئك في كتاب الشاعر أمجد المحسن الأخير العنوان على الأرجح، إذ لا أحسب أن كثيرين من القراء يعرفون ما تعنيه كلمة «الراهنامج»، أو أن تكون عبرت أسماعهم أو صافحت أعينهم من قبل. وحسناً فعل الشاعر بإيراد تعريف هذه الكلمة في قاموس «تاج العروس» في مفتتح الكتاب، فـ«الراهنامج» تعني: كتاب الطريق، إذ إن أصلها هو «راه نامه»، و«راه» هو الطريق و«نامه» هو الكتاب. والكتاب المعني هنا هو «الكتاب الذي يسلك به الربابنة البحر، ويهتدون به في معرفة المراسي وغيرها».
وتتراوح نصوص الكتاب الكثيرة الممتدة على 580 صفحة بين الشعري، بشكليه العمودي والتفعيلي، والسردي المتلبس بروح الشعر، مقسمة على فصول عدة يحمل كل منها عنواناً مستقلاً. وكما تتراوح نصوص الكتاب بين الشكلين التقليدي والحديث، فإن موضوعاته تتراوح هي أيضاً بين الذاتي والموضوعي، والواقعي والأسطوري، مع حضور واضح للفنون، خصوصاً فني السينما والموسيقى.
في الفصل الأول في الكتاب، الذي جاء تحت عنوان «ألِف»، وفي النص الأول منه، يقول لنا الشاعر عن نفسه: «أنا طريدة غامض هو طريدتي - يدفع بي إلى إقامة هذا البيت - وتربية هذه الحديقة». البيت، إذن، هو هذا الكتاب الذي بين أيدينا، والحديقة هي نصوصه المخضرة الأوراق.
وإذ ينتقل الشاعر من فصل إلى فصل، ومن نص إلى نص، ومن قصيدة إلى قصيدة، سنكتشف (ونتيقن بعد ذلك) أن الشعر عند أمجد المحسن ليس فيض خاطر، أو تدفقاً وجدانياً يستجيب لمثيرات خارجية أو انفعالات ذاتية، وليس محض غناء وانسياق وراء التفاعيل والأوزان والإيقاع والجرس. الشعر عنده تجربة كلية يتمثلها بكل أبعادها، وتجريب يغريه بأن يسلك طرقاً ومسارب غير مألوفة وهجينة، في تمازج وتضافر بين القصيدة بأشكالها كافة، والسرد بمختلف تمثلاته. ولذلك، فإن كل كتاب وكل ديوان من دواوينه يمثل تجربة مستقلة قائمة بذاتها، وكل واحد منها يقدم اقتراحاً شعرياً يختلف عن الآخر، بل ويخرج عليه ويتناقض معه.
الكتاب في الجزء الأكبر منه ربما هو حوار بين الشاعر و«أبجده»، الذي ليس شيئاً آخر سوى اللغة على الأرجح، وهو حوار يستجلي عبره الشاعر مجاهل ذاته، ويخبرنا في طرف منه عما يسميه «مكوثراته»، أو ذواته المتعددة، فهو شاعر أولاً، وفيزيائي وفوتوغرافي وسينمائي وخطاط ومؤرخ ومسرحي.
وسنقرأ في كل واحد من تلك «المكوثرات» تأملات تفتح النوافذ على مصراعيها، فحين يسأله أبجده عن الصورة، يقول إنه «ما صاروا إليه، ما سيصيرون. ما استحدثه البشر من طرائق تأمل الموتى. أن يروا الموت. أحدث ما توصل له البشر هو أن يزمنوك في إطار، ليحيون هم في مراقبة ما مات. ما ينتهي يجب أن يراقب، لتكون النهايات في المتناول. أن يثلجوا الزمن في قوالب».
* بين المتخيل والواقعي
في الفصل الثالث، وتحت عنوان «نسيجة»، سنقرأ سرداً محكماً لطريقة وصول مخطوطة الرئاب الشنّي من عبد القيس، الذي «تزعم عبد القيس أنه كان نبياً»، كما أورد ذلك هشام الكلبي في جمهرة النسب، كما نقرأ مخطوطة كتاب «النسيجة» المنسوب للرئاب. تلك المخطوطة التي حرص الشاعر على أن تأخذ شكلاً طباعياً مختلفاً يوحي بالقدم، بما يتناسب مع قدم النص. تلك المخطوطة ستوقعك للوهلة الأولى في حالة من الالتباس بين التصديق بنسبتها للرئاب والاعتقاد باختلاق الشاعر لها، في حيلة سردية مألوفة، وسترجح كفة الاحتمال الثاني في نفسك على الأرجح. فالشاعر هنا يتخذ من الرئاب قناعاً يمرر من خلاله رسائله وخلاصة تجاربه في الحياة بلغة تعزيمية تمزج بين مسوح اللغة القديمة والأفكار الجديدة التي تحمل فلسفة حياتية عميقة، كقوله: «أنت لا تأخذ حين تأخذ، بل تأخذ ما أعطيت»، و«طوبى لمن عبد الله بالصمت».
وليس بعيداً عن الرئاب ونسيجته، سنلتقي بالمشجِّر وقصيدته المُعذِّلة. والمشجر، كما يقول لنا الهامش التعريفي الذي يورده المحسن، هو «شاعر انحدر من بلاد البحرين، ولم يكن داعية حرب، وكان له في البحرين نخل وسفائن، وكان بيته على الماء»، ليضيف حول تسميته بالمشجر أن ثمة أقوالاً حول ذلك، منها «أنه آلى على نفسه أن يزدرع في كل حمى شجرة. وقيل بل لأنه لم يصافح أحداً إلا ترك ظلاً». أما قصيدته المعذلة، ذات اللغة والتراكيب والصور التي تستدعي الشعر العربي القديم في أبهى صوره، فلن يساورك الشك في انتمائها إلى المتن الشعري الكلاسيكي، وإن حدث وساورك شيء من الشك، وكلفت نفسك عناء البحث عن هذه القصيدة على شبكات البحث، فلن تجد لها أثراً، مما يرجح أنها من نظم شاعرنا الذي تقمص وتلبس صوت هذا الشاعر المختلق القادم من أزمنة غابرة مؤسطرة.
ثمة شخصية ثالثة مهمة بانتظارنا في الفصل الثامن من الكتاب، ونعني بها الشاعر ابن المقرب العيوني، الذي يحتل مكانة خاصة أثيرة على ما يبدو لدى شاعرنا، إذ نراه يتقمص شخصيته في نص سابق بعنوان «ليلة مقربية في العراق». أما ما نحن بصدده، فهو في أغلبه سرد نثري جميل لرحلة ابن المقرب، وهروبه إلى «طيوي» في جبال عمان، وأيامه الأخيرة هناك، وقبره الذي في الأعالي، كما أراد.
* ولع بالسينما والموسيقى
ولا يخفي شاعرنا مدى ولعه بالسينما، التي يتغنى بها شعراً ونثراً، ويمازج بينها وبين دلمون الأسطورية، حيث يمكن لأي شيء أن يتحقق، وحيث «تستطيع الخلود أو تستطيع الموت»، وحيث «يمكنك أن تعبر شفافيات الأزمنة»، وحيث «تستطيع أن تطوي الأرض، وتستطيع الفاكهة في لا أوانها، يمكنك أن تذهب إلى أمس أو تذهب إلى غد أو تكون الآن».
ولأن هذا الكتاب بمثابة الدليل، بمعنى من المعاني، فإن الشاعر لا يبخل علينا بالحديث عن بعض أفلامه الأثيرة التي تركت أثرها في نفسه، مثل فيلم «مجتمع الشعراء الموتى» (الاسم الشائع، ولعله الأصح، هو «جمعية الشعراء الموتى»)، و«تأثير الفراشة»، وثلاثية ناصر خمير، وثلاثية أخرى لكيسلوفسكي، و«أسطورة 1900»، و«العائد»، و«أفاتار».
كما أن للموسيقى حضورها اللافت أيضاً عبر كثير من الأسماء، مثل رضا لطفي وجليل شهناز ومشكاتيان وفريد فرجاد وأرماند عمار.
في أحد الحوارات الكثيرة بين الشاعر وأبجده، يطرح الشاعر سؤالاً عن معنى المذاقة، ليجيبه أبجده بالقول إنها «أن تُعرّف دون أن تُعرف»، و«أن تكون خاصاً جداً وإضافة جداً». وأمجد المحسن في كتابه هذا خاص جداً.
وكان قد صدر للشاعر «سهرة عباسية» (2009)، و«أدراج الغرفات السبع من الفلك إلى التي هي لك» (2010)، و«مكعّب روبيك» (2014)، و«حضرة ذوات الأكمام» (2014).


مقالات ذات صلة

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».