منظمات إنسانية تحذر من أزمة جديدة جراء نزوح المدنيين

أهالي بلدة تمر تحت نيران الضربات التركية

TT

منظمات إنسانية تحذر من أزمة جديدة جراء نزوح المدنيين

قرر إيليا الرجل الستيني المتحدر من بلدة تل تمر الواقعة أقصى شمال سوريا، عدم مغادرة مسقط رأسه بعد فرار معظم المدنيين نحو مدينة الحسكة المجاورة، على إثر احتدام المعارك على طول الشريط الحدودي مع تركيا والتي لا تبعد سوى بضع كيلومترات عن منزله.
وتل تمر كان يقطنها قبل الحرب أكثر من 35 ألفاً يدينون الأقلية السريانية الأشورية، لكنها تعرضت لهجمات عسكرية من تنظيم «داعش» المتطرف طالت البلدة وريفها مهد الأقلية المسيحية، أما اليوم فتشن تركيا وفصائل سورية مسلحة هجوماً واسعاً على المنطقة، الأمر الذي دفع من تبقى فيها للفرار والنزوح إلى مناطق أكثر أمناً.
حيث باتت شوارع تل تمر فارغة وأبواب منازلها موصدة، أما نوافذها فتنتظر عودة أصحابها. حتى أجراس كنيسة السيدة القديسة وسط البلدة لم تعد تقرع، ويقول إيليا: «إلى أين أنزح، أنا ابن هذه المنطقة فنحن شعب أصيل وسوف أبقى هنا إلى حين انتهاء المعارك لتشجيع أبنائي وأقربائي من أجل العودة لممتلكاتهم».
واكتظت تل تمر بنازحين قدموا من المدن والبلدات الواقعة على الشريط الحدودي، وعلق جورج (55 سنة) على الحالة قائلاً: «جهزنا حقائب السفر، فأوضاع المنطقة غير مستقرة، فمنذ أيام وبعد الهجمات التركية ونحن مهددون، لأننا على خطوط النار»، وينتظر ما ستؤول إليه المعارك الدائرة في المناطق المجاورة، لتحديد وجهة سفره إما لداخل سوريا أو الهجرة خارج بلده كحال معظم أبناء جلدته الذين فضلوا السفر على البقاء في بلد يشهد حروباً متعددة منذ ثماني سنواتٍ عجاف.
وذكر برنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة أمس، الذي يساعد في إطعام ما يقرب من 650 ألف شخص بشمال شرقي سوريا، أن أكثر من 70 ألفاً من سكان رأس العين والدرباسية وعامودا وتل أبيض وعين العرب (كوباني) نزحوا مؤخراً جراء تصاعد العنف في البلدات الحدودية باتجاه الحسكة والرقة ومحيطهما.
وكان قادو (47 سنة) من سكان البلدة والذي يعمل في مجال بيع وتصنيع الأدوات الموسيقية التي توارثها عن والده وأجداده، جالساً في محله وإلى جانبه أقرباء له نزحوا إلى تل تمر من المناطق التي تشهد معارك عنيفة يشرحون التطورات الميدانية، وعلق على المشهد ليقول: «تجربة عفرين ومناطق جرابلس والباب شاهدة على الانتهاكات والتجاوزات التي نسمع عنها يومياً، فتركيا لا تريد مصلحة السوريين وخصوصاً أكراد سوريا، فكيف تدعي أنها قادمة لتحرير المنطقة»، وارتسمت علامات الاستفهام والتعجب على وجهه الذي بدا منهمكاً لما يدور حوله.
بينما أشار الشاب كابان البالغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً ويمتلك محلاً لبيع الفاكهة والخضراوات يقع بالسوق الرئيسية للبلدة، إلى أنّ تركيا ومنذ ثماني سنوات تتدخل في شؤون سوريا، «تدخلت في حلب وريفها وإدلب وريف دمشق، ماذا حدث لتلك المناطق، تم تهجير سكانها واستقدموا سكاناً جدداً من مناطق ثانية مهجرة»، واتهم تركيا بتغيير ديموغرافية المناطق الكردية في سوريا، وشدّد قائلاً: «بحجة المنطقة الآمنة ستجلب قوات عسكرية موالية لها، ومستوطنين من مناطق ثانية لإسكانهم وتكرار تجربة مدينة عفرين الكردية».
وحذرت 14 منظمة إنسانية وإغاثية دولية ومحلية في بيان مشترك قبل يومين من حدوث أزمة إنسانية جديدة في شمال شرقي سوريا، وذكر نشطاء ومتطوعون من أبناء تل تمر أن وضع النازحين في البلدة التي لجأوا إليها مقبول، حيث تم إيواء جميع النازحين من قبل الأهالي بمعونة رجال الكنيسة والهيئات والمنظمات الأهلية والمدنية.
وأعربت الناشطة أكلنتينا التي لم تهدأ منذ ثلاثة أيام متتالية عن حزنها العميق قائلة: «أول مشهد صادم وجوه الأطفال والنساء والشيوخ، شعور مأساوي وحالة من الرعب يعشيها أبناء المنطقة، فنيران الحرب لا ترحم ولا تميز بين مدني أو عسكري».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.