السينما السورية تلفت الأنظار وتبث الأمل في «مهرجان الإسكندرية»

لفتت السينما السورية، بإيقاعها الإنساني الشجي، الأنظار إليها بقوة، عبر مشاركتها المحدودة في فعاليات مهرجان الإسكندرية السينمائي، بعد أن ظلت لسنوات تنقل أجواء الحرب ومشاهد الدمار وجثث الموتى، مسجلة بشكل توثيقي وروائي مشاهد من الحرب التي عاشتها البلاد. أخيراً بدأت السينما السورية الخروج من هذه الدائرة، التي أدرك السينمائيون أنه لا بد من تجاوزها، ورصد انعكاساتها على الإنسان، وبث الأمل، وترميم النفوس التي تعرضت مثل المباني للكثير من الدمار.
ففي ظل ظروف الحرب والإرهاب التي عاشتها سوريا، كان الحديث عن السينما يعد ترفاً من وجهة نظر الكثيرين، على اعتبار أنه «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، لكن السوريين رغم كل شيء يدركون أهمية الشريط السينمائي الذي يوثق ويسجل ويرصد أحوال الناس، ويعد دليلاً وبرهاناً على وقائع تلك الأيام، لذا فلا عجب من أن يواصل السينمائيون السوريون عملهم بكفاءة واقتدار، وأن ينفعل المبدعون فيها فيصرون على الاستمرار مستخدمين سلاحهم بالكاميرا والصورة لتأكيد مواقفهم، بل تصبح الحرب رغم بشاعتها وقوداً لإبداعاتهم، لذا لم يخل مهرجان سينمائي عربي أو غربي من حضور سوري لافت بأفلام متميزة لا تتخذ من الظروف القاسية في الإنتاج والتصوير مبرراً لتقديم أعمال دون المستوى، بل تتفوق عناصرها وتتكامل فنياً بشكل مثير.
وفى مهرجان الإسكندرية السينمائي الـ35، كانت السينما السورية حاضرة بقوة بأفلامها ونجومها في مسابقات المهرجان وفعالياته. ففي مسابقة الأفلام الروائية الطويلة لدول البحر المتوسط، شاركت السينما السورية بفيلم «درب السماء» للمخرج جود سعيد، وبطولة أيمن زيدان، وصفاء سلطان، ومحمد الأحمد، ويطرح الفيلم قضية زياد مدرس اللغة العربية، الذي يجد نفسه وحيداً في مواجهة الحرب التي أجبرته هو وعائلته على النزوح واحداً تلو الآخر، لتتباعد بينهم المسافات، وما بين الموت والموت تزدهر بسمة الحياة ويبقى وميض الأمل. وكان جود سعيد قد رصد في أفلامه القصيرة والطويلة كثيراً من وقائع الحرب، وحصل فيلمه «مرة أخرى» على جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان سان فرانسيسكو، كما يشارك المخرج محمود خليل أحمد في مسابقة الأفلام الوثائقية بفيلم «رثاء الأم»، الذي يتعرض لقصة زوجين شهدا الأيام الأربعة الأخيرة قبل سقوط مدينتهما الكردية، ويعملان على رصد وتوثيق التفاصيل اليومية لحياتهما وحياة الناس بالمدينة من خلال كاميرا متواضعة لينقلا الحقيقة إلى العالم.
وفى فيلم «الاعتراف» للمخرج باسل الخطيب الذي عرض أول من أمس، ضمن الأفلام التي تتنافس على جائزة «مسابقة نور الشريف للأفلام العربية»، ينأى مخرجه تماماً عن مشاهد الحرب والدمار، ويقدم رؤية هادئة للأحداث، فيأخذنا إلى منطقة ريفية تبدو فيها الجبال وقد كساها اللون الأخضر، وما بين الماضي والحاضر تدور أحداث الفيلم خلال زمنين مختلفين، الأول مطلع الثمانينيات، حيث واجهت سوريا الجماعات التكفيرية، والثاني في 2016، حيث تفجرت جرائم هذه الجماعات الإرهابية، وذلك من خلال بطله الفنان الكبير غسان مسعود في واحد من أجمل أدواره «أبو جاد»، حيث يضطر لإيواء امرأة وطفلها في بيته بعد أن اكتشفت أن زوجها ينتمي لجماعة «الإخوان»؛ لكن هذا العمل الإنساني يدفع ثمنه باهظاً، وبعد سنوات تعود ابنة هذه السيدة، لتبحث عن حقيقة أمها لدى أبو جاد، وتفجر مواقف عديدة. شارك في بطولة الفيلم محمود نصر، وديما قندلفت، وكندة حنا، وروبين عيسى التي جسدت شخصية زوجة الابن. وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «الفيلم لم يحك عن العنف، لكن الأزمات التي عشناها، والتي لها ذيول عديدة متمثلة في جماعات الإرهاب التي تسعى لقتل الروح السورية المتسامحة؛ والفيلم يؤكد بقاء الأب راسخاً، رغم أهوال الحرب وفقد الأبناء».
لم تتوقف السينما السورية في أي وقت رغم ظروف الحرب، فليس بالسلاح فقط تدار المعارك، وأكدت رشا بركات، مسؤول التوزيع بالمؤسسة العامة للسينما في سوريا لـ«الشرق الأوسط»، أن «الإنتاج السينمائي في سوريا ازداد بعد الحرب، كنا ننتج فيلمين طويلين، ارتفع العدد إلى أربعة أفلام سنوياً، تمولها بالكامل مؤسسة السينما، كما ننتج عشرة أفلام قصيرة، واستحدثنا برنامجاً لدعم أفلام الشباب لإنتاج 30 فيلماً قصيراً سنوياً»، مضيفة أن «دور العرض السينمائي تشهد إقبالاً كبيراً من الجمهور السوري العاشق للسينما».