المتظاهرون يقتحمون برلمان الإكوادور... وسقوط عشرات الجرحى في اشتباكات مع قوات الأمن

الأمم المتحدة والكنيسة الكاثوليكية تعرضان التوسط في الأزمة

المتظاهرون الإكوادوريون يشتبكون مع قوات الأمن قرب مبنى البرلمان الذي تم اقتحامه ليل الثلاثاء (أ.ف,ب)
المتظاهرون الإكوادوريون يشتبكون مع قوات الأمن قرب مبنى البرلمان الذي تم اقتحامه ليل الثلاثاء (أ.ف,ب)
TT

المتظاهرون يقتحمون برلمان الإكوادور... وسقوط عشرات الجرحى في اشتباكات مع قوات الأمن

المتظاهرون الإكوادوريون يشتبكون مع قوات الأمن قرب مبنى البرلمان الذي تم اقتحامه ليل الثلاثاء (أ.ف,ب)
المتظاهرون الإكوادوريون يشتبكون مع قوات الأمن قرب مبنى البرلمان الذي تم اقتحامه ليل الثلاثاء (أ.ف,ب)

تمكّن المتظاهرون الإكوادوريون من اقتحام مبنى البرلمان في ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء، لكن تمّ إخلاؤهم بعد مواجهات عنيفة مع قوات الأمن أوقعت عشرات الجرحى.
وتمكن المتظاهرون ومعظمهم من السكان الأصليين المزودين بعصي وسياط من تخطي طوق أمني محيط بالمبنى، وسارعوا للدخول إلى غرفة الاجتماعات واحتلوا المنصة، لكن قوات الأمن تمكنت من طردهم بعد وقت قصير. وأمر الرئيس مورينو بعد ذلك بحظر تجول ليلي بهدف حماية المقرات الرسمية.
وكان آلاف السكّان الأصليين، الذين يقودون الاحتجاجات الشعبية عادة في الإكوادور، قد قطعوا مئات الكيلومترات إلى العاصمة للضغط على رئيس الجمهورية، اليميني لينين مورينو، كي يسحب الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها حكومته، وفي طليعتها زيادة أسعار المحروقات التي تضاعفت بين ليلة وضحاها بعد إلغاء الدعم الذي كان مطبّقاً عليها منذ أربعة عقود.
ووصل أصلاً نحو 20 ألف متظاهر إلى العاصمة وأقاموا خياماً في مواقف السيارات أو احتلوا مباني، بحسب اتحاد قوميات السكان الأصليين في الإكوادور، كما نقلت عنه الصحافة الفرنسية.
وتصاعدت موجة الاحتجاجات الشعبية خلال الأيام الستة الأخيرة ما دفع الحكومة إلى فرض حظر التجوّل في العاصمة حول جميع المباني الرسمية في العاصمة كيتو بعد أن كانت قد أعلنت حالة الطوارئ يوم الاثنين الماضي، واستدعت الجيش لمؤازرة قوات الأمن والشرطة لاحتواء المظاهرات التي يقودها السكّان الأصليّون ضد قرار إلغاء الدعم عن أسعار المحروقات وارتفاع أسعار معظم المواد الأوليّة. ومع تصاعد الاحتجاجات وتوافد آلاف المتظاهرين نحو كيتو للمطالبة باستقالة رئيس الجمهورية، قرّر مورينو أول من أمس الثلاثاء نقل العاصمة بصورة مؤقتة إلى مدينة غواياكيل الساحلية، التي تعتبر العاصمة الاقتصادية للبلاد وتعيش فيها أكبر جالية عربية في الإكوادور يزيد عددها عن نصف مليون نسمة معظمهم يتحدّر من أصول لبنانية.
وحاول المتظاهرون أيضاً اقتحام مقر البرلمان الاثنين. وتسببت هذه الاحتجاجات المتواصلة منذ أيام بتراجع إنتاج النفط في هذا البلد الواقع في أميركا الجنوبية بالثلث. وأدى استيلاء محتجين على ثلاث منشآت نفطية في منطقة الأمازون إلى تراجع إنتاج النفط بنسبة 31 في المائة وفق ما قالت وزارة الطاقة الثلاثاء. وأكدت الوزارة في بيان أن الخسارة في الإنتاج في شركة النفط الحكومية بيتروأمازوناس «ستبلغ 165 ألف برميل في اليوم». وتنتج الإكوادور 531 ألف برميل في اليوم عادة، لكنها خرجت من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) الأسبوع الماضي بسبب «معوقات» اقتصادية.
واتهمت الحكومة الحالية الرئيس السابق، اليساري رافايل كورّيا ورئيس فنزويلا نيكولاس مادورو، بالتحريض على هذه الاحتجاجات بهدف إضعاف الرئيس الحالي الذي تشاء المفارقات أنه كان مرشّحه في الانتخابات السابقة قبل أن ينقلب عليه إثر فوزه وينهج سياسة يمينية ويصبح خصمه السياسي الأول. وكان مورينو قد اتهّم كورّيا مباشرة بالوقوف وراء موجة الاحتجاجات قائلا: «هو المسؤول عن هذه المحاولة الانقلابية والذي يستخدم السكّان الأصليين ويحرّضهم على تدمير المؤسسات العامة ونهبها». وكوريا الذي ترأس الإكوادور بين 2007 و2017 ملاحق في بلده للاشتباه بأنه أصدر أمراً بخطف أحد مناوئيه السياسيين عندما كان رئيساً. وكان كورّيا قد انتقل إلى بلجيكا بعد الانتخابات الأخيرة إثر صدور عدد من مذكرات الجلب بحقّه للتحقيق معه ومحاكمته بتهم الفساد المالي.
وردّ كورّيا على هذه الاتهامات بقوله: «هم الذين قاموا بالانقلاب عندما دمّروا النظام الديمقراطي وضربوا بعرض الحائط الدستور وأطلقوا حملة غير مسبوقة لقمع خصومهم السياسيين وملاحقتهم». وكانت نقابات قطاع النقل قد دعت للانضمام إلى الإضراب العام يوم أمس الأربعاء والمشاركة بكثافة في المظاهرات الشعبية التي تخشى الحكومة أن تخرج عن إطار السيطرة بعد الاشتباكات العنيفة التي وقعت في اليومين الماضيين واعتقال المئات وسقوط عشرات الجرحى وأربعة قتلى في صفوف المتظاهرين.
وفور وصوله إلى مقرّ الرئاسة المؤقت في غواياكيل، أعلن مورينو أن حالة الطوارئ ستبقى سارية لمدة 60 يوماً لضمان الأمن بعد أن شُلّت حركة النقل في البلاد وعمّت المظاهرات الشعبية واشتعلت حرائق احتجاجية كبيرة في الكثير من المدن، وأقدم متظاهرون على قطع الطرق وتقرر إقفال المدارس حتى إشعار آخر.
وأكّد مورينو عزم حكومته على تطبيق الإجراءات الاقتصادية التي أدّت إلى هذه الاحتجاجات، وقال: «لا مجال للتراجع عنها، وبخاصة إلغاء الدعم على المحروقات الذي يلحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد». وتقول مصادر الحكومة إن إلغاء الدعم على المحروقات من شأنه أن يوفّر للخزينة دخلاً سنويّا بمقدار 1.5 مليار دولار، فيما تحتجّ النقابات على أن هذا الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات يؤدي تلقائياً إلى ارتفاع أسعار معظم المواد الأولية.
وحاول الرئيس الثلاثاء استدراك المظاهرة التي كانت مقررة أمس الأربعاء بدعوته إلى إجراء محادثات مع «إخوتنا من السكان الأصليين». وقال إن عائدات رفع الإعانات عن المحروقات سيتم صرفها على «الأكثر فقراً». وعرضت الأمم المتحدة والكنيسة الكاثوليكية التوسط في الأزمة، وفق ما أكدت وزيرة الداخلية ماريا باولا رومو.
ويخشى مراقبون من تفاقم هذه الأزمة في ظل المواجهة السياسية الشديدة بين الرئيس الحالي وخصمه الرئيس السابق الذي ما زال يتمتّع بشعبية واسعة في البلاد. لكن موقف مورينو حظي بدعم سبع دول أميركية جنوبية، أعربت عن رفضها لمحاولات مادورو وحلفائه في «زعزعة استقرار» الإكوادور. وفي بيان مشترك، أعربت حكومات «الأرجنتين والبرازيل وكولومبيا والسلفادرو وغواتيمالا والبيرو وباراغواي عن رفضها التام لمحاولات زعزعة استقرار أنظمة ديمقراطية وعن دعمها التام لأي خطوات يتخذها مورينو».
وتنظر الحكومات اليمينية في هذه الدول السبع إلى إدارة مورينو الاشتراكية المعتدلة كحليف إقليمي أساسي ضد فنزويلا.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».