القميص الأبيض... قطعة كل زمان ومكان

الإطلالة التي ظهرت بها دوقة ساسيكس في شهر سبتمبر الماضي
الإطلالة التي ظهرت بها دوقة ساسيكس في شهر سبتمبر الماضي
TT

القميص الأبيض... قطعة كل زمان ومكان

الإطلالة التي ظهرت بها دوقة ساسيكس في شهر سبتمبر الماضي
الإطلالة التي ظهرت بها دوقة ساسيكس في شهر سبتمبر الماضي

كلما ظهرت دوقة ساسيكس، ميغان ماركل، بدأ الجدل وتشريح ما تلبسه بين معجب ومستنكر. فبينما أرقام المبيعات تؤكد أنها تحرك السوق بمعنى أن أغلب القطع التي تظهر بها تنفذ من السوق مباشرة أو بعد بضعة أيام، فإن البعض لا يتوقف عن انتقادها وتصيد أخطائها. آخر الإطلالات التي أثارت حفيظة هؤلاء، ظهورها بفستان أسود من تصميم دار «فالنتينو» في حفل زواج صديقتها المصممة ميشا نونو. حسب رأيهم، كان من المفترض أن تختار لونا آخر غير الأسود، وهو ما يمكن اعتباره تحاملا بالنظر إلى أن انتقادهم لم يطل باقي الحاضرات مثل الأميرة يوجيني والعارضة كارلي كلوس، اللتين اختارتا الأسود أيضا في هذه المناسبة.
بيد أن اللافت في ظاهرة ميغان ماركل، أنها لم تُثر أي جدل يُذكر عندما ظهرت في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وخلال إطلاق مجموعة أزياء Smart Set لصالح جمعية خيرية تُعنى بشؤون المرأة وتأهيلها للعمل، ببنطلون أسود بسيط وقميص أبيض كلاسيكي. أجمع الكل على أنها كانت إطلالة موفقة، أكدت فيها أن القميص الأبيض قطعة لكل المناسبات والأذواق. فهو مقبول شكلا ومضمونا في كل زمان ومكان، بما في ذلك مناسبات المساء والسهرة، كما أكد لنا المصمم الإيطالي الراحل جيان فرنكو فيري منذ عقود، وبعده المصممة كارولينا هيريرا التي لا تزال تُتحفنا به مع تنورات طويلة، فضلا عن عدد من المصممين الشباب. ما يُدركه هؤلاء أن هذه القطعة نضجت واكتملت بدليل أنها تحولت من مجرد قميص عادي من القطن يلبسه الرجل مع بدلة رسمية داكنة، أو فتاة صغيرة مع زيها المدرسي، إلى قطعة تعبق بالأنوثة. بل يمكن القول إنها أنوثة طاغية إذا عدنا إلى تلك الصورة الأيقونية التي تظهر فيها النجمة الراحلة مارلين مونرو بقميص أبيض معقود عند الخصر في الأربعينات من القرن الماضي مع بنطلون جينز. لا يختلف اثنان أن ملكة الإغراء كان لها فضل كبير في إخراجه من خزانة الرجل وإدخاله إلى خزانة المرأة. طبعا لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد تسلل إلى عالم الموضة وأصبح من الكلاسيكيات، التي يمكن للمصممين اللعب بتفاصيلها من دون المساس بأساسياتها. ولا يخفى على أحد أن قوته زادت في السنوات الأخيرة مع تنامي الأسلوب الذي يزاوج الذكوري بالأنثوي. مظهر ظهر أول مرة في الثمانينات نتيجة اقتحام المرأة مجالات عمل كانت حكرا على الرجل وأخذ نكهة عصرية تعكس ثقافة المجتمع المعاصر. في الثمانينات كان رسميا وصارما لأن المرأة حينذاك كانت تحاول فرض نفسها بالشكل الذي كانت ترى أنه سيكون مقبولا في مجتمع ذكوري. الآن اكتسبت هذه المرأة حقوقا أكثر وثقة أكبر بعد أن أكدت كفاءتها، وبالتالي لم تعد تحتاج إلى أسلحة تقليدية لفرض نفسها. بل العكس، اكتشفت أن أسلحتها الخاصة لا تتعارض مع النجاح في حال استعملتها بطرق صحيحة وغير مُبتذلة.
المصممون رحبوا بهذه الثقافة وترجموها في عدة قطع رجالية أخرى خففوا من صرامتها، مثل البدلة والتوكسيدو والبنطلون، وطبعا القميص الأبيض. بل الطريف أنهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك بإضافة ربطة عنق وحذاء رجالي بأربطة لمظهر يلعب على الشقاوة. فمتعة الموضة، بالنسبة لهم، تكمن في عدم التعامل معها بجدية وصرامة، سواء تعلق الأمر بأساليب تنسيقها، أو بإدخال خامات ومواد جديدة أو ألوان لم تكن تخطر على البال من قبل. من هذا المنظور، دخل الحرير إلى القميص الأبيض وظهرت تصاميم منسدلة بأطوال مختلفة، تخال بعضها أحيانا فساتين قصيرة، فيما ظلت التصاميم الكلاسيكية المفصلة حاضرة مع بعض الإضافات الطفيفة، التي تفتق عليها خيال المصممين من باب التغيير ورحبت بها المرأة من باب التجديد.
لكن رغم كل هذا التنوع، بقي القميص المصنوع من القطن بتصميمه المستوحى من القميص الرجالي هو الأقوى، وهو الذي تبنته ميغان ماركل في إطلالتها الأخيرة. فبينما خياراته الأخرى مرحب بها، إلا أن إغراقه في البساطة وافتقاده إلى التفاصيل الكثيرة يخدمه أكثر مما ينتقص منه، لأنه يجعله عمليا أكثر، كما يجعل تنسيقه مع قطع أخرى سهلا، سواء كان مع بنطلون جينز في الأيام العادية، أو بنطلون مستقيم في أماكن العمل، أو تنورة طويلة ومنسابة في حفل كبير. فمن ميزاته الكثيرة أنه يحمل المرأة بسهولة وأناقة من المكتب إلى حفل عشاء.

همسات
- المتعارف عليه أن القميص الأبيض مع بنطلون الجينز التقليدي هو زي خاص بإجازات نهاية الأسبوع والمناسبات «الكاجوال»، لكن هذا ليس صحيحا في حال تم اختيار بنطلون الجينز بلون غامق جدا، فهو هنا يمكن أن يرتقي بالإطلالة بحيث تُصبح مناسبة في أماكن العمل.
- البنطلون المفصل أو الواسع موضة قوية هذا الموسم وبالتالي فإن تنسيقه مع قميص أبيض كلاسيكي يجعله مناسبا للقاءات العمل كما المناسبات التي تحتاج إلى مظهر يجمع الأناقة بالعملية
- تنسيقه مع تنورة طويلة أو مستقيمة يُضفي عليه مظهرا أكثر نعومة على شرط عدم الإغراق في هذه النعومة. فالتوجه حاليا هو أن يكون المظهر «سبور» وهذا يعني تنسيقه مع حذاء «رياضي» أو «باليرينا» للنهار على الأقل.
- تنسيق القميص مع تنورة مطرزة بالترتر والخرز يمكن أن يدخله مناسبات السهرة والمساء، عدا أنه سيخفف من بريق التنورة ويجعل الإطلالة أكثر حداثة وعصرية، لا سيما إذا تم طي الأكمام إلى الكوع بشكل يدعو باللامبالاة.
- إذا كانت النية الحصول على إطلالة تضج بالقوة، فإن تنسيقه مع بدلة مفصلة هو الوسيلة. بيد أنه يفضل هنا عدم محاولة التخفيف من قوة المظهر بل العكس، اللعب عليه بتنسيقه مع حذاء رياضي أو مستوحى من حذاء «أكسفورد» الرجالي. أما إذا كنت أكثر جرأة فيمكن أيضا إضافة ربطة عنق نحيفة أو على شكل «بابيون».

محطات من تاريخه:
> كان في البداية ترفاً يحتكره الرجل الأرستقراطي والثري فقط؛ لأن بياضه كان يستدعي عناية فائقة في غياب «الغسالات» العصرية. وبحكم أن هذا الرجل لم يكن يعمل في مجالات تستدعي مجهوداً بدنياً يُؤدي إلى اتساخه بسرعة أصبحت هذه القطعة لصيقة به، وهذا ما يفسر أيضاً تصاميمه «الداندية»، مثل التطريزات والكشاكش التي لم تكن تناسب العامة.
> في الأربعينات من القرن الماضي دخل خزانة المرأة بعد أن اعتمدته كل من مارلين مونرو، وكاثرين هيبورن، ولورين باكال. كل واحدة بطريقة تعكس شخصيتها.
> في الخمسينات ظهرت به أودري هيبورن في فيلم «رومان هوليدايز» (عطلة رومانية)، وهي التي جعلته أكثر شعبية؛ لأن المرأة لم تكن ترى في النجمة أنوثة طاغية مثل مارلين مونرو أو قوة ذكورية مثل كاثرين هيبورن. كانت أودري تمثل أغلبية النساء.
> لم يشهد في الستينات والسبعينات أي تغييرات تُذكر، لكنه عاد في الثمانينات بفضل المغني برينس الذي ظهر به مع جاكيتات مزخرفة ولافتة، ثم جوليا روبرتس في فيلم «امرأة جميلة».
> في التسعينات، أصبح من أساسيات الموضة بفضل كل من كالفن كلاين ودونا كاران. وإلى حد الآن لا يغيب من أغلب العروض.



برنامج هارودز «ذا هايف» يعود إلى الرياض حاضناً المواهب الشابة

جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)
جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)
TT

برنامج هارودز «ذا هايف» يعود إلى الرياض حاضناً المواهب الشابة

جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)
جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)

في ظل ما تمر به صناعة الترف من تباطؤ وركود مقلق أكدته عدة دراسات وأبحاث، كان لا بد لصناع الموضة من إعادة النظر في استراتيجيات قديمة لم تعد تواكب الأوضاع الحالية، وإدخال أخرى تقرأ نبض الشارع وثقافة جيل صاعد يُعوِلون عليه ويريدون كسب ولائه بربط علاقة مستدامة معه.

وهذا تحديداً ما تقوم به بيوت أزياء عالمية حوَلت متاجرها إلى فضاءات ممتعة يمكن للزبون أن يقضي فيها يوماً كاملاً ما بين التسوق وتناول الطعام أو فقط الراحة وتجاذب أطراف الحديث مع الأصدقاء في جو مريح لا يشوبه أي تساؤل.

جانب من الحوارات في النسخة الأولى أظهرت تشبث الشباب السعودي بإرثه وموروثاته (هارودز)

محلات «هارودز» ذهبت إلى أبعد من ذلك. ففي أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2021، أطلقت ما أصبح يُعرف بـ«هارودز هايف». برنامج قائم على حوارات ونقاشات مُلهمة يستهدف احتضان المواهب المحلية الصاعدة ودعمها أينما كانت، وذلك بجمعها مع رواد الترف والمختصين في مجالات إبداعية بشباب صاعد متعطش للمعرفة واختراق العالمية.

كانت التجربة الأولى في شنغهاي، ومنها انتقلت إلى بكين ثم دبي وأخيراً وليس آخراً الرياض.

ففي يناير (كانون الثاني) 2024، وتحت عنوان «الغوص في مفهوم الفخامة»، كانت النسخة الأولى.

الأميرة الجوهرة بنت طلال بن عبد العزيز آل سعود في حوار جانبي مع الحضور (هارودز)

نجحت «هارودز» في إظهار مدى حماس شباب المنطقة لمعرفة المزيد عن مفهوم الفخامة الحصرية وطرق مزجها بثقافتهم وإرثهم. ما كان لافتاً في التجربة السعودية تحديداً تمسك الشباب بالتقاليد والتراث رغم انفتاحهم على العالم.

وهذا ما ترجمته الأميرة الجوهرة بنت طلال بن عبد العزيز آل سعود، سيّدة الأعمال والناشطة في الأعمال الخيرية التي شاركت في النسخة الأولى بقولها: «لم أُرِد يوماً أن أغيّر أي شيء في تقاليدنا، لأنّنا نملك الكثير من الفنون والإبداع. نحن نعتبر تقاليدنا من المسلّمات، لكن العالم توّاق لما هو جديد –وينبذ الرتابة– فقد ملّ من العلامات التجارية نفسها والتصاميم ذاتها».

سارة مايلر مدير تطوير الأعمال الدولية والاتصالات بـ«هارودز» (هارودز)

كان توجه «هارودز هايف» إلى الرياض مسألة بديهية، حسب قول سارة مايلر، مدير تطوير الأعمال الدولية والاتصالات بـ«هارودز» في لقاء خاص، «لقد جاء تماشياً مع رؤية المملكة 2030 والطفرة التي تشهدها حالياً... أردنا من خلال البرنامج التركيز على القدرات الثقافية والإبداعية التي تكتنزها هذه المنطقة لا سيما أن لدينا فيها زبائن مهمين تربطنا بهم علاقة سنين».

محلات «هارودز» مثل غيرها من العلامات الكبيرة، ليست مُغيَبة عن الواقع. هي الأخرى بدأت تلمس التغييرات التي يمر بها العالم وتؤثر على صناعة الترف بشكل مباشر.

من بين الاستراتيجيات التي اتخذها العديد من صناع الموضة والترف، كان التوجه إلى جيل «زي» الذي لم يعد يقبل بأي شيء ويناقش كل شيء. الترف بالنسبة له لم يعد يقتصر على استهلاك أزياء وإكسسوارات موسمية. بل أصبح يميل إلى أسلوب حياة قائم على معايير أخلاقية تراعي مفهوم الاستدامة من بين معايير أخرى. الموضة ترجمت هذه المطالب في منتجات مصنوعة بحرفية عالية، تبقى معه طويلاً، إضافة إلى تجارب ممتعة.

معانقة الاستدامة

متجر «هارودز» مثل غيره من العلامات الكبيرة، أعاد تشكيل تجربة التسوق بأن جعلها أكثر متعة وتنوعاً، كما تعزز الاستدامة والتواصل الثقافي. وهذا تحديداً ما تستهدفه مبادرة «ذا هايف» وفق قول سارة «فهذا النهج ليس منصة للحوارات فحسب، بل يتيح لنا التواصل مع الجمهور بشكل أفضل لكي نتمكن من فهمه ومن ثم تلبية احتياجاته وتوقعاته. كما يسمح لنا ببناء علاقة مستدامة مبنية على الاحترام وفهم احتياجات السوق المحلي. وليس هناك أفضل من الإبداع بكل فنونه قدرة على فتح حوار إنساني وثقافي».

إطلاق النسخة الثانية

قريباً وفي الـ11 من هذا الشهر، ستنطلق في الدرعية بالرياض الدورة الثانية تحت عنوان «إلهام الإبداع من خلال التجربات». عنوان واضح في نيته التركيز على القصص الشخصية والجماعية الملهمة. كل من تابع النقاشات التي شاركت فيها باقة من المؤثرين والمؤثرات في العام الماضي سيُدرك بأن فكرته وُلدت حينها. فالتمسك السعودي بالهوية والإرث لم يضاهه سوى ميل فطري للسرد القصصي.

سمة بوظو أكدت في نسخة 2024 أن فنّ رواية القصص جزء من التركيبة السعودية (هارودز)

أمر أوضحته بسمة بوظو، أحد مؤسّسي الأسبوع السعودي للتصميم والتي شاركت في نسخة 2024 بقولها: «بالنسبة لنا كمبدعين، فإن ولعنا بالفنون والحرف التقليدية ينبع من ولعنا بفنّ رواية القصص، لدرجة أنه يُشكّل محور كل أعمالنا». وتتابع مؤكدة: «حتى توفّر التكنولوجيا الحديثة واكتساحها مجالات كثيرة، يُلهمنا للارتقاء بفنّ رواية القصص».

من هذا المنظور، تعد سارة مايلر أن برنامج هذا العام لن يقل حماسًا وإلهاماً عن سابقه، خصوصاً أن الحلقات النقاشية ستستمد نكهة إنسانية من هذه القصص والتجارب الشخصية، بعناوين متنوعة مثل «إلهام الإبداع» و«الرابط»، و«تنمية المجتمع الإبداعي» و«القصص المهمة» وغيرها.