هيفاء المنصور: فيلمي الجديد رسالة عن المتغيرات الإيجابية في السعودية

«المرشحة المثالية» معروض على شاشات مهرجان لندن السينمائي

لقطة من فيلم «المرشحة المثالية»
لقطة من فيلم «المرشحة المثالية»
TT

هيفاء المنصور: فيلمي الجديد رسالة عن المتغيرات الإيجابية في السعودية

لقطة من فيلم «المرشحة المثالية»
لقطة من فيلم «المرشحة المثالية»

من بين كل الأفلام المشتركة في الدورة الحالية (63) من مهرجان لندن السينمائي، هناك فيلم واحد يتطرق إلى موضوع المرأة في الدول المحافظة. هو ذاته الفيلم الذي يتحدث بأكثر من صورة، عن تلازم الفن والطموح، ليس في ذات المرأة فقط؛ بل في ذات الرجل أيضاً.
هذا الفيلم هو «المرشحة المثالية» لهيفاء المنصور. المخرجة السعودية الأوفر حظاً بين أترابها من المخرجين والمخرجات السعوديين، الذين أنجزوا أفلامهم في السنوات الخمس الأخيرة على وجه التحديد. وهي أوفر حظاً لسببين وجيهين: الأول أنّها سبقت أترابها في عرض ما يريد الجمهور العالمي مشاهدته قبل سواه من الأفلام السعودية. تشبّثت بقضية المرأة في بلادها، وقدّمت فيلماً عن الفتاة التي تهوى ركوب دراجة هوائية؛ لكنها تجد صدّاً من المجتمع الذكوري. وقد ورد ذلك في فيلم المنصور الأول «وجدة» (2012). حلّقت المخرجة التي سبق لها أن حقّقت أفلاماً سعودية قصيرة عُرض معظمها في مهرجانات دولة الإمارات، على مسافة عالية في سماء السينما العالمية.
السبب لم يكن محصوراً فقط في كونها أول مخرجة سعودية تنجز فيلماً روائياً طويلاً (على أهمية هذا العامل)؛ بل كذلك في أنّها سلّطت الضوء على قضية الانفتاح الذي شهدته المملكة منذ ذلك الحين، وفي السنوات اللاحقة على الأخص.
تقول هيفاء المنصور لـ«الشرق الأوسط» في لقاء جرى مؤخراً: «كل من هذين الفيلمين: «وجدة» و«المرشحة المثالية» عنوانان لموضوع واحد. السعودية تتقدم حثيثاً صوب منح المرأة حقوقها الاجتماعية، والفيلمان هما نتيجة هذا الانفتاح، وهما في الوقت ذاته دعوة لمزيد من التقدم في هذا الاتجاه».

رسالة تعبير
يتحدث «المرشحة المثالية» عن امرأة شابة تعمل طبيبة في أحد مستشفيات الحكومة الموجودة في ضواحي المدينة. الطريق إلى المستشفى بحاجة ماسة إلى ترميم وإصلاح، ولا يوجد هناك مسؤول يسمع شكوى الطبيبة أو يأخذ اهتمامها بتحسين الوضع على محمل الجد.
لكن هذه هي إحدى مشكلاتها المقيمة معها في المستشفى. المشكلة الكبيرة الأخرى هي عزوف بعض المرضى الرجال عن التداوي على يديها. أحدهم عجوز معرض لمضاعفات قد تودي بحياته، يرفض أن تداويه، ويطلب طبيباً رجلاً؛ لأنه لا يريد أن تلمسه هذه المرأة.
فوق كل ذلك، المسؤول المباشر عنها يغلظ عليها في اللوم عندما تصر على مداواة العجوز.
إذ تضع المخرجة شخصية ذلك العجوز في مقدّمة الفيلم، تتيح لنفسها - وقد كتبت السيناريو بنفسها - أن تعود إليه لنجده يخبرها، بعدما استطاعت إنقاذ حياته بالفعل، أنّه لم يكن محقاً فيما ذهب إليه من تعنت، داعياً لها بالخير. كدليل ثقة يفصح لها أيضاً بأنه صوّت لها كونها ترشحت رئيسة لبلدية المنطقة.
هذا الترشيح هو المادة الرئيسية في الفيلم. يجري - إلى حد كبير - من دون تصميم مسبق: لكي تقابل مديراً حكومياً تعرفه لأجل تنفيذ مشروع تعبيد الطريق المشار إليها، كان عليها أن تملأ استمارة ترشيح لمنصب رئيس البلدية. لا تتردد. بصورة تلقائية، وبما أنها أصبحت رسمياً مرشحة، تخوض معركة الترشيحات الصعبة.
وتضيف: «فيلمي هذا رسالة عن المتغيرات الإيجابية التي تحدث في المملكة، وفي الوقت ذاته تحافظ على تقديم قضايا المرأة السعودية في هذه الفترة. أردت أن أوصل رسالة تعبر فيها بطلة الفيلم عن الواقع، وهو أنّها تستطيع أن تكون مرشحة مثالية بالفعل ولو في مواجهة مرشحين ذكور. ليس أنّ هذا من حقها فقط؛ بل تجد نفسها مطالبة بالنجاح وسط الشكوك في إمكانية تحقيق هذا النجاح، والمصاعب التي تحيط بها، ومصدرها الأساسي العقلية المحافظة التي لا تأخذ ترشيحها على محمل الجد، ولا تثق بأنّها قادرة على إنجاز ما يستطيع المرشح الرجل إنجازه».
تتخذ المسألة قدراً كبيراً من التحدي، وتتحوّل إلى صلب الحكاية المختارة لهذا الفيلم. نعم، بقي شاغل بطلة الفيلم دفع المسؤولين لتعبيد الطريق المؤدية إلى المستشفى؛ لكن رحلتها في خضم المعركة السياسية التي تقودها لا تخلو من الأهمية أيضاً. هنا يتابع الجمهور أول فيلم عربي يتحدث عن صعوبة أن تخوض المرأة ترشيحاً حكومياً. في بعض الدول العربية ليست هناك الحاجة ذاتها لخوض هذا الحديث؛ لكن في أخرى هذا الشأن لا يزال غير مطروق، وهيفاء المنصور تفتح بابه.
لكن المخرجة التي تقوم حالياً بتصوير حلقة تلفزيونية من مسلسل جديد بعنوان «Motherland‪:‬ Fort Salem» توفر مساحة مطلوبة لسعي والد الطبيبة لشق طريقه وسط مصاعب مشابهة، ولو كانت مختلفة. إنه رئيس فرقة من الموسيقيين عازفي ألحان التراث السعودي. يرحل من حفل لآخر في أنحاء المملكة وخارجها، ويسعى قدر إمكانه لدفع المسؤولين لضم الفرقة إلى عتادها من الفرق المعتمدة والمدعومة. ومع أن هذا يحدث في إحدى جولاته الأخيرة، فإن الوصول لتحقيق هذه الغاية يأخذ طريقاً موازية للطريق التي اتخذتها ابنته في محاولتها للنجاح في الانتخابات البلدية. تقول المخرجة:
«كان لا بد من هذا الخط الموازي؛ لأني أريد أن أتحدث عن أنّ المسألة المطروحة لا تتعلق فقط بجانب واحد من الحياة؛ بل لها جوانب أخرى، والأب هو تجسيد أحد هذه الجوانب. في رأيي أن الحرية والفن لا ينفصلان، كل منهما يؤدي حتماً إلى الآخر». إذ تمثل مريم (كما أدتها ميلا الزهراني) السعي لحرية المرأة، ويمثل الأب السعي لرقي الفنون كموازٍ أساسي. رغم ذلك حين تطلب مريم مساعدة أبيها تجده غائباً عنها. هل هذا التغييب مقصود بحد ذاته؟ أليس ترداداً لغياب الأب في «وجدة»؟
تجيب المخرجة: «لا أعتقد أنّه غياب مشترك. في (وجدة) له ظروف مختلفة تماماً عن غيابه في (المرشحة المثالية)؛ لأنه هنا نراه في سعي بنّاء لنشر ثقافة الفن الموسيقي حسب التراث السعودي. لكنّي أوافق على ملاحظتك بأن كلا الفيلمين يحتويان على فكرة غياب الأب، ولو أنّها هنا مختلفة كما ذكرت».

خطوات مدروسة
بين هذين المشروعين السعوديين كانت المخرجة أنجزت، قبل عامين، فيلماً لا علاقة له بالمجتمع السعودي ولا بالقضايا المثارة فيه. لقد تصدّت لفيلم من طينة مختلفة. فيلم سيرة حياة الكاتبة ماري شيلي، في فيلم يحمل الاسم ذاته عنواناً (لعبت الدور إيل فانينغ) التي وضعت، فيما وضعت، قصة «فرانكنشتاين». لماذا اختارت ذلك الفيلم؟
«لم أكن أتوقع أن يتم اختياري لهذا الفيلم، لذلك هو ليس اختياري أنا؛ لكنني سعدت به لأنني نظرت إلى المناسبة كفرصة للعمل في أجواء السينما الغربية عن كثب. وصلني السيناريو وكنت أسأل نفسي وأنا أقرأه: (مالي وهذا الفيلم)؛ لكنّي اكتشفت أنّه إلى جانب أن السيناريو مكتوب جيداً، يدور حول الحرية الممنوحة للمرأة والتحديات التي تواجهها. هو بدوره عن ظروفها المكبّلة وسعيها الدؤوب لتحقيق ذاتها. هو السعي ذاته الذي في شخصية وجدة ومريم. وكانت فرصة مهمة لي على أكثر من وجه».
رغم النجاح المهرجاني والنقد المعتدل لذلك الفيلم، فإن الجمهور (والمهرجانات كما الإعلام بصفة عامّة) يتطلع إلى هيفاء المنصور كمعبّرة عن بلدها وعن جيلها إلى حد أن تحقيقها «ماري شيلي» لم يأتِ حافلاً بالمستوى ذاته من الاهتمام. هذا على عكس ما حدث مع «وجدة»، وما يحدث الآن مع «المرشحة المثالية» الذي اندرج قبيل نهاية الشهر الماضي في عداد الأفلام الأجنبية المرشحة لأوسكار أفضل فيلم دولي (سابقاً ما كان عنوانه «أفضل فيلم أجنبي»). كيف ترى المخرجة مسؤوليتها في هذا الصدد؟
«هي مسؤولية كبيرة بلا ريب؛ لكن لا بد لي أن أشرح شيئاً مهماً في البداية. المجتمع السعودي يتغير بإيجابية واضحة، ولو أن الخطوات ليست متسارعة أو مسلوقة. والمهم ليست سرعة التغيير بل استمراره. أنا شخصياً فخورة بأني أعمل في هذه الفترة المهمة من حياة المملكة، وأساهم عبر فن السينما بجزء من هذا التغيير. مهمّتي أن أشرح عبر أفلامي الواقع للآخرين وأذكّـر بأن الأمور تتحوّل إلى الأفضل بكل تأكيد. نعم هي مسؤولية كبيرة، وعليَّ أن أكون واقعية من ناحية، ولا أنسى طموحاتي المشروعة كفنانة تعمل في الحقل الذي تحب العمل فيه».
رغم كل ذلك، وهو فعلي، لا بد للناقد أن يلحظ قدراً من تحاشي الإفصاح عن كل ما يمكن الإفصاح عنه من قضايا في هذا الشأن. كل من «وجدة» و«المرشحة المثالية» يحددان وضعية مثيرة جداً للاهتمام؛ لكنهما ينتهيان بأمل أوسع نطاقاً مما تحقق بالفعل.
«هذا مقصود؛ لأنّ التغيير لا يمكن أن يحدث بالقفز فوق الحواجز، وما أقوم به هو تقديم القضايا والحوافز، وأسبر طريقاً أراها صحيحة. غير ذلك سيكون نوعاً من النقد والتحدي، وأنا أعلم أنه ليس المنشود في هذه المرحلة. تستطيع أن تنقد عندما تكتمل التطوّرات والمتغيرات؛ لكن السعودية ما زالت في خضم هذه المتغيرات، وعليَّ كفنانة أن أدعمها في الوقت الذي أولي العمل ما يحتاجه من عناصر نجاح».
ما تقوله يفسر النهايات السعيدة التي تطرحها. ليست سعيدة بسذاجة؛ بل سعيدة بأمل وبطموح يأتيان بعد أحداث يحتاجها المشاهد (العربي كما الغربي) لمعرفة الواقع والطموحات التي ينضح بها.
«لو لاحظت المسافة الزمنية بين فيلمي (وجدة) و(المرشحة المثالية) ستدرك حجم الخطوات الجادة التي قامت بها المملكة على مدى خمس أو ست سنوات. هذا ما يجعلني متفائلة ومقتنعة بأنّ مشكلات بطلاتي ستُحل، ما سيجعلني أبحث في المرات المقبلة عن مواضيع أخرى تواكب المراحل المقبلة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».