«تراثنا»... إحياء للحرف اليدوية بأيادٍ مصرية

500 عارض وعارضة في أكبر تجمع من نوعه

أعمال التطريز اليدوي إحدى الصناعات اليدوية التي يروج لها معرض «تراثنا»
أعمال التطريز اليدوي إحدى الصناعات اليدوية التي يروج لها معرض «تراثنا»
TT

«تراثنا»... إحياء للحرف اليدوية بأيادٍ مصرية

أعمال التطريز اليدوي إحدى الصناعات اليدوية التي يروج لها معرض «تراثنا»
أعمال التطريز اليدوي إحدى الصناعات اليدوية التي يروج لها معرض «تراثنا»

لكل حرفة مصرية «سر صنعة»، يحفظ صاحبها هذا السر عن ظهر قلب، يردده بيديه لا بلسانه، معتمداً في ذلك على مهاراته الفردية وأدواته البدائية، فيترجمها في منتجات يدوية بديعة الشكل تسر الناظرين، الذين بدورهم يبدون إعجابهم مادحين هذا الصانع بأن «يده تُلف في حرير». ولا يزال عطاء الحرفيين والفنانين المصريين يتواصل؛ فلا تكلُ أيديهم عن نسج الكليم والسجاد والحصير اليدوي، وإبداع الخيامية والتللي والتطريز، والتشكيل بالخوص والفخار والصدف، وغيرها من الفنون والحرف اليدوية التراثية والصناعات التقليدية، التي يضمها حالياً معرض «تراثنا»، الذي يعد أكبر تجمع لعارضي الحرف اليدوية والتراثية من مصر، الذي تنظمه الحكومة المصرية، ممثلة في جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة. ويشارك بالمعرض أكثر من 500 عارض وعارضة من جميع المحافظات المصرية على مساحة 10 آلاف متر، وتعد زيارة المعرض فرصة مميزة لمشاهدة أصحاب هذه الفنون التراثية، والتعرف على التاريخ الفني العريق للصناعات اليدوية والتقليدية في مصر، كما يمكن اقتناء قطع فنية فريدة لمحبي هذه الفنون الرائعة، خصوصاً من جانب السائحين العرب والأجانب.
«الشرق الأوسط» تجولت بين أروقة المعرض وبين العارضين وأصحاب الحرف... والتوقف الأول كان في جناح ضيف شرف المعرض محافظة المنوفية بدلتا مصر، التي تشتهر بمنتجات السجاد والحصير اليدوي، وصناعة الصدف والفخار والسيرما، حيث ينقل المعرض للزوار جزءاً من المحافظة مخصصاً جناحاً كاملاً لها يشارك به الكثير من العارضين من أصحاب الحرف.
ويقول فوزي محمود، شيخ مهنة صناعة الفخار في قرية جريس، إنه امتهن هذه المهنة منذ أن كان في سن الخامسة؛ حيث ورثها عن آبائه وأجداده، وبدوره ورثها لأبنائه وأحفاده وأشقائه وجيرانه، موضحاً أن «أكثر المنتجات التي يصنعونها هي (القلل) و(المباخر) وأواني الطهي، خصوصاً الأطباق والطواجن، والتحف والقطع الديكورية، وكل ما يتناسب مع متطلبات الريف من منتجات الفخار». ويثمن الحرفي الستيني فكرة المعرض، قائلاً إن المعرض يشهد إقبالاً كبيراً على منتجاته، خصوصاً أن منتجات الفخار تعد رخيصة الثمن مقارنة بمنتجات أخرى، إلى جانب وعي الناس بأنها منتجات صحية، كما أن مثل هذه المعارض تفتح مجالات عديدة للتسويق، بالإضافة إلى التعريف بالصناعة، وبالتالي لا تنقرض.
في المنوفية أيضاً، تلمع صناعة الصدف وتطعيم المنتجات الخشبية به، حيث تقع عيناك أثناء التجول بالمعرض على عشرات العلب والمكعبات الخشبية المطعمة بالصدف التي تستخدم للديكور وحفظ المجوهرات والأشياء الثمينة، والتحف الفنية كالفازات وأطباق الزينة، كما يمتد التطعيم بالصدف إلى الكراسي وقطع الأثاث والبراويز ورقع الشطرنج وحوامل المصاحف، وجميعها تنتج بمهارة وحرفية عالية، بأيدي رجال ونساء قرية ساقية المنقدي.
أما محافظة الوادي الجديد، فيشارك عارضوها بعرض منتجات الخزف والفخار والخوص والثوب الوحاتي والسجاد والكليم البدوي والأعمال الفنية المتنوعة، مثل الرسم بالرمال، والتي نالت جميعها إعجاب الرئيس عبد الفتاح السيسي، أثناء افتتاحه المعرض، حيث وجه بالتوسع وزيادة الإنتاج لتوفير فرص عمل جديدة.



رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم
TT

رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم، الذي رحل، الأحد، بعد رحلة طويلة في هذه الحياة تجاوزت تسعة عقود، كان أبرزها توليه منصب أمين مدينة الرياض في بدايات سنوات الطفرة وحركة الإعمار التي شهدتها معظم المناطق السعودية، وسبقتها أعمال ومناصب أخرى لا تعتمد على الشهادات التي يحملها، بل تعتمد على قدرات ومهنية خاصة تؤهله لإدارة وإنجاز المهام الموكلة إليه.

ولد الراحل النعيم في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم وسط السعودية عام 1930، والتحق بالكتاتيب وحلقات التعلم في المساجد قبل إقرار المدارس النظامية، وأظهر نبوغاً مبكراً في صغره، حيث تتداول قصة عن تفوقه، عندما أجرى معلمه العالم عبد الرحمن السعدي في مدرسته بأحد مساجد عنيزة مسابقة لحفظ نص لغوي أو فقهي، وخصص المعلم جائزة بمبلغ 100 ريال لمن يستطيع ذلك، وتمكن النعيم من بين الطلاب من فعل ذلك وحصل على المبلغ، وهو رقم كبير في وقته يعادل أجر عامل لمدة أشهر.

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم

توجه الشاب النعيم إلى مكة بوصفها محطة أولى بعد خروجه من عنيزة طلباً للرزق وتحسين الحال، لكنه لم يجد عملاً، فآثر الذهاب إلى المنطقة الشرقية من بلاده حيث تتواجد شركة «أرامكو» ومشاريعها الكبرى، وتوفّر فرص العمل برواتب مجزية، لكنه لم يذهب للشركة العملاقة مباشرة، والتمس عملاً في إحدى محطات الوقود، إلى أن وجد عملاً في مشروع خط التابلاين التابع لشركة «أرامكو» بمرتب مجز، وظل يعمل لمدة ثلاث سنوات ليعود إلى مسقط رأسه عنيزة ويعمل معلماً في إحدى مدارسها، ثم مراقباً في المعهد العلمي بها، وينتقل إلى جدة ليعمل وكيلاً للثانوية النموذجية فيها، وبعدها صدر قرار بتعيينه مديراً لمعهد المعلمين بالرياض، ثم مديراً للتعليم بنجد، وحدث كل ذلك وهو لا يحمل أي شهادة حتى الابتدائية، لكن ذلك اعتمد على قدراته ومهاراته الإدارية وثقافته العامة وقراءاته وكتاباته الصحافية.

الراحل عبد الله العلي النعيم عمل مديراً لمعهد المعلمين في الرياض

بعد هذه المحطات درس النعيم في المعهد العلمي السعودي، ثم في جامعة الملك سعود، وتخرج فيها، وتم تعيينه أميناً عاماً مساعداً بها، حيث أراد مواصلة دراسته في الخارج، لكن انتظرته مهام في الداخل.

وتعد محطته العملية في شركة الغاز والتصنيع الأهلية، المسؤولة عن تأمين الغاز للسكان في بلاده، إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم، بعد أن صدر قرار من مجلس الوزراء بإسناد مهمة إدارة الشركة إليه عام 1947، إبان أزمة الغاز الشهيرة؛ نظراً لضعف أداء الشركة، وتمكن الراحل من إجراء حلول عاجلة لحل هذه الأزمة، بمخاطبة وزارة الدفاع لتخصيص سيارة الجيش لشحن أسطوانات الغاز من مصدرها في المنطقة الشرقية، إلى فروع الشركة في مختلف أنحاء السعودية، وإيصالها للمستهلكين، إلى أن تم إجراء تنظيمات على بنية الشركة وأعمالها.

شركة الغاز والتصنيع الأهلية تعد إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض، وأقر مشاريع في هذا الخصوص، منها إنشاء 10 بلديات في أحياء متفرقة من الرياض، لتسهيل حصول الناس على تراخيص البناء والمحلات التجارية والخدمات البلدية. ويحسب للراحل إقراره المكتب التنسيقي المتعلق بمشروعات الكهرباء والمياه والهاتف لخدمة المنازل والمنشآت وإيصالها إليها، كما طرح أفكاراً لإنشاء طرق سريعة في أطراف وداخل العاصمة، تولت تنفيذها وزارة المواصلات آنذاك (النقل حالياً)، كما شارك في طرح مراكز اجتماعية في العاصمة، كان أبرزها مركز الملك سلمان الاجتماعي.

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض