هل «المافيا» كانت وراء خسارة نابولي للقب الإيطالي عام 1988؟

عندما فاز نابولي على يوفنتوس في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1985، بفضل الهدف الذي سجله الأسطورة الأرجنتينية دييغو أرماندو مارادونا، أصيب خمسة أشخاص بالإغماء في الملعب واثنان بنوبات قلبية. وفي نشرة الأخبار التلفزيونية في تلك الليلة، قال المذيع بلهجة حادة: «لقد تسبب مارادونا في حالة من الفوضى الكبيرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى بعد تسجيله هدف المباراة الوحيد».
وبعد عام ونصف العام، توج نابولي بلقب الدوري الإيطالي الممتاز للمرة الأولى في تاريخه الطويل. واستمرت احتفالات النادي لمدة شهرين متتاليين، وأطلق كثيرون اسم «دييغو» على المواليد الذكور واسم «دييغا» على المواليد الإناث، بسبب ما فعله الساحر الأرجنتيني في ذلك الموسم.
هذه هي التفاصيل التي وردت في الفيلم الوثائقي الجديد الذي يحمل اسم «دييغو مارادونا»، والذي أخرجه آصف كاباديا. ودائما ما يركز الحديث عن الحياة الكروية لمارادونا على الحكاية المجنونة لانضمام أفضل لاعب في العالم إلى نادي نابولي الإيطالي الذي لم يكن قويا على الساحة المحلية والأوروبية آنذاك قبل أن يحقق معه الأسطورة الأرجنتيني نجاحا كبيرا. لقد نجح النجم الأرجنتيني، في غضون ثلاث سنوات فقط، في قيادة نابولي في الحصول على لقب الدوري الإيطالي الممتاز، الذي كان يعد أقوى وأصعب دوري في العالم، بعد أن كان الفريق يصارع من أجل تجنب الهبوط في المواسم السابقة، وهو الأمر الذي يجعل كثيرين يرون أن مارادونا هو أفضل لاعب في تاريخ كرة القدم على الإطلاق.
خلال زيارة إلى نابولي الشهر الماضي، كان من السهل أن نتقابل مع أشخاص ما زالوا يتذكرون تفاصيل أول لقب للدوري يحصل عليه الفريق (في موسم 1986 - 1987) وكأن الفريق قد حصل عليه للتو ومنذ خمس دقائق فقط.
وكان غينارو مونتوري، وهو أحد أفراد مجموعة الألتراس والذي كان يقود مجموعة تضم 20 ألف مشجع في مدرج «كيرفا بي» بملعب «استاد سان باولو» الذي يحتضن مباريات نابولي، واحداً من هؤلاء الأشخاص الذين لا يزالون يتذكرون كافة تفاصيل حصول الفريق على بطولة الدوري في ذلك الموسم. والآن أصبح مونتوري في أوائل الستينات من عمره، وأخرج سماعة تساعده على السمع، الذي تضرر كثيرا نتيجة وقوفه أمام 50 من عازفي الطبول كل أسبوعين تقريبا على مدى عقود (يبدو أن مارادونا كان يدفع ثمن بعض الطبول حتى تكون الأجواء مشتعلة خلال المباريات).
وردا على سؤال حول شعوره بعد فوز نابولي بأول لقب للدوري الإيطالي الممتاز، قال مونتوري: «من الصعب للغاية وصف هذا الشعور. يمكن لشخص مثلكم أن يكتب مقالاً، أو لآصف كاباديا أن يخرج فيلما حول هذا الأمر، لكنك لن تفهم أبدا ما كان عليه الحال بالنسبة لشخص مثلي عاش تلك اللحظة».
عندما تجلس مع جمهور نابولي، فإنهم يتحدثون كثيرا عما حدث في الموسم التالي للفوز بذلك اللقب، وهو الأمر الذي لم يركز عليه كاباديا كثيرا في فيلمه، ربما لأن حياة مارادونا كانت حافلة بالأحداث الأخرى التي يمكن التركيز عليها. لكن الموسم التالي للفوز بلقب الدوري الإيطالي ما زال يجعل جمهور نابولي يشعر بالمرارة والحيرة رغم مرور أكثر من 30 عاما.
لقد بدأ حامل لقب الدوري الإيطالي الممتاز الموسم الجديد بمستوى رائع، حيث ضم الفريق المهاجم البرازيلي كاريكا، الذي كان أحد نجوم كأس العالم بالمكسيك عام 1986، وشكل مارادونا وكاريكا، إلى جانب المهاجم الإيطالي برونو جيوردانو، مثلث هجوم كان استثنائيا ومرعبا لدفاعات جميع الفرق المنافسة. وكان نادي ميلان يمر بمرحلة انتقالية في تلك الفترة، إذ كان رجل الأعمال سيلفيو بيرلسكوني قد اشترى النادي عام 1986 وعين المدير الفني السابق لنادي بارما، أريغو ساكي، مديرا فنيا للفريق. ولم يكن المهاجمان الهولنديان رود خوليت وماركو فان باستن، اللذان ضمهما ميلان في تلك الفترة، قد تأقلما بعد على الأجواء في الدوري الإيطالي الممتاز. أما يوفنتوس، من دون النجم الفرنسي ميشال بلاتيني الذي كان قد اعتزل للتو، فقد تعاقد مع إيان راش من ليفربول الإنجليزي، لكنه لم يقدم الأداء المقنع في ذلك الوقت.
ومنذ الجولة الافتتاحية للموسم الجديد ظهر نابولي بمستويات رائعة. وتحسن أداء ميلان بعد البداية السيئة (الخسارة على ملعبه أمام فيورنتينا، ثم التعادل مع تورينو وتشيزينا اللذين كانا في منتصف جدول الترتيب). لكن مع تبقي خمس مباريات فقط على نهاية الموسم، كان نابولي متقدما بفارق أربع نقاط عن أقرب منافسيه. وفي تلك الفترة كان الفوز يحتسب بنقطتين فقط وليس بثلاث نقاط كما هو الوضع حاليا، وبالتالي كان من الصعب أن يلحق أي فريق بنابولي مع تبقي خمس جولات فقط على نهاية الموسم. ولم يكن نابولي قد خسر سوى مرتين فقط طوال الموسم، لكنه انهار بشكل غريب في نهاية الموسم، ففي آخر خمس مباريات تعادل الفريق في مباراة وخسر أربع مباريات، بما في ذلك الخسارة أمام ميلان على ملعبه بثلاثة أهداف مقابل هدفين.
ويجب التأكيد على أن كرة القدم كثيرا ما تشهد بعد الانهيارات الدراماتيكية، إن جاز التعبير، مثل ما حدث مع نادي نيوكاسل يونايتد عندما كان متصدرا لجدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بفارق 12 نقطة كاملة في منتصف يناير (كانون الثاني) في موسم 1995 - 1996 ولم يستطع الفوز بالنهاية، أو حتى ما حدث لبرشلونة الإسباني أمام ليفربول في النسخة الماضية من دوري أبطال أوروبا، حيث تزداد الضغوط على الفريق وقد لا يكون قادرا على تحملها، وهو الأمر الذي يجعلنا دائما ننتظر ونراقب ما يحدث حتى لو كانت النتيجة شبه محسومة، وهذه هي متعة وإثارة كرة القدم في حقيقة الأمر.
لكن انهيار نابولي في موسم 1987 - 1988 ينظر إليه دائما بعين الشك والريبة، حيث كانت مافيا كامورا تسيطر على المدينة منذ القرن السابع عشر. وكانت ثمانينات القرن الماضي فترة عنيفة بشكل خاص؛ فقد شهد عام 1988 قتالا بين ما لا يقل عن 32 عشيرة من أجل التفوق والسيطرة، وكان يُقتل مئات الأشخاص كل عام.
وكانت المراهنات على المباريات في السوق السوداء تمثل أحد أهم روافد الإيرادات بالنسبة لمافيا كامورا. وفي بداية موسم 1987 - 1988، بدا أن كل شخص في نابولي قد راهن على فوز الفريق ببطولة الدوري الإيطالي الممتاز للعام الثاني على التوالي. وعلى الرغم من أنه لم يثبت وجود علاقة واضحة، فإن نجاح نابولي في الفوز بلقب الدوري الإيطالي الممتاز كان سيضر كثيرا عائلات تلك المافيا الإجرامية في المدينة. وقال لي سيموني دي ميو، وهو صحافي استقصائي متخصص في شؤون مافيا كامورا: «لو فاز نابولي ببطولة الدوري الإيطالي في ذلك الموسم، كان سيتعين على كامورا دفع نحو 200 مليار ليرة على شكل رهانات، وهو ما يعني أن هذه المافيا كانت ستعلن إفلاسها».
بالتأكيد كانت هناك بعض الأحداث الغريبة في نهاية الموسم، فقد تم تحطيم سيارة مارادونا، كما تعرض منزل لاعب وسط نابولي سالفاتور باجني للسرقة مرتين. وفي الفيلم الوثائقي الذي أخرجه كاباديا، تم التطرق للعلاقة بين مارادونا وكامورا، حيث ظهر النجم الأرجنتيني مع عشيرة جيليانو، وهي عائلة لا تعرف الرحمة تدير حي فورسيلا الفقير. لقد ذهب مارادونا لحفلاتهم وكان يحضر حفلات الزفاف الخاصة بهم وحصل على ساعات «روليكس» هدية منهم.
لقد نهض نابولي مرة أخرى وفاز بلقب الدوري الإيطالي عام 1990. لكنه لم يفز باللقب منذ ذلك الحين. وفي الفيلم الذي أخرجه كاباديا، هناك لقطة في غرفة خلع الملابس بينما كان يحتفل الفريق بالحصول على اللقب وكان هناك حديث بين مارادونا ورئيس النادي، كورادو فيرلينو. وكان مارادونا، كما كان متعوداً أن يفعل، يمسك الميكروفون ويقوم بدور المراسل وسأل فيرلينو إذا كان سعيداً بحصول الفريق على لقب الدوري، لكن رئيس النادي أكد على أنه كان سيكون أكثر سعادة لو فاز الفريق باللقب في الموسمين السابقين أيضا. ورد مارادونا عليه قائلا: «لكن سيدي الرئيس، يتعين علينا أيضا أن ندع فريقا آخر يفوز باللقب، وإلا سيكون الأمر مملا».