«خرجت انتصار من غرفة الطبيب وهي تبكي بصمت أليم، وبكاؤها قال كل شيء. فقد أبلغها الطبيب أن ابنها خضر أصبح كفيفا. وفقط إذا تطورت تكنولوجيا جديدة في طب العيون، يمكن أن يعاد إليه البصر في واحدة من عينيه»، هكذا يستهل تقرير جديد عن موبقات الاحتلال بحق الفلسطينيين.
والتقرير من إعداد الصحافيين جدعون ليفي وألكس ليباك، اللذين يوثقان في كل أسبوع واحدة من قصص الممارسات الاحتلالية وينشرانها في صحيفة «هآرتس» العبرية. ويضيفان: «في تلك الليلة لم يغمض خضر عينيه، وهو ينتظر حتى يبزغ الفجر ويغادر بيته في مخيم الشاطئ قرب خان يونس، جنوبي قطاع غزة، إلى مستشفى وولفسون في يافا تل أبيب لإجراء الفحص المصيري. فعاد خائباً».
وكانت قصة خضر قد بدأت في العشرين من شهر فبراير (شباط) الماضي، عندما سبر غباب البحر لصيد الأسماك سوية مع ابن عمه وابن جيله، محمود سعيدي البالغ من العمر 31 عاما. لقد اعتاد كل منهما الصيد معا وهما في الـ13 من عمرهما لكسب مصدر رزق العائلتين. وفي ساعات بعد الظهر من ذلك اليوم دخلا بقاربهما الصغير إلى البحر ونصبا الشباك وعادا إلى الشاطئ على أمل العودة في منتصف الليل لجمع المحصول. ولكنهما فوجئا بأنهما محاطان بأربعة قوارب عسكرية تابعة لسلاح البحرية الإسرائيلي. وكان على متنها عشرات الجنود المسلحين. وبلا سؤال أو جواب، راحوا يطلقون الرصاص المطاطي باتجاههما، فحاولا الهرب بقاربهما الصغير والرصاص يلاحقهما من كل حدب وصوب. مع التركيز على القسم العلوي من الجسد. وجاءت إصابات خضر في الوجه مباشرة. فاعتقلوهما.
تبين أن هناك عدة إصابات في عيني خضر، وفي مستشفى برزلاي في اشكلون تم اقتلاع إحدى العينين وقيل له بأن العين الثانية تحتاج إلى علاج ويمكن أن تعود إليها الرؤية. وأطلقوا سراحه، طالبين منه العودة في 13 مارس (آذار) للعلاج. لكن الإدارة المدنية في الجيش الإسرائيلي لم تعطه تصريحا بدخول إسرائيل. فعين له موعد آخر في 15 مايو (أيار). وهنا أيضا لم يحصل على تصريح. فسافر إلى القاهرة لتلقي العلاج هناك، لكن الأطباء المصريين أبلغوه أن معالجته مستعصية.
في يونيو (حزيران) نشرت قصته في إسرائيل، بواسطة حركات حقوق الإنسان. وقرأها البروفسور دان تيرنر، نائب مدير متشفى شعري تصيدق في القدس الغربية. ومع أنه مستوطن في جنوبي القدس، فقد قرر تبني علاج خضر. لكن الجيش حاول ردعه، مدعين أن خضر غاضب على إسرائيل بسبب فقدان عينه وهذا يجعله «مشروع إرهاب»، فقد يتحول إلى ناشط في أحد التنظيمات ويخطط لقتل أي إسرائيلي بمن في ذلك طبيبه. لكن البروفسور لم يقتنع بهذه الحجة وأصر على معالجته. واتصل مع تنظيم يساري «أطباء من أجل حقوق الإنسان» طالبا مساعدتهم. وتمكن من الحصول في النهاية على تصريح. وربط خضر مع طبيب عيون، هو ابن أخته جيكوف ووكسمان، وجلباه إلى قسم العيون في مستشفى يافا.
ولكن الفحص أعطى نتيجة سلبية. ولا يدري إن كان ذلك واقعيا أم لمجرد التعزية، قالوا له في المشفى: «تعال إلينا بعد سنتين من الآن، لعل الطب يكون قد تقدم في هذا المجال. لا تفقد الأمل». وعاد إلى قطاع غزة، وهو يطرح على نفسه الأسئلة التي لا تنتهي: «كيف سأعيش أعمى؟ من أين سأطعم عائلتي المؤلفة من 9 أنفس؟ ومن يدفع ثمن جرائم كهذه؟».
ذهب لصيد الأسماك فصاده القناصة الإسرائيليون وأفقدوه بصره
ذهب لصيد الأسماك فصاده القناصة الإسرائيليون وأفقدوه بصره
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة